تكشف الإحصائيات الحديثة عن سرعة التحولات التي يشهدها السوق الخليجي، والتي تتجاوز كونها مجرد تغييرات في طبيعة الوظائف لتصبح تحولًا في مفهوم العمل نفسه، في مقابلة مع CNN الاقتصادية استعرض خبراء ومسؤولون التغيرات الحاصلة، محذرين من التحديات التي تواجه القوى العاملة في ظل هذه التحولات.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });
تشير الأرقام إلى أن نصف سكان الخليج تحت سن 35 عاماً، ما يعني أن المنطقة تتمتع بقوى عاملة شابة تمتلك القدرة على إحداث تغييرات جوهرية في سوق التوظيف، في السعودية ارتفع معدل التوطين ليصل إلى 23% في القطاع الخاص، وهو مؤشر على توجه واضح نحو تعزيز الكفاءات المحلية، أما في الإمارات فقد زادت الوظائف عن بُعد بنسبة 40%، ما يعكس تحولاً في أنماط العمل بعيداً عن النموذج التقليدي للمكاتب.
لكن هذا التغير ليس بلا تحديات، إذ يشير الخبراء إلى فجوة متزايدة بين المهارات المطلوبة في السوق والمهارات المتوفرة فعلياً لدى الباحثين عن عمل، فالتكنولوجيا التي تشكل دافعاً رئيسياً لهذا التحول لا تقتصر على خلق وظائف جديدة فحسب، بل تهدد بعض المهن التقليدية، ما يجعل إعادة التأهيل والتعلم المستمر ضرورة ملحة للنجاح في المستقبل المهني.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });
الذكاء الاصطناعي: فرصة أم تهديد؟
كان للذكاء الاصطناعي والأتمتة حضور بارز في النقاش حول مستقبل سوق العمل في الخليج، في مقابلة مع CNN الاقتصادية خلال مؤتمر سوق العمل العالمي أكدت بيتينا شالر، رئيسة الاتحاد العالمي للتوظيف، أن هذه التكنولوجيا ليست مجرد عامل مساعد، بل هي قوة دافعة لإعادة هيكلة قطاعات بأكملها.
وأوضحت أن بعض الصناعات، مثل صناعة السيارات، تمر بمرحلة تحول جذري بسبب التطور التكنولوجي، حيث أصبح من الضروري نقل العاملين إلى مجالات مختلفة تماماً تتطلب مهارات جديدة، هذا التحدي ينطبق أيضاً على التحول نحو الاقتصاد الأخضر، الذي يستدعي انتقالاً من الوظائف المعتمدة على الوقود الأحفوري إلى وظائف أكثر استدامة.
وأكدت شالر أن الإصلاحات الهيكلية باتت ضرورية لمواكبة هذه التغيرات، مشددة على أهمية وضع تدابير دعم للقطاعات المتأثرة، حتى لا تقتصر الفوائد على الشركات وحدها، بل تمتد أيضاً إلى العاملين.
البحرين: نموذج للتكيف مع المستقبل
في البحرين، يبرز نموذج مختلف لمواكبة تغيرات سوق العمل، خلال مقابلة مع CNN الاقتصادية أوضحت مها عبد الحميد مفيد، الرئيس التنفيذي لصندوق العمل «تمكين»، أن الاستراتيجيات الحديثة في البحرين تركز على دعم القطاع الخاص باعتباره المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي، إضافة إلى تعزيز مهارات القوى العاملة المحلية لتكون الخيار الأمثل لأصحاب العمل.
وأكدت مفيد أن قطاع تقنية المعلومات يُعد أحد المجالات الرئيسية التي يركز عليها الصندوق، حيث يتم توفير برامج تدريب وتأهيل وإعادة تأهيل تستهدف الباحثين عن عمل وكذلك الموظفون الحاليون الذين يحتاجون إلى تطوير مهاراتهم، وتشير البيانات التي جمعتها «تمكين» إلى أن وظائف مثل هندسة البرمجيات، والأمن السيبراني، وتحليل البيانات هي الأكثر طلباً في السوق البحريني، ما دفع الصندوق إلى عقد شراكات محلية وعالمية لتدريب آلاف البحرينيين في هذه المجالات.
وأوضحت مفيد أن هذه الجهود لم تقتصر على تعزيز مهارات الأفراد فحسب، بل أسهمت أيضاً في جذب استثمارات كبرى إلى البحرين، على سبيل المثال قامت شركات مثل سيتي بنك وجي بي مورغان بتأسيس فروع لها في المملكة، مستفيدة من توفر كوادر محلية مؤهلة في مجال التكنولوجيا.
كيف يمكن للأفراد الاستعداد لهذا التحول؟
السؤال الذي يطرح نفسه في ظل هذه التغيرات السريعة هو: هل الأفراد مستعدون للمستقبل؟ تشير الاتجاهات الحالية إلى أن النجاح المهني لم يعد مرتبطاً فقط بالحصول على شهادة جامعية، بل أصبح مرتبطاً بمدى قدرة الفرد على تطوير مهاراته بشكل مستمر.
الذكاء الاصطناعي، الرقمنة، والاقتصاد الأخضر ليست مجرد توجهات مستقبلية، بل أصبحت واقعاً يفرض نفسه على سوق العمل، العاملون الذين لا يسعون إلى اكتساب مهارات جديدة قد يجدون أنفسهم خارج المعادلة خلال السنوات المقبلة، في المقابل أولئك الذين يستثمرون في التعلم المستمر والتأهيل الذاتي سيكونون في موقع أقوى للاستفادة من الفرص الجديدة التي يخلقها هذا التحول.
الخلاصة: هل نحن أمام تحدٍ أم فرصة؟
ما يحدث في سوق العمل الخليجي ليس مجرد تغيرات عادية، بل هو تحول جذري يعيد تشكيل المشهد المهني بالكامل، الحكومات والمؤسسات تعمل على التكيف مع هذه التغيرات من خلال سياسات التوطين، والمبادرات التعليمية، والاستثمارات في التكنولوجيا، لكن النجاح في هذا المشهد الجديد يعتمد بشكل أساسي على قدرة الأفراد على التكيف، والتعلم، والاستعداد لمستقبل لا يشبه الماضي.
في النهاية، يبقى السؤال مفتوحًا: هل نحن أمام تحدٍ حقيقي يهدد مستقبل الوظائف؟ أم أن هذه التحولات توفر فرصاً غير مسبوقة لمن يعرف كيف يقتنصها؟ الإجابة تعتمد على مدى استعداد القوى العاملة لمواكبة هذا الواقع الجديد، حيث لا مكان بعد اليوم لمن يكتفي بالمراقبة دون المشاركة الفعالة في رسم معالم المستقبل.