في خضم التغيرات الجيوسياسية وتزايد السياسات الحمائية حول العالم، يبرز الأمن الغذائي كقضية لا تزال محصنة إلى حد كبير حتى في أوقات النزاع التجاري، الدكتور ألفارو لاريو، رئيس الصندوق الدولي للتنمية الزراعية (إيفاد)، أكد في مقابلة مع CNN الاقتصادية على هامش الاجتماعات السنوية لمجموعة البنك الإسلامي للتنمية في الجزائر، أن الغذاء غالباً ما يُستثنى من القيود التجارية المتبادلة، باعتباره «خطاً أحمر» تتجنب الدول تجاوزه.
وقال لاريو: «رغم الحروب التجارية، ما زلنا نلاحظ أن الكثير من الدول تتفادى فرض قيود على الغذاء، لما له من حساسية سياسية واجتماعية واقتصادية بالغة»، مشيراً إلى أن هذا الواقع يسلط الضوء على أهمية الاستثمار في الزراعة المحلية لتحقيق سيادة غذائية مستدامة.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });
شراكة تنموية جنوب- جنوب
أشاد لاريو بالشراكة العميقة بين إيفاد ومجموعة البنك الإسلامي للتنمية، التي نتج عنها أكثر من 30 مشروعاً مشتركاً في دول مختلفة، من بينها استثمار كبير في شمال نيجيريا بقيمة نصف مليار دولار ضمن مناطق المعالجة الزراعية الخاصة، وأشار إلى التزام البنك الإسلامي بضخ 10 مليارات دولار من خلال مجموعة التنسيق العربي لدعم الأمن الغذائي، مؤكداً أهمية إيصال هذه الأموال إلى صغار المزارعين في المناطق الريفية، وليس فقط إلى مشاريع البنية التحتية الكبرى.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });
وأضاف أن هذه الشراكات تأتي ضمن رؤية أوسع لتعزيز التعاون بين دول الجنوب، قائلاً «إن هناك دروساً ثمينة يتم تبادلها بين أميركا اللاتينية وإفريقيا والشرق الأوسط وآسيا»، مشيراً إلى أن إيفاد يعمل في نحو 100 دولة حول العالم ويشهد هذه التبادلات عن قرب.
النظام المالي الدولي بحاجة إلى إعادة تصميم
وفي ظل التحديات المتصاعدة، شدد لاريو على ضرورة إصلاح النظام المالي العالمي لدعم التنمية الزراعية بشكل أكثر كفاءة، وأوضح أن مؤتمر تمويل التنمية المزمع عقده في إشبيلية هذا العام سيكون فرصة لإعادة تقييم نموذج “من المليارات إلى التريليونات”، الذي لم ينجح كما كان متوقعاً في جذب استثمارات القطاع الخاص إلى القطاعات التنموية.
وقال إن إيفاد بدأ بالفعل بالتحرك ضمن هذا الاتجاه من خلال حصوله على تصنيفين ائتمانيين، واستخدام موارده الذاتية للاستثمار المشترك مع القطاع الخاص، في خطوة تهدف إلى تعبئة رأس المال الدولي والمحلي لدعم المجتمعات الريفية.
الخليج لاعب رئيسي في الأمن الغذائي والمياه
ورداً على سؤال حول دور دول مجلس التعاون الخليجي، اعتبر لاريو أن المنطقة باتت تلعب دوراً محورياً في دعم الأمن الغذائي وتمويل مشاريع التكيف المناخي، مشيداً بمبادرة المملكة العربية السعودية لإنشاء منظمة عالمية للمياه، وقال إن تقنيات الري وإدارة المياه التي تُطوّر في الخليج يمكن أن تحدث تحولاً نوعياً في دعم الزراعة المستدامة، بشرط أن تصل هذه الحلول إلى المزارعين الصغار، لا أن تبقى حكراً على المشروعات الكبرى.
نحو سيادة غذائية متكاملة
واختتم لاريو حديثه بالتأكيد أن رؤساء الدول في الجنوب العالمي بدؤوا يدركون أن الأمن الغذائي هو أيضاً أمن قومي، مشيراً إلى جهود ملموسة في بلدان مثل مصر وإثيوبيا لتعزيز الاكتفاء الذاتي الزراعي، كما أشار إلى الفرص التي تتيحها منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية لتعزيز التكامل الإقليمي في تبادل الغذاء والموارد.
وأضاف: «نحن أمام لحظة حاسمة لإعادة التفكير في منظومة التمويل والتنمية، وإذا أردنا فعلاً تحقيق تحول مستدام، فعلينا أن نبدأ من الريف».