بياناتكم ملك لكم.. من يوم ميلاد الإنترنت إلى ثورة الويب3

الويب 3 أكثر من مجرد تواصل بين البشر

من حالفه الحظ من جيل التسعينيات وما قبل، لرؤية الإنترنت بشكله البدائي والابتدائي، لا بد أن يجلس الآن مندهشاً من التطور الذي وصلنا إليه اليوم في منتصف العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين.

أنا شخصياً، أذكر حين كنت في الرابعة عشرة من عمري وتحديداً عام 2005، حصلت على هدية من والدي عبارة عن هاتف من نوع «نوكيا»، لم يكن ذكياً على الإطلاق مقارنة بأيامنا هذه، لكن حينها، كان اختراعاً عظيماً جداً لجيلنا آنذاك.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });

وقتها، وحين شغّلت خدمة الإنترنت للمرة الأولى، أذكر أن أول موقع دخلت للتعرف عليه كان محرك البحث غوغل، الأشهر على الإطلاق، لكن الانتقال من صفحة إلى أخرى، كان عملية بطيئة للغاية، والأكثر فكاهة من ذلك، أن خمس أو ست عمليات بحث، استهلكت كل باقة الإنترنت التي كانت متاحة لي والتي لم تكن تتجاوز 50 ميغابايت.

اليوم، وأنا أنظر إلى عالم الويب 3 والبلوك تشين، كل ما يجول بذهني وأنا أتنقل بين صفحات الإنترنت، سؤال واحد لا ثاني له.. بعد نحو 20 عاماً من تشغيلي خدمة الإنترنت على جهاز نوكيا القديم آنذاك، ما شكل الإنترنت الذي سأراه بعد 20 عاماً من اليوم؟ 

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });

يوم ميلاد الإنترنت.. وأيام الحرب الباردة

على الرغم من أن الأول من يناير كانون الثاني 1983 هو اليوم المتعارف عليه رسميًا لولادة الإنترنت، فإن ولادة شبكة الإنترنت أو الفكرة بحد ذاته، بدأت في ستينيات القرن العشرين.

فقد وُجدت كوسيلة لمشاركة المعلومات بين الباحثين الحكوميين، حينها كانت أجهزة الكمبيوتر في الستينيات كبيرة وغير متحركة –تبدو وكأنها غرفة ضخمة بحد ذاتها، ومن أجل الاستفادة من المعلومات المخزنة في أي جهاز كمبيوتر واحد، كان على المرء إما السفر إلى موقع الكمبيوتر أو إرسال أشرطة حاسوب مغناطيسية عبر نظام البريد التقليدي.

أما الحافز الأكبر في تشكيل شبكة الإنترنت فكان الحرب الباردة بين القوتين العظميين في القرن العشرين، الاتحاد السوفياتي من جهة، والولايات المتحدة من جهة أخرى.

لكنَّ المحرك الرئيسي لها، كان إطلاق الاتحاد السوفييتي القمر الصناعي سبوتنيك الذي أثار حفيظة وزارة الدفاع الأميركية، هذا التحارب السياسي والعسكري والفكري، أدى في النهاية إلى تشكيل شبكة «آربانيت- شبكة وكالة مشاريع الأبحاث المتقدمة»، وهي الشبكة التي تطورت في النهاية إلى ما نعرفه الآن باسم الإنترنت.

حتى الآن، شهد العالم ثلاث مراحل لتطور شبكة الإنترنت، الأولى هي الويب 1.0 والثانية ويب 2.0 والأهم والأكثر تطوراً هي الويب 3.0 التي سندخل في تقريرنا هذا عميقاً في تفاصيلها.

ما هو الويب 3.0؟

بعيداً عما نعرفه عن محركات البحث ومواقع السوشيال ميديا والويكيبيديا والمدونات الشخصية التي ظهرت مع تطور شبكة الويب 2.0، فإن أهم ما منحتنا إياه ولادة عالم الويب 3، هي إمكانية السيطرة على معلوماتنا عبر الإنترنت وإنشاء شبكات خاصة بنا، أي أنه ببساطة الثورة الكبرى لعالم الويب 3، هي الانتقال من المركزية التي شهدتها الإنترنت من خلال الويب 1 والويب 2، إلى عالم البلوك تشين في الويب 3، الذي يمنح المستخدمين رفاهية اللامركزية، والهويات الرقمية المجانية مع محافظ التشفير والاقتصادات الرقمية المفتوحة، ومؤخراً ثورة العملات المشفرة وعلى رأسها بيتكوين.

وإن أردنا تقريب الصورة أكثر ومعرفة التطور الكبير الذي جلبه لنا عالم الويب 3، سأعطيكم مثلَين عن أدوات بتنا نتواصل معها بالصوت ونعطيها أوامر لمساعدتنا في الكثير من الأمور التي نقلت حياتنا وبيوتنا إلى معالم ذكية، أبرزها المساعدان الافتراضيان «Siri سيري» الخاص بشركة أبل، و«أليكسا Alexa» الخاصة بشركة أمازون.

وفيما غير ذلك، نقلنا الويب 3 من الدردشة المباشرة عبر الإنترنت إلى منصات الوسائط الاجتماعية الحديثة مباشرة إلى ثورة المدفوعات الرقمية الأساسية للخدمات المصرفية والبنوك الذكية، التي أتاحت المدفوعات عبر الحدود بشكل لحظي.

وببساطة أكبر للتعريف، الويب 3 هو الجيل الثالث من تكنولوجيا الإنترنت التي تعتمد -بشكل كبير- على التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا البلوك تشين.

الشغف بالكريبتو أسس مصطلح الويب 3

لمن لا يعرف، تم إنشاء مصطلح الويب 3 بواسطة غافين وود، مؤسس عملة بولكادوت المشفرة التي تبلغ قيمتها السوقية اليوم 7.3 مليار دولار، وهو أيضاً المؤسس المشارك لإيثريوم، ثاني أكبر عملة مشفرة بالعالم بقيمة سوقية تفوق 329 مليار دولار.

هدف وود الأساسي، كان إقحام اللامركزية والاقتصادات الرقمية ليصبح لها أيضاً دور مهم في عالم الويب 3، حيث تسمح لنا بوضع قيمة على المحتوى الذي تم إنشاؤه على الشبكة.

كيف يعمل الويب 3؟

في البداية علينا أن نعي الفرق بين مفهوم الويب ومفهوم الإنترنت، الإنترنت هي البيئة التشغيلية والحاضنة للويب والتي تقدم الخدمات والمعلومات عن طريق تطبيقاتها والتي تسمى بتطبيقات الويب التي نعرفها جميعاً برمز «Www» الذي أسسه البريطاني تيم بيرنرز لي.

في أوائل التسعينيات، تم بناء مواقع الويب باستخدام صفحات «HTML» ثابتة يمكنها فقط عرض المعلومات، حينها لم يكن هناك طريقة للمستخدمين لتغيير البيانات أو تحميل بياناتهم الخاصة، إذ كانت التفاعلات الاجتماعية محدودة برسائل الدردشة البسيطة والمنتديات.

بعد ذلك، ظهر عالم الويب 2.0 أواخر التسعينيات، ومعه بدأ التحول نحو إنترنت أكثر تفاعلية تمكن المستخدمين من التفاعل مع مواقع الويب وأبرز مظاهرها وسائل التواصل الاجتماعي التي بدأت مع مسنجر وياهو.

ومن هنا، الفضل الكبير على كبرى شركات التكنولوجيا التي نراها اليوم، أبرزها غوغل وميتا وتيك توك وغيرها.

إذاً -وبشكل مختصر- انتقلنا من تقديم البيانات أولاً بشكل ثابت للمستخدمين إلى إمكانية التفاعل مع هذه البيانات إلى عالم الخوارزميات الذي لو أردتم معرفة مدى أهميته فألقوا نظرة على حساباتكم في «يوتيوب» و«نتفليكس» التي باتت تقترح عليكم حرفياً ما تحبونه فور مشاهدتكم مقطع فيديو واحداً فقط، إنها تعرف ذوقكم من اللحظة الأولى.

والآن، جاء دور تقنية الويب 3، التي فتحت المجال أمامنا للاستفادة من تقنيات الند للند «P2P» التي ترتكز عليها منصات التداول مثلاً إلى البرامج مفتوحة المصدر والواقع الافتراضي وإنترنت الأشياء.

الويب 3 والعملات المشفرة

تتمتع تقنية البلوك تشين والعملات المشفرة بإمكانات كبيرة عندما يتعلق الأمر بالحديث عن أهمية الويب 3.

فمن النظرة الأولى للعملات المشفرة، ندرك جميعاً أن هدفها خلق نظام لامركزي، وهو أساس وجوهر وجود الويب 3.

فالشبكات اللامركزية في الويب 3 تركز بالأساس على خلق حوافز لملكية البيانات والحوكمة وإنشاء المحتوى بشكل أكثر مسؤولية، ومن أبرز الأمثلة على ذلك:

  • محافظ العملات المشفرة الرقمية، التي تتيح لأي شخص إنشاء محفظة تسمح لك بإجراء المعاملات بحيث يصبح لديه بنك خاص به ولديه السيطرة الكاملة على أمواله.
  • اللامركزية فيما يخص البيانات، التي تسمح بالتعميم الشفاف للمعلومات، وهي نقيض عالم الويب 2.0، حيث تهيمن شركات التكنولوجيا العملاقة على جوانب ضخمة من حياتنا عبر الإنترنت وتملك كل بياناتنا.
  • الاقتصادات الرقمية، التي تعطينا القدرة على امتلاك البيانات على سلسلة كتل، واستخدام المعاملات اللامركزية وتداول السلع والخدمات والمحتوى عبر الإنترنت بسهولة دون الحاجة إلى تفاصيل مصرفية أو شخصية ودون الحاجة إلى وسيط.

في خلاصة الأمر، يختلف العالم بين محورين، الأول من يرى الجانب الإيجابي بعالم الإنترنت وسرعة تطوره، والثاني الذي يرى فيه تكريساً لعبودية البشر أمام الآلة وكذلك أمام أحادية القرار، التي تكمن في تحكم الشركات الكبرى بنواحي حياتنا الشخصية وحتى نمطنا الاستهلاكي، وهنا دور الويب 3 الأساسي، الذي يفتح الباب مشرعاً أمام «عالم إنترنت صحي أكثر» من جهة، ونظام اقتصادي ومصرفي حرّ وشفاف وعادل من جهة أخرى.