عام المجتمع في الإمارات.. دور الفرد في الاقتصاد

عام المجتمع في الإمارات.. دور الفرد في الاقتصاد
خليفة بن هندي clock

خليفة بن هندي

خبير وزميل في برنامج خبراء الإمارات، قطاع تنمية المجتمع والخدمات الاجتماعية

 

عندما نتحدث عن نجاح الاقتصادات والدول والحضارات، يبرز تساؤل جوهري: ما السر وراء هذا النجاح؟ الإجابة تكمن في نواة المجتمع؛ فالأسرة هي الأساس الذي تُبنى عليه الحضارات، والمجتمع هو القلب النابض لأي دولة، فعندما تقوم الأسر على قيم راسخة ومبادئ أصيلة، ينهض المجتمع على أساس متماسك ليعكس قوة الدولة وصلابتها، لأن أي دولة، في نهاية المطاف، ليست سوى مرآة تعكس وعي المجتمع ورقي أفراده، أولئك الذين يغرسون القيم النبيلة ويتحملون مسؤولية البناء، سواءً في التربية والتعليم أو في التخطيط والتنفيذ.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });

لكل فرد دوره المحوري في هذا النسيج المجتمعي؛ من المعلم الذي يغرس القيم والعلم إلى المسؤول الذي يرسم السياسات والاستراتيجيات الوطنية وصولاً لعامل النظافة الذي يحافظ على بيئة ونظافة المدن والمهندس الذي يبنيها، حيث يسهم الجميع فرداً فرداً في رسم لوحة تشكل هذا النسيج المتكامل، في عالمنا المتغير بشكل متسارع اليوم، لا تقتصر المسؤولية على جهة واحدة أو فرد واحد، بل هي أشبه بعملية متواصلة ومسؤولية جماعية تسهم في تحقيق الاستقرار والتنمية.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });

لقد أثبت التاريخ أن المجتمعات المُنتجة والمُتماسكة هي التي تقود الدولة للنجاح والريادة، على سبيل المثال، الأندلس لم تبلغ مجدها إلا حينما اجتمع فيها العلم والعمل والتعاون والسلام، وكذلك بيت الحكمة في بغداد لم يكن مجرد مكتبة، بل كان منارة للإبداع والتقدم، وتسليح المجتمع بالعلم والمعرفة، لقد تميزت مجتمعات تلك النماذج، فأرست دعائم حضارات امتدت لقرون وما زال العالم يقطف ثمار إنجازاتها في مختلف مجالات العلوم الاجتماعية والفيزيائية والفلك والحساب وغيرها.

واليوم، تسير دولة الإمارات على المسار ذاته، حيث تبني نموذجاً اقتصادياً قائماً على مجتمع متماسك ومتسلح بالعلم والمعرفة، حيث إن لغة الأرقام هي خير شاهد على ذلك، وفي هذا السياق تبرز قوة وصلابة دولة الإمارات، حيث تشير أحدث الإحصائيات والأرقام إلى نجاحاتها المتوالية في المجالات كافة، فقد أعلن مؤخراً صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، أن الإمارات حققت إنجازاً تاريخياً في مجال الاقتصاد الوطني، حيث بلغت تجارتها الخارجية لأول مرة 3 تريليونات درهم مع نهاية عام 2024، وأضاف أن التجارة الخارجية العالمية نمت بمعدل 2% سنوياً في عام 2024، بينما شهدت تجارة الإمارات الخارجية نمواً استثنائياً بلغ سبعة أضعاف، بمعدل نمو قدره 14.6% خلال العام نفسه. 

 

لكن، من يصنع هذا الاقتصاد؟ هل هو مجرد أرقام وأسهم ومؤشرات على الشاشات؟ الاقتصاد هو الإنسان، والمجتمع هو محركه الرئيسي، في كل يوم تبدأ الحركة الاقتصادية منذ لحظة استيقاظ العائلة صباحاً، حيث تبدأ في شراء الحاجيات الأساسية من خبز وحليب ومستلزمات غذائية، ثم يتتابع ذلك النشاط ليشمل السلع والكماليات وكل ما يحتاج إليه الأفراد في حياتهم اليومية، ومن ثم يتجه الفرد للإنتاج والعمل ليكون هو المحرك وليس العجلة أو المُنتج أو المُستهلك فحسب. 

هذا هو المجتمع وأهميته في أبسط صوره، وهذه هي القوة الدافعة وراء النمو لكل دولة، كل نجاح هو ثمرة رحلة عمل وكفاح واجتهاد طويلة تبدأ من الفرد نفسه. 

وهنا تكمن أهمية إعلان عام 2025 "عام المجتمع"، الذي أعلنه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، ما يعكس فهم القيادة العميق لأهمية الفرد في بناء الوطن، انطلاقاً من أن الإنسان هو محور المجتمع والتنمية والاقتصاد، هذه المبادرة تعزز التلاحم بين أفراد المجتمع، وتعمل على تحفيز الجميع، من الحكومة إلى القطاع الخاص إلى الأفراد.

كما أن "عام المجتمع" يمثل دعوة للتفاعل والمشاركة الإيجابية، عبر ابتكار الأنشطة والجلسات التي تعزز الهوية المجتمعية والوطنية، لا يمكن للفرد أن يقلل من أهمية دوره في المجتمع، فكل شخص، مهما كان موقعه، له تأثير كبير، لذلك فالفرد الفاعل في المجتمع الذي تبدأ دورة الاقتصاد من عنده، هو أيضاً المستفيد الأول من نتائج نجاح هذا الاقتصاد.

وفي النهاية، "عام المجتمع" هو دعوة للعمل الجماعي والمساهمة الفعالة من الجميع، إن كل شخص، سواء كان فرداً أو مؤسسة، يمكنه أن يؤدي دوراً إيجابياً، وإذا قام بذلك بشكل مستمر، فإن التأثير سيكون هائلاً، فحتى خمس دقائق من العمل الإيجابي يومياً على مدار العام يمكن أن تؤدي إلى 365 عملاً إيجابياً، ولنا أن نتخيل النتيجة إذا قام 10 ملايين شخص بهذا العمل كل يوم وعلى مدار العام.

تم إعداد هذه المقالة لصالح CNN الاقتصادية، والآراء الواردة فيها تمثّل آراء الكاتب فقط ولا تعكس أو تمثّل بأي شكل من الأشكال آراء أو وجهات نظر أو مواقف شبكة CNN الاقتصادية