ماذا لو انهارت البيتكوين وأصبحت تساوي دولاراً واحداً؟

ماذا لو انهارت البيتكوين وأصبحت تساوي دولاراً واحداً؟
علي حمودي clock

علي حمودي

خبير اقتصادي , الرئيس التنفيذي لشركة ATA Global Horizons

ماذا لو انهارت البيتكوين إلى دولار واحد؟ هل سنشهد زلزالاً مالياً عالمياً أم مجرد عاصفة عابرة؟

سؤال لا يفارق ذهني، ورغم أنه احتماليته ضئيلة، فإنه يبقى وارداً ويستحق التفكير من قِبل المستثمرين، والمسؤولين، والجهات التنظيمية على حد سواء. هل ستنهار الأسواق؟ هل ستتلاشى الثقة في العملات الرقمية؟ أم أن الاقتصاد العالمي سيمتص الصدمة كما امتص أزمات كبرى من قبل؟

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });

البيتكوين... من صعودٍ مذهل إلى انهيارٍ مدوٍ؟

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });

في السنوات الأخيرة، خطفت البيتكوين أنظار المستثمرين، وهزت أركان المؤسسات المالية، واستنفرت الحكومات حول العالم كأصلٍ رقميٍ ثوريٍ غيّر معادلات الاقتصاد التقليدي، تقلبت قيمته بشكل حاد، وأعاد تشكيل مفهوم التمويل اللامركزي، وأشعل جدلاً لا ينتهي حول مستقبله واستدامته وتأثيره على الاقتصاد العالمي، لكن ماذا لو انهارت قيمته إلى مجرد دولار واحد؟ كيف ستتفاعل الأسواق المالية والمصارف مع هذا السيناريو الصادم؟ هل سيفقد المستثمرون مليارات الدولارات؟ هل ستنهار سوق العملات الرقمية بالكامل؟ هل سيؤدي إلى زلزال اقتصادي أم مجرد عثرة في طريق العملات الرقمية؟ في هذا المقال، نستكشف التداعيات المحتملة لمثل هذا الانهيار المدوي.

تأثيره على أسواق العملات الرقمية

  • ثقة السوق: يُنظر إلى البيتكوين باعتبارها القائد و المؤشر الرئيسي لأداء سوق العملات الرقمية بأكمله، وبالتالي، إذا انهارت قيمتها إلى دولار واحد، فقد تهتز الثقة في المنظومة الرقمية برمتها، ما يؤدي إلى موجات بيعٍ هائلة واضطرابات عنيفة قد تعصف بسوق العملات الرقمية ككل.
  • قيمة العملات البديلة: ترتبط العديد من العملات الرقمية البديلة (Altcoins) إلى حد كبير بالبيتكوين، وتستمد جزءاً من قيمتها منه، لذا فإن هبوطه الحاد قد يُطلق سلسلة انهيارات متتابعة، تقضي على رؤوس الأموال، وتهز أسس استقرار النظام المالي اللامركزي الناشئة.
  • مصير التعدين: يعتمد تعدين البيتكوين على استثمارات ضخمة في الأجهزة واستهلاك عالٍ للطاقة، ولكن بسعر دولار واحد، يصبح هذا النشاط غير مجدٍ اقتصادياً، ما قد يدفع بأعدادٍ كبيرة من المعدّنين إلى الخروج من السوق، وقد يؤدي إلى تراجع النشاط التعديني بشكل كبير. والنتيجة.. تراجع أمان الشبكة، وبطء المعاملات، وانخفاض موثوقية النظام.. فهل يكون هذا بداية النهاية للبيتكوين؟

تأثيره على الأسواق المالية والمؤسسات المصرفية

  • ضربة قاسية للمحافظ الاستثمارية: المؤسسات المالية والمستثمرون الأفراد الذين يمتلكون البيتكوين في محافظهم الاستثمارية سيواجهون خسائر فادحة، ما قد يدفعهم لإعادة النظر في تقييم استراتيجياتهم المتعلقة بالأصول الرقمية، وقد يكون هذا الانهيار الشرارة التي تشعل مطالبات بتشديد الرقابة والتنظيم على الاستثمار في سوق العملات الرقمية.
  • اهتزاز ثقة المؤسسات: خلال السنوات الأخيرة، تسابقت المؤسسات الكبرى لاحتضان البيتكوين ودمجها في أنظمتها المالية، لكن انهيارها إلى دولار واحد قد يكون نكسة كبرى لهذا التوجه، ما يعرّض الشركات التي تقدم خدمات الدفع بالعملات الرقمية،  وخدمات الحفظ الأصول الرقمية، ومشروعات تطوير البلوكشين إلى مخاطر غير مسبوقة، فهل تتراجع المؤسسات عن رهانها على العملات الرقمية؟
  • شبح الفقاعة المالية: انهيار البيتكوين قد يعيد إلى الأذهان أزمات الأسواق المالية السابقة، حيث انفجرت فقاعات المضاربة تاركة وراءها آثاراً مدمرة، وربما تدفع هذه الصدمة الجهات التنظيمية إلى التدخل بقوة وفرض المزيد من القيود، ليس فقط في سوق العملات الرقمية، بل في كل التقنيات المالية الناشئة، لحماية المستثمرين وتجنب تكرار مثل هذه الأزمات في المستقبل.

تداعيات اقتصادية واسعة

  • صدمة اقتصادية تهز المستهلكين والشركات: الشركات التي تبنّت البيتكوين كوسيلة دفع ستواجه تحديات ضخمة تتعلق بالتسعير والمحاسبة والسيولة النقدية، أما المستهلكون الأفراد الذين استثمروا في البيتكوين كمخزن للقيمة أو أداة للمضاربة، فسيجدون أنفسهم أمام تراجع هائل في قدرتهم الشرائية، ما قد يُشعل موجة من الخسائر والانكماش المالي، لكنه في رأيي لن يكون واسع النطاق وسيكون أثره على المنكشفين والمستثمرين  في العملات المشفرة وشركات الوساطة والـCrypto Exchanges.
  • التكنولوجيا والابتكار الناجي الوحيد.. رغم انهيار البيتكوين، فإن التكنولوجيا التي بُني عليها –البلوكشين– قد تستمر في الازدهار، إذ تتجاوز استخداماتها حدود العملات الرقمية، لتشمل  العقود الذكية، وإدارة سلاسل التوريد، وأمن البيانات التي قد تواصل مسيرتها بثبات، وبينما قد يتباطأ تطبيقها المالي، فإن الابتكار الرقمي لن يتوقف.. فقد يكون سقوط أو أفول نجم البيتكوين مجرد محطة في مسار الثورة الكبرى للبلوكشين.

هل يتكرر سيناريو 2008؟ أم أن انهيار البيتكوين مجرد زوبعة في فنجان؟

رغم أن هبوط سعر البيتكوين إلى دولار واحد سيكون بمثابة زلزال يهز الأسواق الرقمية، فإنه من غير المرجح أن يُسقط النظام المصرفي العالمي كما حدث مع انهيار "ليمان براذرز" في سبتمبر 2008، فالأزمة المالية آنذاك كانت نتيجة مخاطر منهجية متجذرة في صميم القطاع المصرفي، من قروض الرهن العقاري عالية المخاطر، الممنوح دون ضمانات كافية، إلى جانب المشتقات المالية المعقدة التي كانت مترابطة بشدة مع المؤسسات المصرفية الكبرى حول العالم.

أما البيتكوين، ورغم الضجة التي أحدثها وجاذبيته المتزايدة لدى المؤسسات، فإنها لا تحمل حتى الآن الثقل النظامي نفسه في الشبكة المصرفية العالمية، وذلك لعدة أسباب جوهرية..

  • اندماج محدود: رغم تزايد انتشار البيتكوين والعملات الرقمية، فإنها لا تزال تمثل جزءاً صغيراً من النظام المالي العالمي. صحيح أن بعض البنوك والمؤسسات المالية لديها انكشاف على البيتكوين، لكن ذلك لا يصل إلى مستوى يُشكل خطراً منهجياً يهدد الاستقرار المالي.
  • غياب الترابط العميق: على عكس الأدوات المالية المدعومة بالرهن العقاري التي فجّرت أزمة 2008، لا يرتبط البيتكوين بشكل وثيق بالآليات الأساسية للنظام المصرفي التقليدي، مثل الإقراض بين البنوك أو توفير السيولة للعمليات المالية الكبرى.
  • إجراءات تنظيمية وقائية مسبقة: نظراً لكون العملات الرقمية تُعامل في معظم الأحيان كأصول مضاربية عالية المخاطر، فقد وضعت الجهات التنظيمية تدابير وقيوداً لحماية المؤسسات المالية من المخاطر الشديدة لتقلبات البيتكوين، ما يقلل من احتمالية انتقال العدوى إلى النظام المصرفي.
  • المخاطرة تقع على عاتق المستثمرين: الخسائر الناتجة عن انهيار البيتكوين سيتحملها بشكل أساسي المؤسسات والمستثمرون الأفراد الذين استثمروا فيها بشكل مباشر، ما يعني أن تداعيات ذلك ستظل محصورة في نطاق محدد، ولن تتسبب بانهيار شامل للنظام المصرفي.
  • حجم السوق والتأثير: رغم ضخامة سوق العملات الرقمية، فإنها لا تزال صغيرة مقارنة بالأسواق المالية العالمية، وبالتالي فإن هبوطاً حاداً في قيمة البيتكوين قد يؤدي إلى أزمة سيولة داخل سوق العملات الرقمية، لكنه لن يكون كافياً لإحداث اضطراب واسع النطاق في استقرار النظام المصرفي العالمي.

ختاماً... صدمة كبرى، لكنها ليست كارثة مصرفية عالمية!

لا شك أن انهيار البيتكوين إلى دولار واحد سيخلّف آثاراً مدمرة واسعة النطاق، وسيفجر موجات من التقلبات العنيفة في الأسواق، بدءاً من فقدان الثقة في سوق العملات الرقمية، وانهيار قيمة الأصول الرقمية الأخرى، وحتى التأثير على المؤسسات المالية والمستثمرين، لكنه لن يمتلك التأثير النظامي الكفيل بإسقاط النظام المصرفي العالمي كما فعل انهيار ليمان براذرز في سبتمبر 2008، ومع ذلك، فإن مثل هذا الحدث سيشعل بلا شك نيران الجدل حول ضرورة تشديد الرقابة على الأصول الرقمية، وسيدفع الجهات التنظيمية لإعادة تقييم المخاطر المرتبطة بالاستثمارات في العملات الرقمية، تحسباً لسيناريوهات أكثر خطورة في المستقبل، ولكن من الحكمة دائماً أن نسأل، ماذا لو ؟