اليوم الإماراتي للتعليم: نحو نموذج تعليمي عالمي

اليوم الإماراتي للتعليم
حارث الهاشمي clock

حارث الهاشمي

خبير في برنامج خبراء الإمارات، والمؤسس والرئيس التنفيذي لشركة تويلف

كانت أنظمة التعليم تتبع نمطاً تقليدياً.. الالتحاق بالمدرسة، والحصول على شهادة، ثم الانضمام إلى سوق العمل.

كان هذا النموذج ملائماً لحقبة زمنية عرفت وتيرة بطيئة من التغيرات الاقتصادية والتكنولوجية وكذلك تطور المهارات، ولكن اليوم هذا النموذج ذهب أدراج الرياح ولن يعود!

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });

لم يعد التعليم مجرد محطة تُختتم بالتخرج، بل يجب أن يكون نظاماً حياً يتماشى مع التغيرات المحيطة، ليساعد الأفراد على الاستعداد للوظائف الحالية والمستقبلية على حد سواء، ما يمكّنهم من صناعة المستقبل بدلاً من مجرد التكيُّف معه.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });

إن دولة الإمارات من بين الدول التي تتمتّع بالقدرة على قيادة هذا التحول.

في 28 فبراير، تحتفل دولة الإمارات باليوم الإماراتي للتعليم للمرة الأولى، وهي لحظة للتأمل فيما تم تحقيقه، ولكن الأهم من ذلك فرصة لطرح سؤال جوهري: ماذا بعد؟

إن الحقيقة التي يجب أن نعيها هي أن الإمارات لا تعمل على بناء وتطوير النظام التعليمي فقط، بل هي بصدد تأسيس نموذج تعليمي جديد كُلياً.

دولة قائمة على التنوع.. مهيأة للمستقبل

لقد أصبحت الإمارات نموذجًا عالميًا في تطوير مستقبل التعليم، حيث لا تقتصر الجامعات والمدارس العالمية على التوسع داخل الدولة فقط، بل تسهم في إعادة التفكير في شكل التعليم الذي يجب أن يكون عليه في عالم سريع التغير.

على سبيل المثال، لم تختر مؤسسات مثل مدرسة هارو أبوظبي، ومدرسة كرانلي أبوظبي، وجامعة جورجتاون دبي، وجامعة نيويورك أبوظبي، والعديد من المؤسسات الأخرى من جميع أنحاء العالم، الإمارات كموقع جديد لها فقط، بل كمختبر لمستقبل التعليم. وهذا ما يميز الإمارات، إذ إنها لا تقوم باستيراد النماذج التعليمية، بل تسهم في صياغتها.

في معظم البلدان، تقوم المؤسسات التعليمية العالمية باستيراد أنظمتها وتطبيقها كما هي، أما في الإمارات، فإن العكس هو ما يحصل، فالتنوع الثقافي، والموقع الاستراتيجي، والتحولات الاقتصادية السريعة تفرض على هذه المؤسسات التكيف والتطور.

ماذا يحدث عندما يكون طلابك من 200 جنسية مختلفة؟ عندما تكون الحكومة والصناعة في حالة تحول مستمر؟ عندما يتم إنشاء قطاعات جديدة مثل الذكاء الاصطناعي، والفضاء، والاستدامة بسرعة؟ هنا لا نتحدث فقط عن تغيير أساليب التدريس، بل عن إعادة تعريف جوهر التعليم ذاته.

إن الجامعات والمدارس في الإمارات العربية المتحدة تختبر أساليب جديدة للتعلم متعدد التخصصات، وتنمية المهارات القيادية، ودمج التكنولوجيا، كما أنها تتجاوز الهياكل التقليدية للدرجات العلمية، وتختبر نماذج التعلم مدى الحياة التي ترافق الطلاب في حياتهم المهنية، فضلاً عن مواءمة التعليم مع احتياجات القطاعات، بحيث لا يدخل الخريجون سوق العمل فحسب. بل يسهمون في صياغتها.

ما بعد المدارس والجامعات: بناء منظومة متكاملة للمواهب

إن التغيير الأكثر أهمية لا يحدث داخل الفصول الدراسية، بل خارجها.

وفي هذا الإطار، فإن الإمارات لا تسعى فقط لتحسين التعليم، بل كيفية إعادة تصميم منظومة المواهب بالكامل، بحيث لا يتفاعل التعلم والعمل فقط، بل يتطوران معاً، وهذا التحول يحدث بالفعل.

في دبي، احتل طلاب المدارس الخاصة المرتبة الخامسة عالمياً في العلوم والسابعة في الرياضيات، متفوقين على العديد من الدول المتقدمة. بينما قفزت جامعة أبوظبي 60 مركزاً لتحتل المرتبة الـ191 عالمياً، وصعدت جامعة خليفة لتصبح ضمن أفضل 30 جامعة ناشئة عالمياً.. استثمارات الإمارات في الذكاء الاصطناعي، والاستدامة، والفضاء لا تقتصر على تشكيل هذه الصناعات فحسب، بل تعيد تعريف المهارات التي يجب أن يعطيها التعليم الأولوية.

وفي الوقت ذاته، ظهرت نماذج محلية مبتكرة.

على سبيل المثال، مدارس مثل مدرسة خليفة بن زايد الأول في أبوظبي ومدرسة «نجمارا» في دبي، تعيدان صياغة مفهوم التعليم المستقبلي. تجمع مدرسة خليفة بن زايد الأول بين التراث الإماراتي وأحدث أساليب التعليم، مما يثبت أن التعليم العالمي يجب أن يتناغم مع الهوية الوطنية، بينما تتبنى «نجمارا» أسلوباُ جديداُ كلياُ، حيث يتم التركيز على التعلم العملي وتنمية الشخصية وربط الطلاب بالعالم الخارجي.

هذه النماذج تُعدّ خريطة طريق لتطوير التعليم، حيث يُنظر إلى التعليم على أنه عملية مستمرة مدى الحياة.

التعليم ليس مجرد شهادات بل تجربة تحدث أثراً حقيقياً

لطالما كان هناك افتراض تقليدي في التعليم: «ابنِ مدارس رائعة، وسوف يحقق النظام التعليمي نجاحه تلقائياً.»

لكن في عالمنا المعاصر، المقياس الحقيقي للنجاح في التعليم لا يُقاس بعدد الخريجين، بل بما يقومون ببنائه، والمشكلات التي يحلونها، وكيف يقودون التغيير.

لنتخيل معاً نموذجاً تعليمياً حيث تكون الشهادات أكثر من مجرد وثائق اعتماد، بل بوابات نحو مشاريع وطنية، وحلول عالمية، وبرامج تدريبية قيادية، حيث يُسهم التعلم المستمر بفضل تقنيات الذكاء الاصطناعي في مواكبة التغيرات السريعة في السوق، ما يضمن أن يظل التعليم فعّالاً ومرتبطاً بتطورات الحياة.

هذا ليس تصوراً مستقبلياً بعيد المنال، بل هو التحدي الذي تعمل الإمارات على معالجته اليوم.

اليوم الإماراتي للتعليم: التزام بما هو قادم

الأمر لا يتعلق فقط بالاحتفال بما تم إنجازه، بل بالتركيز على ما يمكن تحقيقه في المستقبل.

لطالما كانت الإمارات سباقة في إعادة تعريف ما يمكن لدولة ما أن تفعله، ومدى سرعة تحقيقه، وما يمكن أن تقدمه للعالم.

يجب أن يكون التعليم جزءاً من هذه الرؤية الطموحة.

لن يتم تشكيل المستقبل بواسطة من ينتظرون ظهور النظام المثالي، بل سيتم بناؤه بواسطة من يصممونه أولاً.

الإمارات لديها هذه الفرصة، والوقت قد حان لاغتنامها.

 تم إعداد هذه المقالة لصالح CNN الاقتصادية، والآراء الواردة فيها تمثّل آراء الكاتب فقط ولا تعكس أو تمثّل بأي شكل من الأشكال آراء أو وجهات نظر أو مواقف شبكة CNN الاقتصادية.