يصادف الثامن من مارس اليوم العالمي للمرأة، ليكون أكثر من مجرد تاريخ في التقويم السنوي، بل إنه يُعتبر احتفالاً بإنجازات المرأة في مختلف القطاعات، واعترافاً بالفجوات التي لا تزال قائمة، والأهم من ذلك، أنه يمثّل دعوة لمواصلة العمل الذي يتعيّن علينا القيام به، فهذا اليوم يُذكّرنا بضرورة التركيز على هذه المناقشات، والدفع نحو إحراز التغيير المنشود.
ويؤكد شعار اليوم العالمي للمرأة هذا العام "الحقوق والمساواة والتمكين للنساء والفتيات كافة"، على الحاجة الملحّة إلى تعزيز حقوق المرأة، والتخلص من المعوّقات النظامية، وتعزيز الأصوات المهمّشة، ويُمثّل ذلك دعوة إلى اتخاذ تدابير استباقية تضمن فرصاً متساوية للوصول إلى التعليم والتوظيف، خاصة في المجالات الناشئة.
وتواصل النساء تخطي الحواجز في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، ومع ذلك لا يزال تمثيلهن أقل من المستوى المطلوب في القطاعات التي ترسم معالم المستقبل، ورغم اهتمام الشابّات بمجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، تُشير البيانات الأخيرة إلى أن نسبة النساء في قطاع التكنولوجيا على مستوى العالم تقل عن إجمالي ثلث العاملين، ويبدو هذا الأمر أكثر وضوحاً في المناصب القيادية، حيث تشغل النساء أقل من ربع مقاعد مجالس الإدارة على مستوى العالم.
ومع ذلك، تعمل الاستراتيجيات الحكومية التقدمية في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، كما هي الحال في دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، على إعادة تشكيل هذه السردية، ومن الأمثلة البارزة على ذلك "مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ"، حيث بلغت نسبة النساء 80% من الفريق العلمي للمشروع، ويوضح هذا النموذج أنه عندما تتاح للمرأة إمكانية الوصول إلى الموارد والفرص المناسبة، فسيكون بمقدورها تولّي القيادة والابتكار وقيادة التأثير، كما أنه يُشكّل سابقة لصناعات أخرى، مثل قطاع الخدمات اللوجستية، حيث تعمل التطورات التكنولوجية على إعادة تعريف القطاع.
إن الحالة الاقتصادية لصالح المساواة بين الجنسين في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات تبدو واضحة تماماً، إذ يُشير تقرير الأمم المتحدة حول المساواة بين الجنسين لعام 2024 إلى أن الاقتصاد العالمي يخسر ما يقرب من 10 تريليونات دولار أميركي سنوياً بسبب عدم كفاية الاستثمار في تعليم النساء والفتيات والمساواة بين الجنسين، ليس هذا فحسب، بل إن الدول منخفضة ومتوسطة الدخل تواجه خطر خسارة 500 مليار دولار أميركي على مدى السنوات الخمس المقبلة، إذا لم تتم معالجة الفجوة الرقمية بين الجنسين.، وفي ظل تزايد انتشار تطبيقات العالم الرقمي، لا يمكن التعامل مع مشاركة المرأة في التكنولوجيا على أنه مجرد مسؤولية اجتماعية، بل يجب أن يكون ضرورة اقتصادية.
رحلتي الخاصة في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات
قبل انضمامي إلى فيديكس، قمت بتأسيس شركة للمحتوى التعليمي، كما ترأستها واستثمرت في الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا، الأمر الذي مكّنني من أن أشهد بنفسي تأثير التكنولوجيا في إتاحة المجال للوصول إلى التعليم وفرص العمل.
إن الدخول إلى هذا القطاع الذي يُهيمن عليه الرجال تقليدياً، يُمثّل فرصة لإعادة تعريف المعايير وإبراز القيمة الهائلة التي تجلبها وجهات النظر المتنوعة لتحفيز الابتكار، ويؤدي صعود الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء وتحليلات البيانات إلى إحداث تحويل جذري في قطاع الخدمات اللوجستية، وينبغي أن يتم تجهيز النساء بالمهارات والفرص لقيادة هذا التحول، ولا يقتصر الاستثمار في رفع مهارات المرأة في هذه المجالات على سد الفجوة بين الجنسين؛ بل إن الأمر يتعلق بتأمين قوة عاملة قادرة على المنافسة وجاهزة للمستقبل.
ولتسريع وتيرة التقدم على أرض الواقع، هناك ثلاث خطوات رئيسية ضرورية يجب القيام بها، وهي:
· يجب على الشركات أن تعمل بجدية بالغة على استقطاب النساء، والتركيز على توجيههن وتشجيعهن في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات.
· من شأن خلق فرص متساوية لتدريب النساء في مجال الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء وتحليلات البيانات أن يُمكّنهن من قيادة الابتكار في مجال الخدمات اللوجستية وخارجه.
· إن تطبيق سياسات العمل المرنة يمكن أن يُساعد في جذب المواهب والاحتفاظ بها، بما في ذلك المواهب النسائية، وتُشير الأبحاث إلى أن ميل النساء لتقبّل التقدم لوظائف عن بعد أكثر من الرجال بنسبة 25%، وبالتالي فإن تبنّي المرونة في مكان العمل سيكون أمراً أساسياً لضمان نمو الصناعة على المدى الطويل.
يعتمد مستقبل التكنولوجيا على تسخير الإمكانات الكاملة للقوى العاملة، بما في ذلك النساء، في هذه المجالات، من خلال خلق بيئة أكثر تنوعاً، فإننا لا نعزز الابتكار فحسب، بل نبني أيضاً مستقبلاً تكون فيه المرأة ليست مجرد مشاركة، بل تتمتع بفرص متساوية للقيادة والمساهمة في تشكيل الجيل القادم من أماكن العمل والصناعات.
تم إعداد هذه المقالة لصالح CNN الاقتصادية، والآراء الواردة فيها تمثّل آراء الكاتب فقط ولا تعكس أو تمثّل بأي شكل من الأشكال آراء أو وجهات نظر أو مواقف شبكة CNN الاقتصادية.