حقوق النشر والذكاء الاصطناعي.. الحل ليس في المحاكم

حقوق النشر والذكاء الاصطناعي.. الحل ليس في المحاكم
محمود السيد تعلب clock

محمود السيد تعلب

خبير في الإعلام الرقمي

جرت العادة أن يتقدم الابتكار التكنولوجي بوتيرة أسرع من الإطار القانوني الذي ينظّمه، لكن الذكاء الاصطناعي التوليدي كشف عن فجوة قانونية غير مسبوقة.

فمع تطوره السريع، أصبح بإمكانه تأليف الموسيقى، وإنتاج الفيديوهات والصور بناءً على مدخلات بسيطة.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });

غير أن هذه القدرات تعتمد بشكل أساسي على استخدام المحتوى البشري السابق في عمليات التدريب، ما أثار جدلاً حاداً حول حقوق الملكية الفكرية والمستقبل الاقتصادي لكل من المبدعين وشركات التكنولوجيا.

المعركة غير محسومة

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });

تتغذى نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية على كميات هائلة من النصوص والصور والفيديوهات المنشورة عبر الإنترنت، وغالباً دون إذن صريح من أصحابها الأصليين.

هذا الواقع أثار احتجاجات ومعارك قضائية عالمية، حيث يؤكد أصحاب الحقوق أن شركات الذكاء الاصطناعي تنتهك حقوق الملكية الفكرية باستخدام محتوياتهم دون تعويضهم أو الاعتراف بمساهماتهم.

في المقابل، تدافع شركات التكنولوجيا عن ممارساتها عبر اللجوء إلى استثناءات "الاستخدام العادل"، التي تسمح باستخدام المواد المحمية بحقوق النشر ضمن شروط معينة، مثل الأبحاث أو التحليل النقدي.

لكن السؤال هو؛ هل يمكن تطبيق هذه القواعد التقليدية على الذكاء الاصطناعي، أم أن التطور التكنولوجي يستدعي إطاراً قانونياً جديداً؟

بين سوارتز والذكاء الاصطناعي.. المعرفة حرة أم مقيدة؟

الجدل الحقيقي حول حقوق الملكية الفكرية ليس جديداً، فقد خاض "آرون سوارتز"، وهو أحد مؤسسي موقع التواصل "ريديت"، معارك مماثلة من أجل جعل المعرفة متاحة للجميع، حيث كان يؤمن أن احتكار الناشرين للمعلومات يعوق الإبداع.

لقد دافع بقوة عن "حيادية الإنترنت" التي تضمن الوصول الحر للمعلومات، كما كان أحد المساهمين في تطوير "رخصة المشاع الإبداعي" وهو في سن الخامسة عشرة، ما يعكس إيمانه العميق بضرورة مشاركة المعرفة.

واليوم، بينما تطالب شركات التكنولوجيا بحرية تدريب الذكاء الاصطناعي على بيانات الإنترنت، يقف المبدعون أمام تحدٍّ مشابه؛ كيف تمكن حماية الحقوق الفكرية دون كبح الابتكار؟

ربما لو كان سوارتز حاضراً اليوم، لكان من أول الداعين إلى نموذج أكثر عدلاً، لا يقوم على الصراع القانوني، بل على إيجاد حلول تعاونية تضمن حقوق جميع الأطراف.

الحل في التراخيص وليس في المحاكم

بدلاً من الاعتماد على نزاعات قانونية طويلة، هناك حل أكثر استدامة؛ إنشاء سوق تراخيص فعّال يتيح للمبدعين التحكم في أعمالهم، ويمنح شركات الذكاء الاصطناعي إمكانية الوصول إلى بيانات عالية الجودة مقابل تعويض عادل.

يمكن أن يكون هذا النظام قائماً على موافقة صريحة، حيث يختار المبدعون السماح باستخدام أعمالهم مقابل اتفاقات مالية واضحة، تماماً كما هي الحال في رخصة المشاع الإبداعي، مع توسيع هذا النهج ليصبح سوقاً شاملاً يدعم الابتكار والاستدامة في آنٍ واحد.

دور الحكومات

يمكن للحكومات أن تلعب دوراً حاسماً من خلال دعم معايير الشفافية حول كيفية استخدام بيانات التدريب، وتطوير أدوات تقنية لمتابعة وإدارة التراخيص بشكل أكثر كفاءة، وأيضاً إلزام شركات التكنولوجيا بتطوير تقنيات من شأنها تتبع استخدام المحتوى المحمي بحقوق النشر في نماذج الذكاء الاصطناعي.

فإنشاء سوق حر وعادل للبيانات هو السبيل الأمثل.

الذكاء الاصطناعي التوليدي ليس عدواً للإبداع، لكنه يحتاج إلى إطار تنظيمي يمنع استغلال المبدعين دون المساس بوتيرة الابتكار.

بدلاً من الصراع القانوني المستمر، فعلينا التحلي بالمرونة والإبداع في البحث عن حلول جديدة، تتجاوز إطار المحاكم.

يجب أن يكون الحل في اقتصاد السوق، حيث تلتقي حقوق المؤلفين مع احتياجات التكنولوجيا في بيئة عادلة ومستدامة.

فهل تتحرك الحكومات قبل أن تصبح هذه الفجوة القانونية أزمة عالمية؟