الدور المتنامي للمرأة في القطاع المصرفي في دول الخليج والمنطقة

الدور المتنامي للمرأة في القطاع المصرفي في دول الخليج والمنطقة
حمده الشمالي clock

حمده الشمالي

رئيسة الموارد البشرية ورأس المال الفكري لمجموعة المشرق

بصفتي امرأة تعمل في القطاع المصرفي، فقد لمست بشكل مباشر أن الرحلة هذه تنطوي على تحدٍّ حقيقي، كما أنها تجربة ملهمة في الوقت نفسه، وقد يكون الدخول إلى قاعة اجتماعات مليئة بالرجال أمراً صعباً، إلا أنه أيضاً شهادة على التقدم الذي أحرزناه كنساء، فالصناعة المالية، التي كانت تعتبر ذات يوم حكراً على الرجال، تشهد انضماماً متزايداً لنساء مهنيات لا يشاركن فحسب في هذا القطاع، بل ويتوليْن أيضاً مناصب رئيسية في دائرة صنع القرار، وفي حين لم يتم تحطيم السقف الزجاجي بالكامل في هذا الشأن، فإن التصدعات فيه أصبحت واضحة للعيان، وبات الزخم من أجل التغيير أمراً لا يمكن لأحد إنكاره.

ونحن نشهد اليوم تطور دور المرأة في القطاع المصرفي بوتيرة غير مسبوقة في مختلف أنحاء دول مجلس التعاون الخليجي، وقد أسهمت إصلاحات السياسات والتقدم التعليمي والمواقف المجتمعية المتغيرة على مدى العقد الماضي، في تعزيز إدماج المرأة في القوى العاملة، وانطلاقاً من إدراك المؤسسات المالية والحكومات لأهمية التنوع بين الجنسين، قامت بتنفيذ مبادرات تهدف إلى تعزيز ريادة المرأة، ومع ذلك، يكمن التحدي الآن في الحفاظ على هذا التقدم وضمان تضمين جهود دمج المرأة في القوى العاملة، في صميم القطاع المصرفي وليس التعامل معها كحالة استثنائية.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });

المشهد المتغير للمرأة في القطاع المصرفي

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });

يشهد القطاع المالي في دول مجلس التعاون الخليجي تحولاً هائلاً، حيث باتت المرأة تلعب دوراً محورياً في تشكيل مستقبله، وابتداء من عام 2021، وصلت نسبة النساء اللواتي يشغلن مناصب قيادية عليا في قطاع الخدمات المالية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى 32%، ما يشير إلى تحول كبير، وتشكل المرأة في الإمارات العربية المتحدة 70% من إجمالي خريجي الجامعات الوطنية، الأمر الذي يخلق مجموعة قوية من المواهب الجاهزة للمساهمة في الصناعة.

وقد أسهمت الجهود التي تقودها الحكومة في دولة الإمارات في تسريع التقدم على هذا الصعيد، وأسهمت سياسات مثل تشريعات المساواة في الأجور، وتحديد حصص للنساء في مجالس الإدارة، وزيادة تمثيل المرأة في المؤسسات الاتحادية، بتعزيز الالتزام بالتنوع، وتشغل النساء الآن نصف مقاعد المجلس الوطني الاتحادي في دولة الإمارات، كما فرضت التغييرات التنظيمية إدراج امرأة واحدة على الأقل كعضو في مجلس الإدارة في الشركات المدرجة في البورصة، وبالإضافة إلى ذلك، تم إطلاق عدة مبادرات لتعزيز الثقافة المالية للمرأة، وجرى تنفيذ برامج تدريب على القيادة لسد الفجوة بين التعليم والفرص التنفيذية، وضمان دخول النساء إلى القوى العاملة وازدهارهن.

كسر الحواجز.. التحديات والفرص

ورغم كل هذه التطورات، لا تزال النساء في القطاع المصرفي يواجهن عقبات بنيوية وثقافية متجذرة، ولا يزال التحيز في مكان العمل، ومحدودية القدرة على الوصول إلى الأدوار التنفيذية، والمخاوف من عدم تحقيق التوازن بين العمل والحياة الشخصية، يعوق التقدم الوظيفي للمرأة، وفي حين أن ما يقرب من ثلثي مواطني دولة الإمارات العاملين في القطاع المصرفي من النساء، فإن المناصب القيادية في هذا القطاع لا تزال تخضع لهيمنة الرجال بشكل غير متناسب.

ولمعالجة هذه الفجوة، يتعين على المؤسسات أن تستثمر في برامج إرشاد وتوجيه تزود النساء بالمهارات وشبكات العلاقات اللازمة لتولي مناصب قيادية، ومن الممكن أن تسهل برامج التطوير المهني المنظّمة والمصممة خصيصاً للنساء انتقالهن إلى أدوار تنفيذية بشكل أكثر سلاسة.

وعلاوة على ذلك، فقد أثبتت التغييرات التنظيمية، مثل سياسات العمل المرنة وبرامج التوظيف التي تركز على التنوع، فعاليتها في تعزيز الشمول في القطاع المصرفي.

الحالة التجارية لإدماج النوع الاجتماعي

فضلاً عن العدالة الاجتماعية، يوفر التنوع بين الجنسين مزايا واضحة على صعيد الأعمال،. وتُظهِر الدراسات أن فرق القيادة المتنوعة تسهم في تعزيز الأداء المالي والابتكار في المؤسسات وزيادة مستويات إشراك العملاء.

كما أن التأثير الاقتصادي المتزايد للمرأة يعيد تشكيل الأسواق المالية، فقد أصبحت النساء في مختلف أنحاء الشرق الأوسط أكثر قدرة على إدارة أصول مالية ضخمة واتخاذ قرارات استثمارية مهمة، الأمر الذي يسلط الضوء على إمكانية توفر فرص كبيرة للمؤسسات المالية التي تتبنى استراتيجيات شاملة للجنسين.

وتستفيد المؤسسات التي تدمج النساء في مناصب قيادية وهياكل صنع القرار فيها من الحصول على منظور أوسع للعملاء، وإدارة أقوى للمخاطر، وزيادة في ثقة المستثمرين، وعندما تعمل المؤسسات المالية بشكل حثيث على تعزيز التوازن بين الجنسين فيها، فإنها لا تعمل على بناء بيئة عمل أكثر ديناميكية فحسب، بل تعزز أيضاً تنافسيتها في سوق سريعة التطور.

تشكيل مستقبل المرأة في القطاع المصرفي

للمضي قدماً في هذا الطريق ينبغي على القطاع اتخاذ إجراءات استباقية، كما يتعين على المؤسسات المالية أن تلتزم بسياسات تدعم القيادة الشمولية، وتتصدى للتحيزات الضاربة بجذورها في النظام، وتوفر فرصاً متساوية للتقدم الوظيفي، ومن شأن الاستثمار في شبكات الإرشاد والتدريب على القيادة والتثقيف المالي الذي يركز على النوع الاجتماعي أن يعزز من المواهب النسائية العاملة في مجال الخدمات المصرفية.

ويعد التعاون بين الحكومات والشركات والمؤسسات المالية أمراً ضرورياً لتسريع التقدم، ويمكن للقطاع المالي والمصرفي من خلال تعزيز ثقافة الشمول وإزالة الحواجز البنيوية، إطلاق العنان للإمكانات الكاملة للنساء العاملات فيه، ما يؤدي في نهاية المطاف إلى دفع التقدم الاقتصادي والاجتماعي في جميع أنحاء دول مجلس التعاون الخليجي.

ومع تطور القطاع المالي، يجب أن يظل التنوع بين الجنسين أولوية استراتيجية، فقد حان الوقت للتحرك على هذا الصعيد، وعندما نخلق بيئة يمكن فيها للمرأة أن تقود وتبتكر وتؤثر، فإننا لا نسهم فقط بتعزيز نجاح الصناعة المصرفية فحسب، بل نسهم أيضاً في بناء مستقبل أكثر عدالة وازدهاراً للمنطقة.

وينبغي لنا الاعتراف بأن الحقبة القادمة من العمل المصرفي يجب أن تتسم بالشمولية، حيث لا يكون التكافؤ بين الجنسين مجرد طموح نسعى إليه بل حقيقة واقعة نعيشها.