التحدث مع الآلة.. مهارة العمل في عصر الذكاء الاصطناعي

التحدث مع الآلة.. مهارة العمل في عصر الذكاء الاصطناعي
هاني سيمو clock

هاني سيمو

خبير المشاريع الرقمية

هل تتحدث لغة الذكاء الاصطناعي؟

في زمن كان فيه إتقان لغة أجنبية بمثابة جواز سفر للفرص المهنية، يبدو أن فن "التحدث مع الآلة" -أو ما يعرف بـ"هندسة الأوامر"- يوشك أن يحتل مكانة مماثلة، وربما أرفع، فاليوم من يمتلك القدرة على التفاعل مع نماذج اللغة الكبيرة مثل ChatGPT وGoogle Gemini بكفاءة، ويستطيع توظيف قدراتها الفائقة لتحويلها إلى محرك إنتاجية لا يتعب، ومصدر لا ينضب من الإلهام، ستكون له الأولوية في كثير من المجالات.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });

في عالم الذكاء الاصطناعي، طريقة صياغتك للسؤال أو الطلب تؤثر بشكل مباشر على جودة المخرجات التي تحصل عليها، حيث إن الوصول للنتيجة المثلى -خاصة في الطلبات المعقدة ذات القيمة المضافة الكبيرة- يتطلب عملية تواصل دقيقة، فاليوم أصبح "التحدث مع الآلة" أشبه بإتقان لغة جديدة، لغة مكونة من تكتيكات تواصل، وبروتوكولات يجب تعلمها، بالإضافة لفهم عميق لكيفية عمل هذه النماذج، وحدودها، وإمكاناتها، لضمان تحقيق أقصى استفادة من إمكانيات الذكاء الاصطناعي. 

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });

من "مهارة إضافية" إلى "كفاءة أساسية" و"شرط توظيف"

في المستقبل القريب جداً، من غير المستبعد أن نرى في السير الذاتية قسماً جديداً تحت عنوان: "القدرة على التواصل مع الذكاء الاصطناعي"، تبين كفاءة الشخص في التعامل مع الآلة لإنجاز مهام الوظيفة بكفاءة، حيث ستأتي الحاجة لهذه الكفاءة منسجمة مع التغيرات المتسارعة في احتياجات الوظائف، وزيادة توقعات أصحاب العمل من توظيف قدرات الذكاء الاصطناعي في مختلف الأنشطة، أيضاً مع تزايد استخدام الذكاء الاصطناعي في معظم الصناعات والمجالات، ستكون كفاءة "التحدث مع الآلة" متطلباً أساسياً لشغل وظائف عديدة في مجالات مختلفة.

 أكثر من صياغة أوامر.. القدرة على الحكم على جودة المخرجات والتأكد منها

بالإضافة لمهارة صياغة الأوامر، من المهم امتلاك مهارة حيوية أخرى هي القدرة على تقييم مخرجات الذكاء الاصطناعي، فالتكنولوجيا قد تُنتج في بعض الأحيان إجابات غير دقيقة أو غير مكتملة، لهذا القدرة على الحكم على جودة الإجابات، وتحليلها بذكاء، وتحسينها هي مهارة رئيسية متممة لعملية كتابة الأوامر، فالموظف الفعّال في عصر الذكاء الاصطناعي هو من يستطيع تقييم جودة المخرجات، والتأكد من انسجام سياق ونبرة الإجابات مع الهدف من السؤال.

 

استخدام نماذج متعددة.. سلاح من لا يرضى بالقليل

بالرغم من التطور المتسارع في نماذج الذكاء الاصطناعي، وتوسع إمكانياتها لتشمل النصوص، والصور، والفيديو، وكتابة الأكواد البرمجة، وتحليل المستندات، والبحث العميق، لكن المستخدم الخبير يستطيع أن يلاحظ بوضوح تفوق واختلاف بين النماذج في أداء المهام المختلفة، لهذا الاستخدام الذكي في كثير من سيناريوهات العمل الحساسة يشمل دمج استخدام عدة أدوات ونماذج معاً للوصول للنتيجة المرجوة، بالإضافة لاستخدام نموذج ذكاء اصطناعي لفحص وتطوير مخرجات نموذج آخر، وبالتالي فإن القدرة على التنقل بين هذه النماذج واختيار المناسب منها لكل مهمة ستكون أحد العوامل الحاسمة في قدرة الموظف على استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل أمثل.

سهولة متزايدة لكن التعلم المستمر ضرورة لا خيار

من الإنصاف القول إن نماذج الذكاء الاصطناعي تتطور بشكل كبير لتصبح أكثر سهولة في الاستخدام، وأكثر فهماً لطلباتنا، فكل يوم طرق التواصل تصبح أكثر وأكثر أبسط ومباشرة وتفاعلية، لدرجة يمكننا أن نقول إن الآلة هي التي تعلمت لغتنا وأسلوب التعامل معنا بدل أن نتعلم نحن التعامل معها، لكن على الرغم من هذه السهولة المتزايدة، تظل المهارة في صياغة الأوامر وتعليمات الاستخدام هي العامل الحاسم للوصول إلى أفضل النتائج، فالآلة، مهما كانت ذكية، التوجيه الدقيق لها يدفعها لتقديم أفضل ما لديها، فصياغة سؤال غامض تنتج عنه مخرجات عامة، بينما صياغة دقيقة تؤدي إلى نتائج عالية القيمة، ببساطة؛ كلما ارتفعت قدرتك في التحدث مع الآلة، ارتفعت القيمة التي تحصل عليها منها، وهذه المعادلة ستبقى صحيحة مهما تطورت قدرات النماذج.

نظراً للوتيرة المذهلة التي تتطور بها نماذج الذكاء الاصطناعي، لم يعد الاكتفاء بمستوى معين من المعرفة كافياً، ما تتعلمه اليوم قد يصبح "قديماً" خلال أشهر قليلة، لهذا نصيحتي للمستخدمين المحترفين في هذا السياق، أرجوك اقرأ أدلة الاستخدام، والنشرات التي ترافق إصدار النماذج الجديدة، واختَر بعناية مجموعة من المختصين وتابع توصياتهم بخصوص أفضل الممارسات ومراجعاتهم، ثم جرب وجرب، وطور خبرتك بما يتوافق مع احتياجاتك الخاصة.

شراكة الإنسان والآلة- تحوّل المهارة الحاسم

إذا كانت الثورة الصناعية الأخيرة قد جاءت بالأتمتة، فإن الثورة الصناعية الجديدة التي يقودها الذكاء الاصطناعي تجلب شراكة جديدة بين الإنسان والآلة، حيث يعمل الإنسان فيها جنباً إلى جنب مع ذكاء الآلة بشكل تفاعلي ومتكامل، وفي هذه الشراكة لا يعلو أحد فوق من يتقن "فن الحديث مع الآلة" ليقودها لتقديم أفضل ما عندها.

من الآن، ابدأ بتطوير مهارتك في الحديث مع الآلة، تماماً كما كنت تحرص على تحسين لغتك الإنجليزية في السابق، فمستقبل النجاح في سوق العمل، على ما يبدو حتى الآن، سيكون لأولئك الذين يتحدثون بطلاقة مع الآلة، والفارق بين الموظف العادي والموظف المتميز سيكون في كيفية استخدامه لهذه الأدوات بذكاء، وكيفية تحسين وتطوير المخرجات لتحقيق أعلى درجات الكفاءة والإبداع.

 تم إعداد هذه المقالة لصالح CNN الاقتصادية، والآراء الواردة فيها تمثّل آراء الكاتب فقط ولا تعكس أو تمثّل بأي شكل من الأشكال آراء أو وجهات نظر أو مواقف شبكة CNN الاقتصادية.