ومع ذلك، وضع القرار أيضاً أولويات جديدة للاتفاقيات الدولية في مجال الطاقة، مؤكداً على «الكفاءة الاقتصادية، وتعزيز الازدهار الأمريكي، وخيار المستهلك، والانضباط المالي في جميع المشاركات الخارجية التي تتعلق بسياسة الطاقة».
بعد مثل هذه التصريحات، يظل السؤال الرئيسي مطروحاً: هل كل هذا ممكن حقاً؟
الطاقة ليست مجرد قطاع اقتصادي، إنها الاقتصاد نفسه
على مدى القرن الماضي، كان الوصول إلى الطاقة بأسعار معقولة دافعاً رئيسياً للنمو الاقتصادي العالمي والتنمية البشرية.. ولعب ذلك دوراً محورياً في مضاعفة متوسط العمر المتوقع -من نحو 35 سنة في عام 1900 إلى أكثر من 70 سنة اليوم- وفي تقليص الفقر المدقع عالمياً، من أكثر من 90% إلى أقل من 10%.
يرتبط الوصول إلى الطاقة ارتباطاً وثيقاً بمؤشرات رئيسية مثل الدخل، والتعليم، والرعاية الصحية، ما يجعلها عنصراً أساسياً في الازدهار الحديث.
ومع ذلك جاء هذا النمو بتكلفة بيئية باهظة –كما هو معروف- حيث يتعين على الحكومات غالباً أن تختار بين ثلاث أولويات: النمو الاقتصادي، والبيئة النظيفة، والسيادة الوطنية، وهو ما يُعرف بثلاثية هوبزباوم (Hobsbawm Trilemma).
حل جديد.. اعرف طاقتك (KYE)
بعد عقد من التحول في مجال الطاقة، أصبح هناك منهج جديد لتحقيق التوازن بين هذه الأولويات الثلاث، نسميه «اعرف طاقتك» هو ببساطة مشاركة المستهلك المطلع، الداعم لمصادر الطاقة النظيفة.
يشهد قطاع الطاقة الآن تكاملاً متطوراً لمصادر الطاقة النظيفة مثل أنظمة الطاقة الشمسية الكهروضوئية، وتوربينات الرياح، والمركبات الكهربائية، وأنظمة الطاقة الحيوية، إلى جانب عشرات اللاعبين الآخرين الذين تم تصنيفهم وتوحيدهم فعلياً تحت مظلة افتراضية تُعرف باسم «الموارد الموزعة للطاقة» أو DERs.
يمنح هذا النهج الثوري المستهلكين، ولأول مرة، موقعاً مميزاً لممارسة حقهم في الاختيار، وتسريع النمو المتوقع لهذه المصادر حتى عام 2040.
تمكين المستهلكين عبر شفافية الطاقة
كيف يمكن للمستهلكين أن يعرفوا فعلاً مصدر الطاقة التي يستخدمونها؟
«اعرف طاقتك» (KYE) هو عملية تحديد وفهم والتحقق من أصل واستدامة وكفاءة الطاقة المستهلكة من قبل الأفراد، والشركات، والمجتمعات.
وعلى عكس KYC وKYB، التي تركز فقط على الامتثال التنظيمي، فإن «اعرف طاقتك» تمكّن المستهلكين عبر طبقة تحقق تعتمد على البلوكشين اللامركزي لتقديم شهادات جودة للطاقة.
وعلى الرغم من أن «اعرف طاقتك» لا يزال قيد التطوير كتقنية، فإنه يحمل إمكانيات كبيرة ليصبح معياراً قانونياً، ويؤثر في السمعة داخل أسواق الطاقة.
وبالتالي، فإن دعم الطاقة النظيفة لا يتماشى فقط مع المسؤولية البيئية، بل يعزز أيضاً من التعرف على العلامات التجارية، ويمكّن من أنظمة المكافآت، ويدفع المبادرات الاجتماعية ذات التأثير الحقيقي.
حماية حقنا الإنساني في بيئة نظيفة
من خلال معالجة بيانات الطاقة في الوقت الفعلي من العدادات الذكية وأجهزة إنترنت الأشياء، تلعب العقدة Nodes دوراً حيوياً في تتبع استخدام الطاقة، والتحقق من مصدرها، وكفاءتها، واستدامتها.
وفي الأنظمة المعتمدة على البلوكشين في قطاع الطاقة، تعمل عقدة الشبكة على تحسين عملية التحقق بشكل مستمر، ما يقلل من احتمالية التلاعب بالبيانات من قبل أي جهة واحدة.
وكلما زاد عدد العقد، زاد أمان وقابلية تدقيق المعلومات الأساسية المطلوبة لتقديم «شهادات جودة الطاقة» (EQC) ذات المعيار الذهبي.
وقد بدأت هذه الشهادات بالفعل في أن تصبح معياراً عالمياً للتحقق من مصدر الطاقة وإدارتها، مساهِمة في النمو السريع لسوق شهادات الطاقة المتجددة (RECs) من 13.71 مليار دولار في عام 2023 إلى ما يُتوقع أن يصل إلى 17.54 مليار دولار في 2024، بمعدل نمو سنوي مركب (CAGR) يبلغ 28%.
تشكل مشاريع مثل Power باور لدجر وBrooklyn Microgrid، وإينرجي ويب والتعاون بين TenneT وSonnen أمثلة واضحة على هذا النموذج، حيث يعمل المشاركون اللامركزيون كعُقد لضمان الشفافية في توزيع وتداول الطاقة.
DePIN من أجل KYE على أرض الواقع
تُعد "أوتو غرين تشارغ" تطبيقاً طورته مؤسسة إينرجي ويب يمكّن سائقي المركبات الكهربائية وأصحاب الأساطيل من تتبع مصدر الكهرباء المستخدمة في شحن سياراتهم، والتأكد من أنها تأتي من مصادر متجددة.
يتصل التطبيق بحساب المستخدم الخاص بالمركبة الكهربائية، ويجمع بيانات الشحن مثل الموقع، والوقت، وكمية الكهرباء، ويطابقها مع إنتاج الطاقة المتجددة، ما يمنح المستخدمين نظرة واضحة حول مدى «نظافة» جلسات الشحن.
مثال آخر هو شبكة Peaq التي تطور وظائف DePIN معيارية تهدف إلى توفير وظائف جاهزة للاستخدام من أجل تشغيل المركبات والروبوتات والأجهزة، وتوفير إمكانيات الترميز (tokenization) على أي شبكة بنية تحتية فيزيائية لامركزية (DePIN).
أما شركة سيمنز فقد طورت «Pebbles»، وهي منصة لتداول الطاقة من نظير إلى نظير تعتمد على البلوكشين، وتدعم الشبكات الذكية وتوزيع الطاقة بكفاءة.
كما توفر أدوات لمراقبة الطاقة مثل برنامج سيماتيك لإدارة الطاقة، الذي يتتبع استهلاك الكهرباء والغاز والمياه، وتطبيق اينرجي ماندجر الذي يقدم تصورات بصرية لتدفق الطاقة بين المصادر والمستهلكين.
ما الخطوة التالية لاعتماد DePIN؟
إن التحديث التكنولوجي للبنية التحتية للطاقة أمر بالغ الأهمية، ولكن الأمر نفسه ينطبق على سنّ تشريعات تنظيمية فعالة.. فإذا لم يكن صناع السياسات ذوي نظرة مستقبلية فإنهم سيقيدون نمو بلدانهم، ويدفعون المستثمرين نحو مناطق أكثر ترحيباً.
المجتمع ككل أصبح بإمكانه الآن الوصول إلى سوق تداول الطاقة العالمية البالغة قيمتها 1.3 تريليون دولار، من خلال دمج سلسلة القيمة مع سلسلة التوريد، ما يفتح آفاقاً غير مسبوقة للفرص الاقتصادية والفوائد الاجتماعية على نطاق واسع.
كما هو معترف به على نطاق واسع: الطاقة ليست قطاعاً من الاقتصاد، إنها الاقتصاد ذاته.
تماماً كما مكنت منصة X (تويتر سابقاً) الأفراد من أن يصبحوا هم الإعلام، فإن DePIN والشركات القائمة على البلوكشين في مجال الطاقة تمكّن الناس من أن يصبحوا هم الطاقة.
ولأول مرة في التاريخ، أصبح بإمكان المجتمعات أن تشارك بنشاط، أو أن «تنتمي» إلى صناعة الطاقة.