رؤية لتوقعات قرارات السياسة النقدية في مصر

مقر البنك المركزي المصري بالعاصمة الإدارية (رويترز)
رؤية لتوقعات قرارات السياسة النقدية في مصر
مقر البنك المركزي المصري بالعاصمة الإدارية (رويترز)
د. عبدالمنعم السيد clock

د. عبدالمنعم السيد

رئيس مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية

 يمارس البنك المركزي دوراً مهماً في العمل على تحديد مستوى معدلات العائد الرئيسية التي تتوافق مع تحقيق معدل التضخم المستهدف، مع الحفاظ على استقرار الأسعار على المدى المتوسط، ويوازن بين العديد من المخاطر المرتبطة بعملية صنع هذا القرار على المستويين العالمي والمحلي.

ومراعاة لتأثير الأزمات الاقتصادية المتلاحقة على ارتفاع معدلات التضخم على المستوى العالمي ومن ثم المحلي فقد انتهج البنك المركزي المصري سياسة نقدية تشديدية، برفع معدل العائد ليصل سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي عند 27.25% و28.25% و27.75% على الترتيب. 

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });

ومن المتوقع قيام البنك المركزي المصري بالتوجه التدريجي نحو تيسير السياسة النقدية بخفض أسعار الفائدة في نطاق يتراوح بين 100 و300 نقطة أساس للحد من تأثير استمرار سياسة سعر الفائدة المرتفع على النمو والاستقرار المالي استناداً الى عدة مبررات منها:

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });

تباطؤ وتيرة التضخم

فقد سجل معدل التغير الشهري في الرقم القياسي العام لأسعار المستهلكين للحضر، الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء 1.6% في مارس 2025 مقابل 1.0% في مارس 2024 و1.4% في فبراير 2025، وعلى أساس سنوي، سجل معدل التضخم العام للحضر 13.6% في مارس 2025 مقابل 12.8% في فبراير 2025، وسجل معدل التغير الشهري في الرقم القياسي الأساسي لأسعار المستهلكين، الذي يعده البنك المركزي المصري، 0.9% في مارس 2025 مقابل 1.4% في مارس 2024 و1.6% في فبراير 2025، وعلى أساس سنوي سجل معدل التضخم الأساسي 9.4% في مارس 2025 مقابل 10.0% في فبراير 2025.

وأسفرت هذه التطورات عن ارتفاع أسعار الفائدة الحقيقية إلى نحو 14%، ما يجعله من أكثر المعدلات العالمية ارتفاعاً.

تعافي النشاط الاقتصادي

تُظهر المؤشرات الدورية استمرار علامات التعافي خلال الربع الثاني من العام المالي 2024-2025، مدفوعاً بالاستثمارات الخاصة، ويشير مؤشر مديري المشتريات إلى استمرارية التعافي التدريجي لنشاط القطاع الخاص، حيث استقر المؤشر فوق المستوى المحايد مع بداية عام 2025، وهو أعلى مستوى وصل إليه منذ ما يقرب من 4 سنوات واستمر هذا في فبراير 2025، ما يعكس التحسن في بيئة الأعمال.

تحسن مؤشرات سوق العمل

تراجع معدل البطالة إلى 6.4% في الربع الرابع من عام 2024 مقارنة بنسبة 6.7% في الربع الثالث من عام 2024.

التحديات العالمية الراهنة

في مفاجأة أربكت الأسواق وأذهلت المراقبين، اتخذ الرئيس الأميركي دونالد ترامب إجراءاً تجارياً أحادياً صُنف أنه الأكبر والأعنف، وأعلن عن أكبر تصعيد في التعريفات الجمركية الأميركية منذ 200 عام، وذلك بفرض رسوم جمركية بنسبة 10% على جميع واردات السلع إلى الولايات المتحدة، بالإضافة إلى رسوم أعلى على المنتجات القادمة من نحو 60 دولة.

وفي رد فعل عنيف شهدت أسواق الأسهم العالمية ارتباكاً شديداً، وتسببت هذه الإجراءات في عمليات بيع واسعة في أسواق الأسهم العالمية وخسرت شركات مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" خسائر غير مسبوقة، وتراجعت أسعار النفط والسلع، بينما لجأ المستثمرون إلى السندات الحكومية كملاذ آمن.

ومن المتوقع أن يكون لهذا الإجراء تداعيات غير مسبوقة على الاقتصاد العالمي الذي ما زال يعاني تباطؤ التعافي، حيث تشير التوقعات إلى بلوغ النمو العالمي 3,3% في عامي 2025 و2026، أي أقل من المتوسط التاريخي الذي بلغ 3,7% (في الفترة من 2000–2019). 

فضلاً عن تعاظم الآثار على الولايات المتحدة الأميركية وعلى الدول كافة بدرجات متفاوتة.

وعلى الرغم من تراجع ترامب عن موقفه فقد أصيبت الأسواق العالمية بحالة من الذعر مخاوف بشأن ارتفاع التضخم، وركود الاقتصاد العالمي. 

توجهات البنوك المركزية العالمية بخفض أسعار الفائدة

اتخذت العديد من البنوك المركزية في الاقتصادات المتقدمة والناشئة قرارات بالخفض التدريجي الحذر لأسعار العائد لديها، وذلك على الرغم من حالة عدم اليقين التي لا تزال تحيط بآفاق النمو الاقتصادي والتضخم عالمياً، في حين قررت بنوك مركزية أخرى اتباع نهج حذر تحسباً للتطورات الاقتصادية العالمية المتلاحقة.

فقد قام الفيدرالي الأميركي بخفض سعر الفائدة 3 مرات خلال عام 2024، لتستقر بين مستوى 4.25% و4.50% حتى اجتماع 19 مارس 2025 استناداً الى استمرار نمو النشاط الاقتصادي بوتيرة قوية.

كما خفّض بنك كندا سعر الفائدة الرئيسي بمقدار 225 نقطة أساس على مدار تسعة أشهر ليصل إلى 2.75%، ما يجعله أحد أكثر البنوك المركزية جرأةً على مستوى العالم في التوجه نحو إنهاء التشديد الكمي.

كما أعلن البنك المركزي الأوروبي بدء وتيرة تيسير السياسة النقدية منذ يونيو 2024، لخفض الفائدة من المستوى 4%، وخفض سعر الفائدة عدة مرات جاء آخرها في شهر مارس 2025، إذ قرر تقليصها بواقع 25 نقطة أساس، ليصل سعر الفائدة إلى 2.5 في المئة، بما يتماشى إلى حد كبير مع التوقعات التضخمية في منطقة اليورو، فمن المتوقع أن يبلغ متوسط التضخم 2.3 في المئة عام 2025، و1.9 في المئة عام 2026، و2.0 في المئة عام 2027.

أما بالنسبة للتضخم باستثناء الطاقة والمواد الغذائية، فمن المتوقع أن يصل إلى 2.2 في المئة في 2025، و2.0 في المئة في 2026، و1.9 في المئة في 2027، ما يشير إلى اقتراب معدلات التضخم الأساسي من الهدف المتوسط الأجل للبنك والمحدد عند 2 في المئة.

ومن المتوقع أن يقرر البنك المركزي الأوروبي في اجتماعه القادم 17 أبريل خفض سعر الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية.

من ناحية أخرى هناك العديد من العوامل التي تمثل قيوداً على مرونة البنك المركزي المصري وقدرته على اتخاذ قرار الخفض التدريجي لمعدل الفائدة، منها؛ قرار رفع أسعار الوقود الصادر مؤخراً وانعكاساته المتوقعة على معدلات التضخم، والذي قد يشكل قيداً على قرار البنك المركزي ويدفعه إلى تبني نهج أكثر تحفظاً، فضلاً عن المخاوف من تخارج الأجانب من أدوات الدين كرد فعل لقرار فرض الرسوم الجمركية الأميركية.

  تم إعداد هذه المقالة لصالح CNN الاقتصادية، والآراء الواردة فيها تمثّل آراء الكاتب فقط ولا تعكس أو تمثّل بأي شكل من الأشكال آراء أو وجهات نظر أو مواقف شبكة CNN الاقتصادية.