السرعة أهم من الكمال.. كيف تُنتج استجابات المشرّعين السريعة للأزمات عقوداً من النمو الاقتصادي

السرعة أهم من الكمال: كيف تُنتج استجابات المشرّعين السريعة للأزمات عقودًا من النمو الاقتصادي (شترستوك)
السرعة أهم من الكمال: كيف تُنتج استجابات المشرّعين السريعة للأزمات عقودًا من النمو الاقتصادي
السرعة أهم من الكمال: كيف تُنتج استجابات المشرّعين السريعة للأزمات عقودًا من النمو الاقتصادي (شترستوك)
محمد  السويد clock

محمد السويد

الرئيس التنفيذي لشركة رزين المالية

في العلاقة المتبادلة بين الحكومات والأسواق لا شيء يضاهي أهمية السرعة في اتخاذ القرار أثناء فترات الانكماش الاقتصادي.. وبينما ينشغل الاقتصاديون بتحليل الأدوات والسياسات، والمستثمرون بتتبع البيانات، يظهر التاريخ مراراً وتكراراً حقيقة واحدة:

حين يتحرك المشرّعون بسرعة في مواجهة التراجعات السوقية، تنتعش الاقتصادات بشكل أسرع -وأقوى- ما يُمهّد الطريق لنمو طويل الأمد.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });

تتناول هذه المقالة كيف أن سرعة المشرّعين في التعامل مع الأزمات الاقتصادية يمكن أن تخلق استقراراً طويل المدى، ولماذا تُعتبر السرعة أحياناً أكثر أهمية من دقة السياسات، وما الذي يمكن أن تتعلمه الاقتصادات الناشئة من تجارب الدول.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });

لماذا تُعد السرعة مهمة في أوقات الأزمات؟

عند وقوع أزمات اقتصادية -سواء كانت نتيجة أزمات مالية، أو أوبئة، أو صدمات جيوسياسية- تتوسع الأضرار بسرعة كبيرة.

وإذا لم يتم التدخل السريع، فإنها تؤثر على ثقة المستثمرين، وتؤدي إلى فقدان الوظائف، وتجمد الإقراض، وتوقف الاستثمارات.

في هذه اللحظات الحرجة، يصبح دور المشرّعين حاسماً.. فالإجراءات السريعة -مثل الحزم التحفيزية، وتخفيف القوانين، أو دعم القطاعات المتضررة- لا تقتصر على وقف التدهور، بل تعيد ضبط توقعات السوق.

التحرك السريع يحقق:

• استعادة الثقة لدى المستثمرين والجمهور

• ضخ السيولة وحماية الشركات

• الحفاظ على الوظائف والنشاط الاقتصادي

• إتاحة الوقت لإصلاحات هيكلية أعمق

• منع تفاقم التدهور الاقتصادي

بمعنى آخر، السرعة تؤثر على «نفسية السوق» قبل أن تُصلح أرقامه.

السرعة أم الكمال؟ مفارقة القيادة في الأزمات

من الأخطاء الشائعة في السياسات الاقتصادية الاعتقاد بأن الحل المثالي هو الأفضل دائماً.. ولكن في الأزمات، الحل الجيد الذي يُنفذ بسرعة، غالباً ما يكون أكثر فاعلية من الحل المثالي المتأخر.

الأسواق والشركات والأفراد يستجيبون للثقة والتوجه، وليس فقط للمحتوى الفني للقرارات.. والإجراء السريع من المشرّعين يرسل رسالة واضحة:

«نحن نتحرك، ونعلم ما نفعل».

حتى لو احتاجت الإجراءات للتعديل لاحقاً، فإنها:

• تحدد اتجاهاً واضحاً

• تعزز مصداقية الحكومة

• تمنع التردد والشلل

في وقت الأزمات، يُقاس القادة بقدرتهم على الحسم أكثر من تفاصيل قراراتهم.

أمثلة تاريخية.. كيف أسهمت السرعة في بناء فترات نمو طويلة؟

الولايات المتحدة في الثمانينيات والتسعينيات

بعد أزمة التضخم في السبعينيات، استجابت الولايات المتحدة بسرعة بإصلاحات ضريبية وإجراءات نقدية وتنظيمية.. كما تم التعامل مع أزمة الادخار والقروض بقرارات تشريعية سريعة.

النتيجة: شهدت البلاد في التسعينيات إحدى أكثر الفترات ازدهاراً من حيث الإنتاجية والابتكار والنمو الاقتصادي.

الأزمة المالية العالمية 2008

• أقر الكونغرس الأميركي خطة إنقاذ البنوك ( ARP) خلال أسابيع.

• تم إطلاق حزمة التحفيز الاقتصادي الكبرى في 2009.

• ألمانيا والصين اتخذتا خطوات فورية لتحفيز اقتصاداتهما.

النتيجة: تم تجنّب كساد عالمي، وبدأت الأسواق بالتعافي خلال عامين فقط، وتبعها عقد من النمو.

جائحة كورونا.. نموذج للسرعة الجماعية

في عام 2020، واجه العالم شللاً اقتصادياً كاملاً، لكن الاستجابة كانت غير مسبوقة:

• أقرّت الحكومات حزم دعم بمليارات الدولارات خلال أسابيع قليلة.

• تم توفير دعم مباشر للأفراد والشركات.

• تناغمت السياسات المالية والنقدية في تنسيق سريع وفوري.

رغم أن بعض الإجراءات لم تكن مثالية، فإن البنية الاقتصادية الأساسية تم الحفاظ عليها، مما ساعد على تعافٍ سريع في 2021.

من الأزمة إلى الانطلاقة: كيف تُبنى عقود من النمو من قرارات عاجلة؟

التحرك السريع لا يوقف فقط التدهور، بل يخلق ظروفاً مستقبلية للنهضة الاقتصادية:

• الإنفاق على البنية التحتية يعزز الإنتاجية لسنوات طويلة.

• دعم الابتكار والتقنية يفتح أسواقاً وفرصاً جديدة.

• الاستثمار في التعليم والتدريب يرفع كفاءة الموارد البشرية.

• وضوح السياسات يجذب الاستثمارات ويعزز الثقة.

ببساطة، الأزمات تتحول إلى فرص حين تقترن بالسرعة والبصيرة.

بطء الاستجابة.. تكلفة قد تكون فادحة

للأسف، البطء في اتخاذ القرار له تاريخه أيضاً:

• أزمة الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي تفاقمت بسبب التأخر في التدخل.

• اليابان عانت «عقداً ضائعاً» بسبب استجابات تدريجية بعد أزمة الأصول في التسعينيات.

• أزمة الديون في منطقة اليورو استمرت لسنوات بسبب قرارات سياسية بطيئة ومترددة.

كلها تُظهر أن التردد قد يُطيل الأزمات أكثر مما تفعل الأسباب الاقتصادية بحد ذاتها.

كيف تُصمم الدول الجاهزية للاستجابة السريعة؟

السرعة ليست فقط ردة فعل؛ يمكن أن تكون جزءاً من تصميم نظام الحوكمة الاقتصادي من خلال:

• إقرار أدوات تحفيز جاهزة قانونياً قبل الأزمات

• إنشاء آليات تلقائية للدعم مثل التأمين ضد البطالة أو تأجيل الضرائب

• إقرار إجراءات تشريعية سريعة للطوارئ

• تعزيز التنسيق بين المالية العامة والبنك المركزي

الاستعداد للتحرك السريع هو بحد ذاته ميزة استراتيجية.

رسالة للدول الناشئة: السرعة في الاستجابة ليست رفاهية

بالنسبة لاقتصادات ناشئة مثل المملكة العربية السعودية، التي تشهد تحولات هيكلية وتنفتح على الاستثمارات، فإن هذه الدروس أكثر أهمية؛ كلما كان القطاع العام أكثر مرونة في مواجهة التقلبات، زادت قدرة القطاع الخاص على الثقة والتحرك.

الوضوح، الجاهزية، والسرعة لم تعد فقط أدوات لإدارة الأزمات، بل أصبحت عوامل تنافسية في البيئة الاقتصادية العالمية.

تم إعداد هذه المقالة لصالح CNN الاقتصادية، والآراء الواردة فيها تمثّل آراء الكاتب فقط ولا تعكس أو تمثّل بأي شكل من الأشكال آراء أو وجهات نظر أو مواقف شبكة CNN الاقتصادية.