كوريا الجنوبية والأزمة الآسيوية.. لجوء اضطراري للصندوق لاستعادة أوكسجين الحياة

كوريا الجنوبية والأزمة الآسيوية.. لجوء اضطراري للصندوق لاستعادة أوكسجين الحياة (شترستوك)
كوريا الجنوبية والأزمة الآسيوية.. لجوء اضطراري للصندوق لاستعادة أوكسجين الحياة
كوريا الجنوبية والأزمة الآسيوية.. لجوء اضطراري للصندوق لاستعادة أوكسجين الحياة (شترستوك)
الدكتور إبراهيم مصطفى clock

الدكتور إبراهيم مصطفى

نائب رئيس الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس لشؤون الاستثمار والترويج سابقًا

حتى عام 1997 كانت كوريا الجنوبية نمراً اقتصادياً حقق معجزة اقتصادية حتى تعرضه للأزمة الاقتصادية عام 1997. فقد استغلت كوريا المنح والمعونات واستفادت من الاستثمارات ونقل التكنولوجيا والمعرفة واهتمت بالتعليم وكانت الحكومة جيدة جداً وشكّلت مع الشعب والقطاع الخاص صفاً واحداً وكانوا على قلب رجل واحد.. كلٌّ له دوره فى التنمية؛ فكان حصادها نمواً اقتصادياً باهراً مستمراً.. اختيار الأصعب والأكثر استدامة جعل منها معجزة اقتصادية ونموذجاً نتعلم منه دون اللجوء إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي.

ولكن.. حدث ما حدث.. ولكل جواد كبوة.. فقد تعرضت كوريا الجنوبية وغيرها من النمور الآسيوية بأزمة مالية كبيرة خلال الفترة من يونيو 1997 إلى يونيو 1998 أثّرت في اقتصادات تلك الدول سلباً وبشكلٍ كبيرٍ نال من ثمار نموها.. فقد انخفضت فيها قيمة عملتها الـ«وون» بنحو 41%، (لم تتخذ قراراً بالتعويم ولكنه انخفض بسبب الأزمة)، وارتفعت نسبة البطالة من 4,2% عام 1996 إلى 15,3% (1998-2000)، وسحبت الشركات الأجنبية رؤوس أموالها من السوق ونقلتها إلى بلاد أخرى.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });

ولأن الاقتصاد الكوري اعتمد اعتماداً كبيراً على الاستثمارات الخارجية، خاصة اليابان والولايات المتحدة الأميركية في نموه الاقتصادي فقد أدّى سحب هذه الشركات استثماراتها إلى الخارج لانهيار سريع في الاقتصاد الكوري في أثناء هذه الأزمة.

وبجانب الشركات التي سحبت استثماراتها من كوريا الجنوبية، هناك شركات أخرى أعلنت إفلاسها ومجموعة شركات أخرى تم الاستحواذ عليها من قِبل شركات أخرى مثل: استحواذ شركة «جينيرال موتورز للسيارات على شركة دايو موتورز للسيارات، وأيضاً استحواذ شركة هيونداي للسيارات على شركة كيا موتورز، وبسبب انسحاب بعض الشركات وإفلاس البعض الآخر أدّى ذلك إلى ارتفاع الدين العام للبلاد مقارنة بالناتج المحلي لها في أثناء الأزمة.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });

وعلى الجانب الآخر قد انخفض التصنيف الائتماني في كوريا الجنوبية من قِبل مؤسسة موديز MOODY'S من المستوى A1 إلى المستوى A3 في نوفمبر 1997، واستمرت في ذلك إلى أن وصلت إلى المستوى B2 في ديسمبر من العام نفسه.

واضطرت الحكومة الكورية بسبب هذه الأزمة إلى الموافقة على قبول عرض صندوق النقد الدولي بتقديم مساعدات اقتصادية بـ57 مليار دولار أميركي وخضوع الاقتصاد الكوري إلى مراقبة الصندوق وقيوده، وطلب صندوق النقد الدولي من الشركات الكورية الكبرى ببعض الإصلاحات مقابل المعونات المالية وتتلخص هذه الإصلاحات في النقاط التالية:

• خفض الشركات التابعة لها من خلال شرائها أو دمجها بحلول عام 1999. على سبيل المثال، خفّضت مجموعة شركات هيونداي عدد شركاتها من 68 شركة إلى 30 شركة.

• التركيز على المجالات الرئيسية المحددة. على سبيل المثال، تركّز مجموعة دايو على صناعة السيارات).

• خفض الديون لكى تصل نسبة الديون من رأس المال إلى أقل من 2:1.

• القضاء على التبادل المالى بين الشركات التابعة وتوسيع الاستقلال المالي.

• انفصال ملكية الشركة عن إدارتها.

وعليه، اتخذت الحكومة الكورية الإجراءات اللازمة للحفاظ على الاستقرار لقيمة الـ«وون» الكوري ومنع الأموال من الخروج، فارتفع سعر الفائدة بنسبة كبيرة وأجرت إصلاحاً جذرياً في النظام المالي والقضاء على الفساد.

وتعرضت القطاعات المالية لعمليات إصلاح، فتم دمج المؤسسات المالية الضعيفة مع المؤسسات المحلية أو الدولية، وتمت خصخصة كثير من مؤسسات الحكومة والمؤسسات العامة التي تمتعت بمزايا تفضيلية من الحكومة الكورية، وخلال عمل إصلاح البنية الاقتصادية تم فقدان مليوني فرصة عمل، وانخفضت الاستثمارات من الخارج والداخل، وانخفض الناتج المحلي الإجمالي من 6,2% عام 1997 إلى 5,8% عام 1998.

كانت الحكومة الكورية الجديدة التي تم تعيينها حكيمة وشفافة في تقييم الوضع وسيناريوهات التحرك وأعلنت التزامها باستكمال البرنامج الإصلاحي الذي أبرمته الحكومة السابقة في 1997 مع الصندوق وتعاون الشعب الكوري معها طوعاً من أجل سداد الديون الخارجية وتقدير الموقف، حيث قام الشعب الكوري الذي أحس بثمار التنمية السابقة على الأزمة بالتبرع بالمجوهرات بما فيها الذهب للحكومة الكورية، الأمر الذي أدى إلى زيادة احتياطات الذهب في البلاد من أجل إنعاش البلاد التي عانت الأزمة المالية. وبعد سنة على اتخاذ الحكومة إجراءات مشددة ومساهمة المواطنين الكوريين، بدأت قيمة الـ«وون» تزداد تدريجياً وبدأ الاقتصاد الكوري يتعافى مرة أخرى. ثم شهدت البلاد ازدياداً كبيراً في مجالات الإنتاج والاستثمار والواردات والصادرات والقوى الشرائية المحلية وانخفاض معدل البطالة. كان المواطن الكوري في قلب الحدث ولم يكن حقلاً للتجارب.. وكان الإصلاح واستعادة الثقة يسيران على خطى ثابتة وارادة قوية لعودة النهضة الاقتصادية من جديد.

وفي عام 1999 أسس أكثر من 30000 شركة جديدة ما جعل الحكومة الكورية تقلق من الفورة الاقتصادية الصاعدة، وبعد عام 2000 بدأ الاقتصاد الكوارث يتخلص من الأزمة المالية تخلصاً تاماً وعاد إلى حالته الطبيعية وارتفعت قيمة الـ«وون» التي بلغت 2000 «وون» في مقابل الدولار الأميركى خلال الأزمة المالية بشكلٍ تدريجى إلى 900 «وون» مقابل الدولار الواحد عام 2006.

وسجل مؤشر البورصة للأسهم والسندات المالية رقماً قياسياً في ديسمبر 2006، وأصبحت البورصة الكورية مقصداً للاستثمارات من أنحاء العالم كافة وأصبح معدل البطالة 3% عام 2002 أي أقل من نسبة 6,7% في الدول الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، وشهدت كوريا زيادة مطّردة في الصادرات التي تقود النمو الاقتصادي الكوري.

وما زالت كوريا الجنوبية ملهمة بتجربتها، وأظهرت الإحصائيات الاقتصادية ان كوريا الجنوبية تغلبت على الأزمة المالية وعادت من جديد لتشهد طفرة اقتصادية كدولة كبرى فاعلة في التجارة والاقتصاد العالمي.

الدولة التى تؤسس جيداً لا يضرها أن تتعثر فتقوم مرة أخرى أقوى بكثير مما سبق.. طالما جاءت بالفريق القادر على تحقيق ذلك برؤى استراتيجية واقتصادية واجتماعية واضحة.. ويبقى المواطن هو محور التنمية المستدامة.. وهنا أشيد بما تقوم به دولة الإمارات من جهود عظيمة في جعل الإمارات ضمن الدول الأولى عالمياً من حيث الحياة ومؤشر السعادة والتنمية المستدامة والتطور الهائل في البنية التحتية والتكنولوجية.. رغم ما مرت به من أزمات عالمية، ما جعلها من أفضل دول العالم من حيث الحياة فيها.

تم إعداد هذه المقالة لصالح CNN الاقتصادية، والآراء الواردة فيها تمثّل آراء الكاتب فقط ولا تعكس أو تمثّل بأي شكل من الأشكال آراء أو وجهات نظر أو مواقف شبكة CNN الاقتصادية.