أعلنت السلطات البلجيكية، يوم الخميس، عن فتح تحقيقات واسعة النطاق في قضية فساد تتعلق بشركة هواوي الصينية كما نقلت وسائل إعلام رسمية، ليجد عملاق التكنولوجيا الصيني نفسه مجدداً في دائرة الاتهام بعمليات الفساد والتأثير غير المشروع داخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي.
يأتي ذلك في وقت تواجه فيه هواوي ضغوطاً متزايدة في أوروبا بسبب المخاوف من أن تكون تقنياتها -لا سيما شبكة 5G- بوابة للتجسس لصالح الحكومة الصينية.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });
تفاصيل المداهمات
نفذت السلطات البلجيكية تحركات واسعة ضد الفساد داخل أروقة البرلمان الأوروبي بأكثر من 20 مداهمة في بروكسل ومدن أخرى، بما في ذلك عمليات تفتيش لمكاتب أعضاء في البرلمان الأوروبي ومساعديهم، كما تم تفتيش مقر هواوي في بروكسل ومنازل عدد من كبار جماعات الضغط الذين يعتقد أنهم لعبوا دوراً رئيسياً في هذه القضية.
وتم الكشف عن مصادرة مستندات وأجهزة إلكترونية يُعتقد أنها تحمل أدلة على عمليات التأثير غير المشروع، وجرى اعتقال عدة أشخاص على خلفية الاشتباه في تورطهم بجرائم الرشوة، والتزوير، وغسل الأموال، والمشاركة في منظمة إجرامية، كما أُخضع نحو 15 نائباً حالياً وسابقاً في البرلمان الأوروبي للتحقيق بشأن تلقيهم مزايا وهدايا فاخرة مقابل دعم مصالح هواوي داخل الاتحاد الأوروبي.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });
هواوي في قلب العاصفة
تشير التقارير إلى أن هواوي قد تكون استخدمت استراتيجيات ضغط غير قانونية للتأثير على قرارات الاتحاد الأوروبي المتعلقة بشركات التكنولوجيا الأجنبية.
تضمنت هذه الاستراتيجيات تقديم هدايا فاخرة وسفريات مدفوعة التكاليف لبعض أعضاء البرلمان الأوروبي ومساعديهم، وإغراء النواب بصفقات استشارية مربحة بعد انتهاء فترة ولايتهم البرلمانية، والترويج لسياسات تخدم مصالح هواوي، خاصة في ظل التوترات الأوروبية بشأن الأمن الرقمي والهيمنة الصينية على سوق التكنولوجيا.
في حين لم يصدر تعليق رسمي من البرلمان الأوروبي حتى الآن، تعهدت السلطات البلجيكية بإجراء تحقيق شامل ومستقل لكشف كل المتورطين، بغض النظر عن مناصبهم.
أما هواوي فقد نفت أي صلة لها بالاتهامات، مؤكدةً التزامها بالقوانين الأوروبية ومعايير الشفافية، وأعلنت الشركة أنها ستتعاون مع السلطات البلجيكية لكشف ملابسات القضية.
ومن المتوقع أن تؤدي التحقيقات الجارية إلى تعزيز القوانين الأوروبية لمكافحة الفساد، لا سيما في ما يخص تعاملات شركات التكنولوجيا الأجنبية مع الاتحاد الأوروبي وفرض قيود مشددة على هواوي، ما قد يعقد خططها التوسعية في أوروبا، مع إمكانية مواجهة مسؤولين بارزين عقوبات قانونية وسياسية في حال إثبات تورطهم في الفضيحة.
إخفاقات أوروبية مستمرة
رغم أن الأنظار متجهة الآن إلى هواوي، فإن منظمة Corporate Europe Observatory (CEO) حذرت مراراً من أن فشل الاتحاد الأوروبي في حماية الديمقراطية من النفوذ غير المشروع هو فضيحة مستمرة لم يتم التعامل معها بجدية.
وأفاد البيان الصحفي للمنظمة بأنه منذ فضيحة قطر غيت، «لم يتم تنفيذ أي إصلاحات جوهرية لمراقبة جماعات الضغط وضمان الشفافية، ولا تزال هناك ثغرات كبيرة في مراقبة الهدايا المقدمة لأعضاء البرلمان الأوروبي وتضارب المصالح، وأن الأغلبية اليمينية في البرلمان الأوروبي تحاول تقويض الإجراءات الجديدة للشفافية، بل تسعى للتراجع عن الإصلاحات» التي تم إقرارها سابقاً.
ودعا البيان إلى تشديد الرقابة والمساءلة من خلال الإسراع في تنفيذ هيئة الأخلاقيات الأوروبية التي تم الاتفاق عليها بعد «قطر غيت» لكنها لم تُنفذ بعد، بالإضافة إلى إلزام أعضاء البرلمان الأوروبي بالكشف العلني عن اجتماعاتهم مع جماعات الضغط.
وذكر البيان أن هناك دعوات لإصلاح سجل الشفافية الأوروبي، حيث تشير التحقيقات إلى أن جماعات الضغط التابعة لأنظمة وصفتها بالقمعية نجحت في تجاوز القوانين بسهولة بسبب ضعف الإشراف والتطبيق الطوعي للسجل.
وستصدر المنظمة في يونيو 2025 مراجعة سجل جماعات الضغط، ما يتيح فرصة مهمة لإدخال إصلاحات ملزمة قانونياً تضمن الشفافية والمساءلة، مع فرض عقوبات صارمة على المخالفين.
اللوبي الصيني وهواوي في المقدمة
ذكر بيان المنظمة أن هواوي تعد واحدة من أكبر جماعات الضغط التكنولوجية في الاتحاد الأوروبي، حيث خصصت ميزانية ضغط تتراوح بين 2 و2.25 مليون يورو في عام 2023 وأن الشركة لديها 11 مسؤول ضغط بدوام كامل، وعقدت 76 اجتماعاً مع مسؤولين رفيعي المستوى في المفوضية الأوروبية.
وأفاد البيان بأنه رغم هذه الأرقام، لا تزال الشفافية في أنشطة الضغط داخل الاتحاد الأوروبي ضعيفة، ما يسمح لشركات مثل هواوي بالتأثير على السياسات الأوروبية بعيداً عن أعين الرقابة الحقيقية.
تاريخ هواوي مع الاتهامات بالفساد والتجسس
فضيحة الرشوة والاتهامات بالفساد التي تواجهها هواوي في البرلمان الأوروبي ليست الأولى من نوعها بالنسبة لهواوي، فعلى مدار السنوات الماضية، وجدت الشركة نفسها في قلب عدة تحقيقات دولية أثارت تساؤلات حول ممارساتها التجارية وعلاقتها بالحكومات، خاصة الحكومة الصينية.
ومن أبرز فضائح الفساد السابقة في دفع رِشى للفوز بصفقات كان عام 2012 حين خضعت هواوي لتحقيقات في الجزائر بسبب تقديم رشوة لمسؤولين حكوميين للفوز بعقود حكومية ضخمة، وأدى ذلك إلى إدانة ثلاثة موظفين من الشركة في الجزائر.
وفي 2019، كشفت تقارير عن أن هواوي قدمت رشوة لمسؤولين أفارقة لتأمين عقود حكومية في عدة دول، بما في ذلك جنوب إفريقيا وأوغندا وزامبيا.
كما واجهت عام 2018 اتهامات بالتجسس لصالح الحكومة الصينية حين حذّرت الولايات المتحدة من أن هواوي قد تستخدم بنيتها التحتية في مجال الاتصالات والتكنولوجيا للتجسس لصالح الحكومة الصينية، أعقبها في عام 2019 احتجاز كندا المديرة المالية لهواوي، منغ وانزو، بناءً على طلب أميركي، بتهمة التحايل على العقوبات المفروضة على إيران.
وفي 2020، فرضت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب عقوبات صارمة على هواوي، ومنعت الشركات الأميركية من التعامل معها، متهمةً إياها بأنها أداة للحكومة الصينية.
بينما واجهت هواوي في الماضي اتهامات بالتجسس والفساد، فإن فضيحة الرشوة داخل البرلمان الأوروبي قد تكون الأكثر تأثيراً سياسياً، خاصة في ظل التوترات بين الاتحاد الأوروبي والصين بشأن قضايا الأمن الرقمي والهيمنة التكنولوجية.