رجل واحد يقود مهمة تاريخية لإنقاذ الجزيرة الأسطورية من الزمن والمحيط.. إليك التفاصيل

جزيرة ألكاتراز
رجل واحد يقود مهمة تاريخية لإنقاذ الجزيرة الأسطورية من الزمن والمحيط.. إليك التفاصيل
جزيرة ألكاتراز

مستقبل جزيرة ألكاتراز يقع الآن بين يدي رجل واحد، ففي عام 2023، ومع ارتفاع منسوب مياه البحر حول هذه الجزيرة الشهيرة في خليج سان فرانسيسكو، تم استدعاء بيت كيلسي، وهو خبير تقني متخصص في التقاط البيانات ثلاثية الأبعاد، للمساعدة في إنقاذ الموقع من مخاطر التدهور وضمان الحفاظ عليه للأجيال القادمة.

كُلف كيلسي بمهمة رسم خريطة شاملة للجزيرة، بما يتيح مراقبتها بدقة فائقة في المستقبل وحمايتها من عوامل الزمن والمناخ.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });

مهمة غير عادية لحفظ معلم استثنائي

إن الحفاظ على واحدة من أشهر الجزر في العالم ليس بالأمر الهيّن؛ في ديسمبر 2023، حين زار كيلسي ألكاتراز لأول مرة، أدرك على الفور أن هذه التجربة ستكون إنجازاً فريداً في مسيرته، ورغم أن الزوار العاديين لا يرون سوى جزء محدود من الجزيرة، أصر كيلسي قبل بدء المشروع على أن يتمكن فريقه من مسح كل شبر فيها.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });

الدافع كان علمياً في المقام الأول، لكن بالنسبة لكيلسي كانت هناك مشاعر أعمق، إذ وصف التجربة بأنها «لحظة من نوع إنديانا جونز» —فرصة لاستكشاف موقعٍ له تاريخ غني ومعقد.

فرغم شهرتها كسجن اتحادي لمدة 29 عاماً، كانت ألكاتراز في السابق حصناً عسكرياً خلال الحرب الأهلية الأميركية، استخدمه الجيش لحماية سان فرانسيسكو من غارات الجنوبيين، وفي عام 1969، أصبحت مركزاً لاحتجاجات نشطاء السكان الأصليين في أميركا، حيث استمرت اعتصاماتهم لمدة 19 شهراً دفاعاً عن حقوقهم المدنية.

«جعل غير المرئي مرئياً»

استخدم كيلسي وفريقه مزيجاً من الكاميرات المحمولة والطائرات المسيّرة لرسم خريطة ثلاثية الأبعاد دقيقة للجزيرة في ديسمبر 2023، وشمل الفريق باحثين وعلماء وطياري طائرات بدون طيار، واستخدموا تقنيات متطورة منها الكلب الروبوتي «سبوت» من شركة Boston Dynamics، وطائرة Elios 3 المحمية بقفص مقاوم للتصادم لحماية كل من الموقع والجهاز.

مكنتهم هذه المعدات من دخول مناطق كانت تُعد غير آمنة سابقاً بسبب احتوائها على مواد خطرة مثل الرصاص والأسبستوس، أو بسبب ضعف البنية الهيكلية.

يقول كيلسي: «أعطوني مفاتيح المكان بأكمله»، وتمكن فريقه من دخول بعض أقدم الهياكل، بما في ذلك مبانٍ تعود لعصر الحرب الأهلية مثل «غاردهاوس» الذي احتُجز فيه جواسيس من الكونفدرالية.

لكن التقنية المحورية في المشروع كانت تقنية «LiDAR»، وهي تقنية تصوير تعتمد على الليزر لرسم نماذج ثلاثية الأبعاد بدقة تصل إلى أجزاء من البوصة. يصفها كيلسي بأنها «أشعة سينية للجزيرة بأكملها... إنها تجعل غير المرئي مرئياً».

تحديات لوجستية وبيئية

واجه الفريق صعوبات كبيرة، إذ تحظر هيئة المتنزهات الوطنية استخدام الطائرات المسيّرة، ما استدعى أشهراً من الانتظار للحصول على تصريح خاص، كما اضطر الفريق إلى تأجيل عمله مرتين بسبب موسم تعشيش الطيور البحرية، حيث تُعد الجزيرة ملاذاً طبيعياً لها.

استمر المشروع لأكثر من عام، من ديسمبر 2023 حتى يناير 2025، وخلال هذه الفترة، أقام الفريق ثلاثة أسابيع على الجزيرة، وناموا في زنزانات «بلوك D» الذي يُعرف بأنه كان مخصصاً لأخطر السجناء، يقول كيلسي إنهم غادروا الجزيرة وهم يحملون بعض القصص «المرعبة»، إضافة إلى أعظم الاكتشافات العلمية والتاريخية في مسيرته.

اكتشافات تاريخية مذهلة

من أبرز الاكتشافات كان توثيق ما يُعرف بـ«السالي بورت» الأصلي؛ وهو المدخل المحصن للجزيرة والذي لم يُرَ منذ عقود، يقع هذا المدخل في الجهة الشرقية للجزيرة، وكان مخفياً خلف مبنى يعود إلى أكثر من قرن.

كما كشف كيلسي وفريقه تفاصيل جديدة عن أشهر عملية هروب من السجن عام 1962، حين نجح فرانك موريس والأخوان كلارنس وجون أنجلين في الفرار، استخدم الفريق التصوير ثلاثي الأبعاد لتوثيق المسار الذي شقّه السجناء عبر جدران الزنزانات، قبل تسلقهم أنابيب الخدمات والوصول إلى سطح السجن ثم النزول إلى الماء والانطلاق على طوف من الشاطئ الشمالي الشرقي. لم يُعثر على الفارين أبداً، ولا يزال مصيرهم مجهولاً حتى اليوم.

حماية المستقبل

ستمثل خرائط كيلسي مرجعية علمية مهمة للمقارنة في المسوحات المستقبلية، ما يسمح بتقييم تأثير التغير المناخي والزلازل وتدهور البنية التحتية بشكل دقيق. ويقول كيلسي: «بإمكاننا محاكاة زلزال بقوة 7 درجات على هذه البيانات لمعرفة التأثير المحتمل».

تتيح هذه النماذج أيضاً معرفة المناطق التي تستحق الأولوية في جهود الصيانة، خاصة في ظل الميزانيات المحدودة.

استخدامات تتجاوز العلم

لا تقتصر الفائدة على البحوث العلمية فقط، إذ يرى كيلسي الذي عمل في مجالات الفيلم والوثائقيات، أن البيانات التي جمعها يمكن استخدامها في صناعة السينما والواقع الافتراضي، ما يتيح إعادة إنشاء السجن رقمياً لغير القادرين على زيارته.

ويشير إلى أن الباحثين يأتون دائماً بأفكار جديدة لاستخدام هذه البيانات، وعندما يسألونه إن كان بالإمكان تحقيق رؤاهم، يكون جوابه دائماً: «نعم».

ويختم كيلسي حديثه قائلاً: «لقد أنجزت مثل هذه المشاريع حول العالم، لكن هذا المشروع تحديداً... أعتقد أنه قد يكون الموناليزا الخاصة بي».