صدمات متلاحقة تضرب آفاق النمو في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

صدمات متلاحقة تضرب آفاق النمو في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (شترستوك)
صدمات متلاحقة تضرب آفاق النمو في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا
صدمات متلاحقة تضرب آفاق النمو في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (شترستوك)

في أحدث إشارة على أن العواصف الاقتصادية لا تزال تهب على منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، خفّض صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو اقتصادات المنطقة في 2025 إلى 2.6 في المئة فقط، بعد أن كانت التقديرات السابقة تشير إلى نمو بنسبة 4 في المئة.

والأسباب الرئيسية هي مزيج ثقيل من التوترات الجيوسياسية، وضعف الطلب العالمي، وتراجع أسعار النفط، وتأخر الإصلاحات الهيكلية.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });

التقرير الجديد الذي صدر من دبي، ضمن آفاق الاقتصاد الإقليمي لصندوق النقد، ألقى الضوء على التحديات المتفاقمة التي تضرب المنطقة، مشيراً إلى أن الأثر المباشر للحرب التجارية العالمية قد يكون محدوداً بحكم ضعف الروابط التجارية مع أميركا، لكنه نبّه إلى أن التداعيات غير المباشرة قد تكون أعمق، وتمسّ مستويات الاستهلاك والاستثمار والطلب المحلي.

قال جهاد أزعور، مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بالصندوق، في مقابلة خاصة مع رويترز «كل هذه العناصر أدت إلى مراجعة توقعات النمو نزولاً.. يجب ألّا نغفل أهمية بناء شراكات تجارية جديدة لمواجهة هذه التغيرات».

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });

فروقات داخلية في الأداء

لفت الصندوق أيضاً إلى أن اقتصادات المنطقة غير النفطية، وخاصة الدول المستوردة للنفط، ستبقى الأكثر تضرراً.. فمن المتوقع أن تنمو اقتصادات الدول المستوردة للنفط، وعلى رأسها مصر، بنسبة 3.4 في المئة في 2025، بعد أن كانت التقديرات السابقة تشير إلى 3.6 في المئة.. ويعتبر هذا التوقع مدفوعاً باستهلاك خاص قوي وتراجع نسبي في معدلات التضخم، لكن تبقى هذه الدول عرضة لاضطرابات أخرى، مثل انخفاض تحويلات العاملين في الخليج، أو ضعف ثقة المستهلك والمستثمر.

في مصر، توقّع الصندوق أن يتحسّن النمو من 2.4 في المئة في العام المالي الحالي إلى 3.8 في المئة في 2025، لكنه أشار بوضوح إلى أن ضعف الصناعة المحلية، والقيود المفروضة على الواردات، وتراجع عائدات قناة السويس، كلها عوامل كبحت النشاط الاقتصادي في العام الماضي.

في المقابل، رغم الصورة القاتمة، فإن بعض دول الخليج -مثل الإمارات والسعودية- تُظهر بعض التعافي، مدفوعة بقطاعات غير نفطية، لكن ليس بالزخم المتوقع سابقاً.

خُفّض نمو دول مجلس التعاون الخليجي لعام 2025 من 4.2 في المئة إلى 3 في المئة، ويُتوقع لها تعافٍ تدريجي في 2026، وذلك وسط استمرار خفض الإنتاج الطوعي للنفط ضمن تحالف أوبك+ حتى أبريل نيسان المقبل، وتباطؤ النمو في القطاعات غير النفطية، في حين أن نمو دول مُصدّرة للنفط غير خليجية (مثل إيران والعراق) تراجع بشدة إلى 0.8 في المئة فقط.

رغم ذلك، الخليج مستمر في سياساته التنموية بعيدة المدى، فالسعودية تمضي في تنفيذ «رؤية 2030»، فيما تواصل الإمارات تعزيز مكانتها كمركز عالمي للسياحة والخدمات اللوجستية والصناعة.

ويرى الصندوق أن تنويع التجارة، وتسريع وتيرة الإصلاحات، وزيادة الإنتاجية، هي مفاتيح أساسية للحفاظ على زخم النمو في القطاعات غير النفطية.

النفط وأسعار الطاقة: السيف ذو الحدين

في عام 2024، بلغ متوسط سعر خام برنت 80 دولاراً للبرميل، لكنه تراجع بشدة في بداية 2025 إلى أقل من 65 دولاراً، وهو أدنى مستوى منذ 2021، ما زاد من الضغوط على الاقتصادات المعتمدة على النفط.

وفي الوقت نفسه، قد تستفيد الدول المستوردة من هذا الانخفاض، لكن بشكل مؤقت، خاصة إذا ترافق مع تراجع في تحويلات العاملين.

القطاع الخاص.. الحلقة الأضعف؟

التقرير الجديد للبنك الدولي، والذي صدر بالتزامن مع تقديرات صندوق النقد، يُسلّط الضوء على ضعف الديناميكية في القطاع الخاص بالمنطقة، خاصة في الإنتاجية، والابتكار، والاستثمار في رأس المال البشري، إذ لا تتجاوز نسبة الشركات التي تقدم تدريباً رسمياً لموظفيها 14.5 في المئة فقط، في حين تظل مشاركة النساء في سوق العمل هي الأدنى عالمياً بنسبة لا تتجاوز 18 في المئة.

توقعات التضخم في المنطقة

رغم التحسّن النسبي في مستويات التضخم في معظم دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لا يزال المشهد ضبابياً في ظل الفوارق الحادة بين دول المنطقة، بحسب أحدث تقديرات البنك الدولي.

وتستفيد دول الخليج من استقرار أسعار المواد الغذائية والطاقة نسبياً، إذ تتوقع الإمارات والسعودية والكويت مستويات تضخم متدنية، تدور في حدود 2-2.5 في المئة خلال العامين المقبلين، وهو ما يعزز ثقة المستهلكين والقطاع الخاص في المنطقة.

أما لبنان وسوريا، فتستمران في تسجيل نسب تضخم خارجة عن السيطرة، إذ تجاوزت في لبنان 220 في المئة في 2023، متراجعة إلى 45 في المئة هذا العام، لكنها لا تزال الأعلى على مستوى العالم، في انعكاس حاد للأزمات النقدية والسياسية والهيكلية المستمرة.

الفروق بين الدول المصدّرة والمستوردة للنفط واضحة؛ فالدول المستوردة للنفط، مثل مصر وتونس، تواجه ضغوطاً تضخمية أقوى نتيجة تراجع العملات المحلية وارتفاع تكلفة الواردات، بينما تعاني الدول المصدّرة من تقلبات إيرادات الطاقة، ما يعقّد استقرار الأسعار محلياً رغم بوادر الانفراج.

تأتي هذه التوقعات في وقت بالغ الحساسية إقليمياً ودولياً.. فمن جانب، تؤثر الصراعات الممتدة في غزة واليمن وسوريا على القدرة الاقتصادية الكلية للمنطقة، بينما يتزايد الضغط على الحكومات لإعادة التفكير في أدوارها الاقتصادية، خصوصاً في دعم القطاع الخاص وتعزيز التنافسية.

تُشير الأرقام بوضوح إلى أن الاقتصاد الإقليمي يقف عند مفترق طرق: فإما أن يتم استغلال الفرصة لتعزيز الإصلاحات، أو يظل النمو رهينة للتقلبات الخارجية والسياسات المترددة.