العوائد ترتفع والدولار يضعف.. هل فقدت الأسواق ثقتها بأميركا؟

تدهور العلاقة بين عوائد السندات والدولار الأميركي يربك الأسواق وسط سياسات ترامب (شترستوك)
عوائد السندات الأميركية
تدهور العلاقة بين عوائد السندات والدولار الأميركي يربك الأسواق وسط سياسات ترامب (شترستوك)

شهدت الأسواق المالية انهياراً في العلاقة التاريخية بين عوائد السندات الحكومية الأميركية وقوة الدولار، مع عزوف المستثمرين عن الأصول الأميركية بسبب مخاوفهم من التوجهات المالية الأميركية وعدم وضوح السياسات النقدية.

فلطالما ارتبطت عوائد السندات الأميركية بقوة الدولار؛ فكلما ارتفعت العوائد على أدوات الدين الأميركية، زادت جاذبية الأصول المقومة بالدولار، ما يدعم العملة الأميركية، لكن هذا الارتباط التاريخي بدأ في التفكك منذ مطلع عام 2025، ما يعكس تحولاً جوهرياً في مزاج المستثمرين وثقتهم في الاقتصاد الأميركي.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });

منذ إعلان «رسوم التحرير» في أبريل نيسان الماضي، قفز العائد على السندات الأميركية لأجل 10 سنوات من 4.16 في المئة إلى 4.42 في المئة، بينما انخفض الدولار بنسبة 4.7 في المئة مقابل سلة من العملات، ما أدى إلى هبوط الارتباط بين الاثنين لأدنى مستوى له منذ نحو ثلاث سنوات.

من العجز إلى فقدان الشهية العالمية

بحسب تقرير ذا إيكونوميك تايمز، فإن تدهور المؤشرات المالية الأميركية قد يكون في صلب هذه الظاهرة.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });

إذ خفضت وكالة موديز التصنيف الائتماني للولايات المتحدة في 16 مايو أيار 2025 من Aaa إلى Aa1، مشيرة إلى توقعات بوصول العجز الفيدرالي إلى 9 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2035، وارتفاع الدين العام إلى 134 في المئة من الناتج، ما يعني استنزاف نحو 30 في المئة من إيرادات الدولة لسداد الفوائد وحدها.

وفي ظل هذه الظروف، بدأت دول مثل اليابان والصين تخفيض حيازاتها من أدوات الدين الأميركية، ما زاد الضغط على العوائد وأضعف الدولار أكثر.

تكلفة الاستدانة ترتفع.. وتأثيرات في الاقتصاد الحقيقي

تشير البيانات إلى أن أكثر من 5.1 تريليون دولار من الديون الأميركية ستستحق قبل يوليو تموز 2025، ما يفرض عبئاً إضافياً على المالية العامة مع تضخم كلفة إعادة التمويل.

على صعيد الشركات، أصدرت المؤسسات الأميركية ذات التصنيف المنخفض أقل من مليار دولار من السندات خلال أبريل نيسان الماضي، وهو أدنى مستوى منذ أربع سنوات، كما انخفض إصدار السندات ذات العائد المرتفع إلى عُشر مستويات العام الماضي، ما يعكس تراجعاً في الإنفاق الرأسمالي ويهدد بضعف التوظيف والنمو.

أزمة ثقة أم لحظة تصحيح؟

يُجمع عدد من المحللين على أن السوق لم تعد ترى في ارتفاع العوائد دليلاً على النمو، بل مؤشراً على خلل هيكلي في السياسة المالية، واحتمالات لتدخل الاحتياطي الفيدرالي في السوق عبر ما يُعرف بـ«ضبط منحنى العائد» (Yield Curve Control) للحد من الارتفاع الحاد في أسعار الفائدة.

وفي ظل ضعف الدولار، وتضاؤل قدرة الأصول الأميركية على التحوط، قد تتجه المحافظ العالمية لتعديل مراكزها نحو الذهب أو العملات الآمنة مثل الين والفرنك السويسري، ما قد يعمق أزمة الثقة.

المؤشرات تحت الضغط

يتوقع محللون أن يواجه مؤشر الدولار مقاومة عند مستويات 100.5 نقطة، مع احتمال تراجعه إلى 97.5 نقطة، كما يُتوقع أن يتراجع مؤشر إس آند بي 500 من مستواه الحالي باتجاه 5540 نقطة في ظل تقلص هوامش أرباح الشركات وتراجع التمويل.

في ضوء هذه المؤشرات، يبدو أن الأسواق تشهد لحظة مفصلية تتجاوز مؤشرات النمو التقليدية لتدخل في نفق تساؤلات حول استدامة السياسات الأميركية وثقة العالم في مركزية الدولار كعملة احتياطية.