أثارت تصريحات وسياسات إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب التي استهدفت تقليص أعداد الطلاب الدوليين في الولايات المتحدة، موجة من القلق في أوساط مؤسسات التعليم العالي الأميركية.
فقد أصبحت الجامعات الأميركية تعتمد بشكل متزايد على الرسوم الدراسية المرتفعة التي يدفعها الطلاب الدوليون، في ظل تراجع الدعم الفيدرالي والولائي، وهو ما يجعل استقرارها المالي الآن عرضة للخطر.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });
وقد يكون لهذا التهديد أثر سلبي على الطلاب الأميركيين أنفسهم ممن يسعون للحصول على تعليم جامعي، ويحذر اقتصاديون وباحثون من أن تداعيات هذا التراجع قد تتجاوز حدود الجامعات لتطول سوق العمل والاقتصاد الأميركي ككل في السنوات المقبلة.
يقول مايكل لوفنهايم، أستاذ الاقتصاد العمالي في كلية العلاقات الصناعية والعمل بجامعة كورنيل: «ما نسميه بـ (علاوة المهارة) مرتفع للغاية، ولهذا السبب فإن العمال ذوي التعليم العالي يحققون أجوراً أعلى بكثير».
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });
ويضيف: «الطلاب الدوليون لا يحققون فقط فوائد شخصية من خلال أجور أعلى، بل يعملون في قطاعات تسهم في النمو الاقتصادي، ويؤسسون شركات، ويشاركون في صناعات ذات نمو مرتفع، ما يزيد من الإنتاجية والناتج المحلي الإجمالي».
ويؤكد أن هذا التأثير الاقتصادي «إيجابي وكبير».
حسب رابطة المعلمين الدوليين (NAFSA)، فإن عدد الطلاب الدوليين في الولايات المتحدة خلال العام الدراسي 2023-2024 بلغ 1.1 مليون طالب، أسهموا في دعم أكثر من 378,000 وظيفة نصفها في مؤسسات التعليم العالي، والنصف الآخر في قطاعات مثل السكن والمطاعم والتجزئة والنقل والتأمين، وبلغت مساهمتهم الاقتصادية الإجمالية رقماً قياسياً قدره 43.8 مليار دولار.
وحذَّر لوفنهايم من أن تقليص عدد الطلاب الدوليين أو إضعاف رغبتهم في الدراسة بأميركا «سيقلل من قدرتنا التنافسية اقتصادياً على المدى المتوسط، وربما الطويل أيضاً، حسب تطورات الأمور».
تأثير مباشر على مراكز الأبحاث والطلاب
في جامعة كاليفورنيا– ديفيس، كشف جيوفاني بيري، مدير مركز الهجرة العالمية وأستاذ الاقتصاد، أن المركز بدأ يشعر فعلاً بآثار هذه السياسات.
وقال في مقابلة مع CNN: «خسرنا بالفعل بعض الطلاب الجدد بسبب عدم اليقين المتعلق بالتمويل وتأشيرات الدخول، بعضهم قرر التوجه إلى إنجلترا بدلاً من أميركا».
وأوضح بيري أن الطلاب الدوليين العاملين حالياً في أبحاث المركز يواجهون صعوبات أيضاً: «يعانون من مشكلات في التمويل، ولا يسافرون دولياً، بعضهم لم يتمكن من حضور مؤتمرات دولية خوفاً من عدم تمكنهم من العودة إلى الولايات المتحدة بسبب تشديد الإجراءات على الحدود».
وأضاف أن تمويل الأبحاث نفسها أصبح أكثر صعوبة، محذراً من أن مكانة الولايات المتحدة كأفضل بيئة جامعية في العالم استغرق بناؤها وقتاً طويلاً، لكنها «قد تتغير بشكل دائم».
خسائر محتملة للاقتصاد الأميركي
ويشير بيري إلى أن تفضيل الطلاب الدراسة في دول أخرى مثل كندا أو أوروبا أو أستراليا سيكون له تداعيات اقتصادية وخيمة على الولايات المتحدة.
ويضيف: «معدل تأسيس الشركات من قبل الطلاب الدوليين بعد التخرج في الولايات المتحدة يعادل أربعة أضعاف نظيره بين المواطنين الأميركيين، وبالتالي فإن انخفاض عددهم يعني انخفاض عدد الشركات الجديدة، ونقصاً في العلماء والمهندسين، وتباطؤ نمو الشركات، وتراجع في عدد الوظائف والدخل في العديد من المناطق».
وقد عرقلت القيود المفروضة على الهجرة بالفعل هذه الإمكانيات، ففي دراسة سابقة، أظهرت نتائج فريق بيري أن 20% فقط من خريجي الماجستير الدوليين بقوا في الولايات المتحدة بعد التخرج لمدة عامين على الأقل.
ويضيف: «رغم وجود مقترحات تشريعية لمنح بطاقة الإقامة الدائمة (غرين كارد) للطلاب الأجانب الحاصلين على شهادات من الولايات المتحدة، فإن ذلك لم يحدث، بل تم اتخاذ خطوات عكسية».
ويتابع: «كان هناك شبه إجماع حزبي على منح التأشيرات للطلاب الأجانب الذين يتلقون عروض عمل، باعتبار أن الولايات المتحدة استفادت من تعليمهم ومن رأس المال البشري الذي يمثلونه».
تأثير اقتصادي وطني خلال سنوات
وفي حال عدم تغيير سياسات ترامب تجاه الطلاب الدوليين، يتوقع بيري أن تبدأ التداعيات الاقتصادية في الظهور خلال عامين أو ثلاثة على الأكثر.
وفي مقال رأي بصحيفة نيويورك تايمز، كتب ديفيد بيل، أستاذ التاريخ في جامعة برينستون، أن تعامل إدارة ترامب «الوحشي» مع ملف التعليم الدولي ربما يفتح الباب لنقاش واسع حول مدى جدوى زيادة أعداد الطلاب الدوليين في أميركا.
ولفت إلى أن عدد الطلاب الدوليين ارتفع لأكثر من أربعة أضعاف خلال 45 عاماً، دون وجود نقاش سياسي أو تخطيط ممنهج، موضحاً أن الجامعات كانت سعيدة بقبولهم بسبب دفعهم الرسوم الدراسية وعدم استفادتهم من الدعم المالي كالطلاب الأميركيين.
وفي حديث لاحق لـCNN، أشار بيل إلى ضرورة الموازنة بين الأهداف الاقتصادية والاجتماعية قائلاً: «ربما حان الوقت لنسأل إن كان علينا الاستمرار في زيادة أعداد الطلاب الدوليين، أو الحفاظ عليها عند المستويات الحالية، أو حتى تقليصها قليلاً دون اتخاذ قرارات متسرعة أو قاسية».