الأوبئة وأزمة التمويل.. هل النظام الصحي العالمي في خطر؟

يبدو أن النظام الصحي العالمي على مفترق طرق ما لم يتجه إلى تبني مبادرات جدية لتعزيز التعاون الدولي وتحقيق العدالة الصحية للجميع.

وكشف إن كريشنا ريدي، الرئيس التنفيذي لـ«أكسس هيلث إنترناشونال»، أن هناك فجوة رئيسية في معظم الأنظمة الصحية حول العالم، بما فيها الدول المتقدمة، «فمنذ فترة طويلة يتم التركيز على تطوير الرعاية الصحية في المستشفيات بدلاً من التركيز على الرعاية الصحية الأولية».

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });

وكشف أن الدول التي استثمرت في الوقاية والتشخيص المبكر حققت وفورات مالية ضخمة ونتائج أفضل، مطالباً بضرورة تخصيص 60 إلى 70% من التمويل الصحي إلى قطاع الرعاية الأولية.

ومقابل ذلك تتجه الأنظار إلى ما سيؤول إليه النظام الصحي العالمي الرازح تحت وطأة المطالبات بمزيد من الحوكمة والشفافية، وإعلان إدارة ترامب انسحاب أميركا من منظمة الصحة الدولية بسبب مخاوف من إدارة المنظمة للأزمات الصحية والعبء المالي المترتب على أميركا التي تعد من أكبر الممولين لها وأسهمت بنحو 15.6 % (1.284 مليار دولار) في ميزانية المنظمة خلال الفترة من 2022-2023.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });

وأفاد كريشنا بأن الدول تتعرض لضغوطات بهدف تحديد الأولويات في ظل السعي إلى زيادة الإنفاق الدفاعي بحكم الأمور الجيوسياسية؛ «لذا، وبالنظر إلى كل هذه الأمور، فمن واجبنا كمنظمة أن نلفت الانتباه إلى الأمراض التي يتم إهمالها بسبب الأولويات المتنافسة.. لذلك نحن نحاول جذب هذا الاهتمام والسياسة، خاصة من خلال توليد الأدلة وإبلاغ صانعي السياسات بأن هذا ممكن للغاية، وأن لديهم الموارد اللازمة للقيام بذلك».

تحديات صحية

ويرى كريشنا أن منطقة الشرق الأوسط تواجه ثلاثة تحديات في القطاع الصحي، يتمثل الأول في التمويل والثاني في الموارد البشرية والثالث في القدرة على الاعتماد الذاتي على التقنيات الطبية، سواء كانت أدوية أو أجهزة سكر أو تقنيات جزيئية لضمان الأمن الصحي والاكتفاء الذاتي.

وقال إن «الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط تعاني بشكل رئيسي من نقص التمويل والكوادر الطبية، ما يؤثر في قدرتها على تقديم رعاية صحية شاملة».

وشدد على ضرورة التخطيط للموارد البشرية من قبل الدول المستقرة مالياً، والدول التي ليست قوية اقتصادياً والنظر إلى التعبئة المحلية للموارد المالية، خاصة مع التقلص المتزايد للمساعدات الإنمائية الدولية، لا سيما في البلدان منخفضة الدخل وفي البلدان متوسطة الدخل، «وهذا يعني أنه يتعين على الحكومات الوطنية أن تبتكر في ما يتعلق بتعبئة الموارد المالية المحلية».

مبادرات بارزة

ومن بين المبادرات الناجحة التي قامت بها أكسس هيلث إنترناشونال هي تلك المتعلقة بمكافحة الأمراض المستوطنة، كـ«تحالف وقف التهاب الكبد» التي أُطلقت العام الماضي والتي هي شراكة متعددة الأطراف تهدف إلى القضاء على التهاب الكبد الوبائي C.

وأشاد كريشنا بتجربة مصر في هذا المجال، حيث تمكنت من القضاء على التهاب الكبد بتكلفة 200 مليون دولار فقط، ما أسهم في تحقيق وفورات سنوية تُقدّر بين 2 و3 مليارات دولار، فضلاً عن إنقاذ آلاف الأرواح.

وكشف كريشنا أن المنظمة تخطط للتركيز في عام 2025 على الأمراض الوراثية النادرة، خاصة أن هذه الأمراض هي الأكثر انتشاراً في المنطقة العربية ويتضاعف معدلها عشر مرات مقارنة بدول الغرب.

وأشار إلى أن هذه الثورة الطبية ستلعب دوراً رئيسياً في تحسين جودة الحياة للأفراد وتقليل الأعباء الصحية على الحكومات، ومع التقدم في التقنيات الجينية وفي الطب الدقيق، يزيد الأمل في تطوير علاجات جينية وخلوية قادرة على تحسين حياة المرضى، مؤكداً أن انخفاض تكلفة تحليل الجينوم يفتح آفاقاً واسعة لتطوير علاجات مخصصة، ما يسهم في التنبؤ بالأمراض وتحسين استجابة المرضى للأدوية.

وأشاد كريشنا بدور الإمارات في تعزيز الصحة العامة، سواء على المستوى المحلي أو الدولي، من خلال دعمها التمويل العادل والاستراتيجيات الصحية المستدامة.

وأكد أن الإمارات تُعد نموذجاً رائداً في تعزيز التعاون الصحي بين الدول والمساهمة في تطوير حلول مبتكرة لمواجهة التحديات الصحية العالمية.

النظام الصحي العالمي وانسحاب ترامب

أثار كريشنا مخاوف بشأن تأثير انسحاب الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية، مشيراً إلى أن هذا القرار خلق فجوة تمويل لدى منظمة الصحة العالمية.

ومع ذلك، رأى أن هذه الأزمة قد تمثل فرصة للدول الأخرى لتعزيز إسهاماتها وإصلاح الحوكمة الصحية العالمية لضمان تمثيل أكثر عدالة للدول النامية في صناعة القرار الصحي.

ونبّه كريشنا إلى ضرورة تكثيف التعاون العالمي لمواجهة التحديات الصحية المتزايدة، مشيراً إلى أن الأوبئة والأزمات الصحية لا تعرف الحدود، ما يستدعي توحيد الجهود لتعزيز أنظمة صحية أكثر قدرة على التكيف والاستجابة.

ومع استمرار المبادرات الرامية إلى مكافحة الأمراض المستوطنة والاستثمار في التقنيات الطبية المتقدمة، يبدو أن المنطقة العربية على أعتاب تحول كبير في قطاع الصحة العامة.