ترامب يخاطر بتمويلات تكفل التفوق العلمي للولايات المتحدة منذ 70 عاماً

العديد من التطورات العلمية التي أنقذت الأرواح واستحقت جوائز نوبل تمت اعتماداً على منح فيدرالية. شاتر ستوك
ترامب يخاطر بتمويلات تكفل التفوق العلمي للولايات المتحدة منذ 70 عاماً
العديد من التطورات العلمية التي أنقذت الأرواح واستحقت جوائز نوبل تمت اعتماداً على منح فيدرالية. شاتر ستوك

تخيّل عالماً بلا إنترنت، أو نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، أو لقاحات الحمض النووي الريبي، أو الشاشات المستجيبة للمس على هواتف الآيفون، هذه الابتكارات والاكتشافات التي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية لم نكن لنصل إليها لولا الأبحاث التي تمولها الحكومة الفيدرالية في الكليات والجامعات الأميركية.

مع تهديد إدارة الرئيس ترامب بحجب مليارات الدولارات من التمويل الفيدرالي عن الكليات في جميع أنحاء البلاد، فإن مستقبل مثل هذه الابتكارات، وريادة أميركا العالمية في البحث والتطوير، على المحك.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });

قال جون فانسميث، نائب الرئيس الأول للعلاقات الحكومية في المجلس الأميركي للتعليم، لشبكة CNN «نحن ندمر جيلاً كاملاً من التقدم العلمي في ظل هذه الإدارة، ستكون التداعيات هائلة على كل أميركي بغض النظر عن آرائه السياسية».

يعتزم ترامب جعل أبرز الجامعات الأميركية منسجمة مع أيديولوجيته من خلال التهديد بحجب تمويل أبحاث الجامعات، ولكن جامعة هارفارد دخلت في مواجهة مع البيت الأبيض بشأن منح وعقود متعددة السنوات بقيمة ملياري دولار، وصرح رئيس الجامعة، آلان غاربر، بأن الجامعة «لن تتنازل عن استقلالها أو حقوقها الدستورية» بالرضوخ لمطالب الإدارة للحفاظ على مستويات تمويلها، لكن جامعات أخرى اعتمدت نبرة أقل تحدياً.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });

قال فانسميث إن بعض الكليات قادرة على البقاء بدون تمويل فيدرالي، ولكن ليس لفترة طويلة، «نحن نتحدث عن مليارات الدولارات، لا يمكن لأي مؤسسة، مهما بلغ حجم وقفها، أن تتحمل هذا النوع من الخسارة لفترة طويلة».

هيكل التمويل

تعتمد الجامعات الحكومية على إيرادات الرسوم الدراسية والتبرعات، بالإضافة إلى تمويل من حكومات الولايات والحكومات المحلية، لتوفير الجزء الأكبر من تمويلها.

الجامعات الخاصة مختلفة لأنها لا تتلقى دعماً مالياً من الدولة، بل تعتمد بشكل كبير على التبرعات.

لنأخذ جامعة هارفارد مثالاً، في العام الماضي شكلت الأعمال الخيرية 45 في المئة من إيرادات الجامعة، لكن معظم هذه الأموال جاءت من مصدر واحد وهو «وقف الجامعة» المُتراكم عبر 4 قرون، والذي بلغ 53 مليار دولار بحلول عام 2024، وهو الأكبر بين جميع الجامعات في البلاد.

لكن هذا لا يعني أن جامعة هارفارد يمكنها إنفاق هذه الأموال بحرية كاملة، لأن الوقف مُصمم لتمويل الجامعة بشكل مستدام، لذلك هناك قواعد تُحدد مقدار الأموال التي يمكن للجامعة سحبها من وقفها سنوياً.

في العام الماضي شكّل مبلغ 2.4 مليار دولار من وقف هارفارد أكثر من ثلث تمويل الجامعة، لكن الجامعة قالت إن 80 في المئة من تلك الأموال مُخصصة لأغراض محددة.

يقول فانسميث «إذا قررت الجامعة تعيين أستاذ في قسم اللغة الإنجليزية، فلا يُسمح للمؤسسة قانوناً استخدام تلك الأموال لأي غرض آخر».

وهنا يأتي دور الحكومة الفيدرالية، والتزامها بتمويل البحث الأكاديمي.

تتلقى جامعة جونز هوبكنز أموالاً أكثر من أي جهة أخرى في الولايات المتحدة، ففي العام الماضي تلقت هوبكنز تمويلاً بقيمة مليار دولار من المعاهد القومية للصحة، بينما تلقت جامعة هارفارد 686 مليون دولار من التمويل الفيدرالي لإجراء البحوث في السنة نفسها.

لكن كل ذلك قد يتلاشى مرة واحدة إذا نفذت إدارة ترامب تهديداتها بحجب التمويل.

قامت جامعة هوبكنز بالفعل بتسريح آلاف الموظفين بعد التخفيضات الكبيرة في تمويل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) والتي كلفت الجامعة 800 مليون دولار.

إرث الحرب العالمية

الحكومة الفيدرالية لم تلعب دائماً هذا الدور المحوري في البحث الأكاديمي، لكن الحرب العالمية الثانية غيرت العلاقة بين الحكومة والجامعات في الولايات المتحدة بشكل جذري.

آمن الرئيس فرانكلين روزفلت بأن التقدم العلمي سيكون حاسماً لكسب الحرب، لذلك وقّع في عام 1941 أمراً تنفيذياً لإنشاء مكتب البحث والتطوير العلمي، وقام بحشد كبار العلماء والباحثين في البلاد لابتكار أسلحة وتقنيات أكثر تطوراً.

موّل مكتب البحث والتطوير العلمي برامج بحثية في الجامعات في جميع أنحاء البلاد، وأدى عمل هؤلاء العلماء والباحثين إلى ابتكار القنبلة الذرية والرادار وإحداث تطورات جوهرية في الطب والتقنيات العسكرية.

تمّ حل المكتب بعد الحرب، لكن الشراكة بين الحكومة الفيدرالية والكليات والجامعات لم يتم حلها، وساعدت في وضع البلاد في طليعة الابتكار العلمي العالمي لأكثر من 70 عاماً، وحتى الآن.

ابتكارات على المحك

تتقدم الكليات والجامعات في جميع أنحاء البلاد بطلبات وتتنافس على المنح الفيدرالية لإجراء البحوث، وهو ما يُمكّن الحكومة من تمويل أفضل الباحثين بأقلّ تكلفة، كما يُساعد التمويل الفيدرالي في تغطية مُعظم تكاليف صيانة مرافق البحوث.

هذا التمويل يجعل الجامعات، في جوهرها، تُشبه المختبرات الوطنية.

قال توبي سميث، نائب الرئيس الأول للعلاقات الحكومية في رابطة الجامعات الأميركية «عندما تسحب الأموال من الجامعات، فإنك تسحب أموالاً من أفضل الباحثين الذين اختارهم علماء آخرون لإجراء تلك الأبحاث نيابةً عن الشعب الأميركي في مجالات مثل السرطان ومرض ألزهايمر وطب الأطفال والسكري وغيرها من المجالات البحثية الحيوية».

وأضاف أن العديد من التطورات العلمية التي أنقذت الأرواح واستحقت جوائز نوبل تمت اعتماداً على منح فيدرالية.

قال سميث «سنتعرض لخطر محدق إذا أوقفت الولايات المتحدة تمويلها الفيدرالي للكليات والجامعات، لن تمتلك الولايات المتحدة المعرفة، وستتفوق علينا دول أخرى في العلوم والتكنولوجيا، وفي النهاية سيخسر الشعب الأميركي».