منذ سنوات، تحاول شركة يوتلسات الفرنسية بناء بديل أوروبي لخدمة النطاق العريض عبر الأقمار الصناعية ستارلينك التابعة للملياردير الأميركي إيلون ماسك.
واندمجت الشركة مع شركة الأقمار الصناعية البريطانية «ون ويب» في عام 2023، ما أدى إلى توحيد صناعة الاتصالات عبر الأقمار الصناعية في المنطقة، في محاولة للحاق بشركة ستارلينك المملوكة لشركة سبيس إكس.
وفي الأسبوع الماضي، قادت الدولة الفرنسية استثماراً بقيمة 1.35 مليار يورو (1.58 مليار دولار) في شركة يوتلسات، ما يجعلها أكبر مساهم في الشركة بحصة تبلغ نحو 30 في المئة.
وتتخلف أوروبا بشكل كبير عن الولايات المتحدة في سباق الفضاء العالمي، فكوكبة ستارلينك، التي تضم أكثر من 7000 قمر صناعي، تتفوق على مجموعة يوتلسات، في الوقت نفسه تُعدّ قدرات الإطلاق الأوروبية أكثر محدودية من الولايات المتحدة، ولا تزال المنطقة تعتمد بشكل كبير على أميركا في بعض خدمات الإطلاق، وهي سوق تُهيمن عليها سبيس إكس.
تبلغ القيمة السوقية لشركة يوتلسات حالياً 1.6 مليار يورو، وهي أقل بكثير من تقديرات قيمة شركة سبيس إكس، مالكة ستارلينك، والتي قُدِّرت بـ350 مليار دولار في عملية بيع ثانوية لأسهمها العام الماضي، في عام 2020، توقع محللون في مورغان ستانلي نمو قيمة ستارلينك إلى 80.9 مليار دولار في "تقييمهم الأساسي" للشركة.
وقال لوك كيهو، محلل الصناعة في شركة مراقبة الشبكات أوكلا، إن استثمار فرنسا في يوتلسات يظهر أن البلاد تتعامل الآن مع يوتلسات بشكل أقل مثل شركة اتصالات تجارية وأكثر مثل مزود البنية التحتية الحيوية ذات الاستخدام المزدوج والأصل الاستراتيجي في دفع الاتحاد الأوروبي نحو السيادة التكنولوجية .
ومع ذلك، فإن بناء منافس أوروبي لشبكة ستارلينك لن يكون بالمهمة السهلة.
يرى خبراء صناعة الاتصالات أنه في حين يمكن لشركة يوتلسات أن تعزز جهود أوروبا لإنشاء مزود سيادي للإنترنت عبر الأقمار الصناعية، فإن تحدي منافستها الأميركية ستارلينك سيتطلب زيادة كبيرة في الاستثمارات في أقمار المدار الأرضي المنخفض (LEO).
وتدير ذراع ون ويب التابعة لشركة يوتلسات ما مجموعه 650 قمراً صناعياً في مدار أرضي منخفض، وهو أقل من عُشر كوكبة الأقمار الصناعية العالمية ستارلينك التي يبلغ عددها 7600 قمر صناعي.
وقال جو جاردينر، محلل أبحاث في شركة أبحاث السوق CCS Insight: «لتوفير سعة وتغطية أكبر، تحتاج يوتلسات إلى زيادة عدد الأقمار الصناعية في الفضاء، وهي مهمة أصبحت أكثر صعوبة بسبب حقيقة أن العديد من أقمار ون ويب تقترب من نهاية عمرها الافتراضي وسوف تحتاج إلى استبدالها أولاً قبل زيادة حجم الكوكبة».
وأيّد كيهو من شركة أوكلا هذا الرأي، قائلاً «لا تزال فرص يوتلسات في تحقيق التكافؤ مع ستارلينك في قطاع الإنترنت الفضائي الشامل خلال السنوات الخمس المقبلة محدودة، نظراً للنطاق العالمي الفريد لشركة سبيس إكس في البنية التحتية للمدار الأرضي المنخفض».
وحتى مع أحدث ضخ لرأس المال من الدولة الفرنسية، لا تزال شركة يوتلسات متأخرة عن ستارلينك في العديد من المجالات الرئيسية، بما في ذلك رأس المال، ومعدلات التصنيع، والوصول إلى الإطلاق، والطيف، ومحطات المستخدمين
ومع ذلك، يعتقد الخبراء أن الشركة في وضع جيد للنجاح في القطاعات ذات السيادة الأوروبية، والحساسة أمنياً، وقطاع الشركات التي تُعطي الأولوية للسيطرة القضائية والسيادة على سعة الأبراج الخام.
حثّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الدول الأوروبية، على زيادة استثماراتها في الفضاء، قائلاً الأسبوع الماضي إن «الفضاء أصبح، بطريقة ما، مقياساً للقوة الدولية».
وفي ذات الوقت أكدت شركة يوتلسات على دورها باعتبارها «المشغل الأوروبي الوحيد الذي يمتلك شبكة مدار أرضي منخفض تعمل بكامل طاقتها»، فضلاً عن «الدور الاستراتيجي لمنظومة المدار الأرضي المنخفض في نموذج فرنسا للدفاع السيادي والاتصالات الفضائية».
وفي وقت سابق من هذا العام، سرت شائعات عن ترشيح يوتلسات لاستبدال ستارلينك في أوكرانيا، حيث قدمت ستارلينك لسنوات خدمات الإنترنت عبر الأقمار الصناعية للجيش الأوكراني لدعم المجهود الحربي في ظل الغزو الروسي المستمر.
توترت العلاقات بين الولايات المتحدة وأوكرانيا في أعقاب انتخاب الرئيس دونالد ترامب، وظهرت تقارير تفيد بأن المفاوضين الأميركيين أثاروا إمكانية قطع وصول أوكرانيا إلى شبكة ستارلينك.
وقامت ألمانيا بإنشاء 1000 محطة يوتلسات في أوكرانيا في أبريل، بهدف توفير بديل -وليس استبدالاً- لمحطات ستارلينك البالغ عددها 50 ألف محطة في الدولة التي مزقتها الحرب.
ومنذ ذلك الحين، هدأت التوترات بين الولايات المتحدة وأوكرانيا إلى حد ما، وتظل شركة ستارلينك هي المزود الرئيسي لخدمات النطاق العريض عبر الأقمار الصناعية للجيش الأوكراني.
واعترفت إيفا بيرنيك، الرئيسة التنفيذية السابقة لشركة يوتلسات، بأن الشركة لا تستطيع حتى الآن أن تضاهي حجم ستارلينك.
وقالت في مقابلة مع بوليتيكو في أبريل الماضي: «لو كنا سنتولى مسؤولية كامل القدرة على الاتصال بأوكرانيا وجميع المواطنين، لما كنا قادرين على ذلك، دعونا نكون صادقين للغاية».
ومع ذلك تختلف حالات استخدام الشركة الفرنسية أيضاً عن حالات استخدام ستارلينك، تُشغّل يوتلسات كوكبة من أقمار المدار الثابت (GEO)، بالإضافة إلى أقمار المدار الأرضي المنخفض (LEO).
وتدور أقمار المدار الثابت (GEO) حول الأرض على ارتفاع أعلى بكثير من نظيراتها في المدار الأرضي المنخفض (LEO)، ويمكنها عادةً تغطية مساحة أكبر باستخدام عدد أقل من الأقمار الصناعية.
وأعلنت يوتلسات أنها تخطط للبناء على تحسينات عملياتها، من خلال نموذج تسويقي وترسيخ أوروبي قوي، كما أشارت إلى أن الحكومة البريطانية قد تزيد استثماراتها في يوتلسات في المستقبل.