في السنوات الأخيرة تحوّلت العملات المشفّرة وتقنيات البلوك تشين من ابتكار ناشئ إلى عنصر أساسي في الاقتصاد الرقمي العالمي، وبينما لا تزال العديد من الدول في طور اكتشاف كيفية التعامل مع هذا القطاع، برزت الإمارات كنموذج متقدّم نجح في دمج الابتكار التكنولوجي بإطار تنظيمي واضح، ما جذب كبريات الشركات العالمية.
في المقابل، بدأت تركيا مؤخراً باتخاذ خطوات تنظيمية جدية لضبط سوق تشفيري نشط، مدفوعةً بتشريعات جديدة واستثمار في الكفاءات المحلية.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });
على هامش "أسبوع إسطنبول للبلوك تشين 2025"، أجرت CNN الاقتصادية مقابلات مع مديرين تنفيذيين من شركتي Sui وCertiK، قدّموا خلالها قراءة مقارنة دقيقة بين الإمارات وتركيا، وسلّطوا الضوء على التحديات والفرص في بناء أسواق مشفّرة ناضجة وآمنة في المنطقة.
الإمارات.. نموذج متكامل يجمع بين الابتكار والثقة التنظيمية
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });
منذ أن أطلقت دبي هيئة تنظيم الأصول الافتراضية (VARA) عام 2022، باتت الإمارات نموذجاً متقدّماً لتقنين قطاع العملات المشفّرة بشكل يحفّز الابتكار من دون التضحية بالرقابة، وقد حصلت كبرى المنصات العالمية مثل Binance وOKX على تراخيص رسمية لمزاولة نشاطها، ضمن إطار تنظيمي واضح.
كريس تومسون، المدير التنفيذي لشركة Sui، قال لـCNN الاقتصادية إن الإمارات تشكّل "بيئة ناضجة وجاذبة للأعمال الحقيقية"، مشيراً إلى أن روح الابتكار في دبي، إلى جانب الرؤية الحكومية الواضحة، جعلت من الدولة مركزاً دائماً لنشاطهم.
وأضاف: "أنشأنا مركزاً في دبي ونطوّر أدوات تدمج بين الذكاء الاصطناعي والبلوك تشين، لأننا نرى فيها نقطة انطلاق أساسية للجيل الجديد من الإنترنت".
بدوره، أشار جيسون جيانغ، المدير التنفيذي للأعمال في CertiK، إلى أن الإمارات تحتل المرتبة الأولى عالمياً من حيث تقبّل العملات المشفّرة وتنظيمها.
وقال: "عملنا مع أكبر بنك رقمي في الإمارات على تدقيق أنظمته الأمنية، ونرى أن السوق هناك الأكثر نضجاً من حيث البنية القانونية والالتزام المؤسسي تجاه الأمن السيبراني".
ويبدو أن البيانات تدعم هذه الرؤية؛ فوفق تقرير صادر عن Chainalysis في مايو 2025، بلغ حجم التداول السنوي في سوق الإمارات نحو 35 مليار دولار، فيما تتوقع PwC أن تجذب مشاريع Web3 والبلوك تشين أكثر من 2.1 مليار دولار من الاستثمارات في البلاد خلال العام نفسه.
تركيا.. من سوق نشطة إلى خطوات تقنين واضحة
رغم أن تركيا لطالما كانت من أكبر الأسواق شعبية في مجال العملات المشفّرة، فإن عام 2025 شكّل نقطة تحوّل مفصلية في طريقة إدارة القطاع. فبعد سنوات من النشاط غير المنظم، أطلقت الحكومة التركية مجموعة من الإجراءات القانونية والتنظيمية لتقنين الأصول الرقمية وتعزيز ثقة المستثمرين.
في مارس 2025، أصدر مجلس أسواق رأس المال التركي لائحة تنظيمية جديدة وضعت شروطاً واضحة لترخيص منصات التشفير، شملت متطلبات رأسمالية (150 مليون ليرة للوسطاء و500 مليون للحفظ)، وتدابير مشدّدة للفصل بين أموال العملاء والمنصات، إضافة إلى قواعد صارمة لمكافحة غسل الأموال تشمل تطبيق “قاعدة السفر” وفترات انتظار تصل إلى 72 ساعة على السحب، وحدود يومية وشهرية للتحويلات، كما ألزمت السلطات الشركات بحفظ 95% من أصول العملاء لدى وسطاء مرخصين محلياً.
جيسون جيانغ من CertiK أشار في حديثه لـCNN الاقتصادية إلى أن هذه التحركات أدّت إلى "اندفاع من العملاء الحاليين والمستقبليين نحو التسجيل والامتثال قبل المهلة النهائية في 30 يونيو"، وأكّد أن CertiK تعمل مع عدد متزايد من البنوك والمؤسسات التركية لتقديم خدمات تدقيق أمني للعقود الذكية والبنية التحتية.
لكن ما يميّز تركيا، بحسب كريس تومسون من Sui، لا يقتصر فقط على الطلب الشعبي، بل أيضاً على الموارد البشرية، قال: "يوجد عدد هائل من مطوّري Web2 في تركيا، ونحن نرى فرصة حقيقية في تدريبهم وتأهيلهم للعمل في Web3".
وأضاف أن Sui ستطلق برامج تدريبية تستمر لستة أسابيع تمنح المشاركين شهادة معتمدة تؤهلهم لوظائف في مشاريع التشفير والبلوك تشين، "نريد أن نربطهم مباشرة بسوق العمل، تركيا بيئة غنية بالكفاءات، وتستحق الاستثمار على المدى الطويل"، قال تومسون.
تحديات الأمن والحوكمة في بيئة متحوّلة
رغم التقدم التنظيمي في كل من الإمارات وتركيا، لا تزال التحديات الأمنية تمثّل هاجساً رئيسياً للمؤسسات التقليدية التي بدأت في دخول فضاء Web3. بحسب جيانغ، فإن "العديد من هذه المؤسسات تملك خبرة قوية في التكنولوجيا المالية، لكنها لا تزال تعتبر Web3 بيئة جديدة وغير مألوفة، خاصة من حيث الشفافية وطرق الهجوم".
ولهذا السبب، تعمل CertiK على سد الفجوة بين النماذج الأمنية التقليدية وبنية العقود الذكية، من خلال خدمات تدقيق شاملة تهدف إلى حماية المحافظ والمنصات والبروتوكولات من الاختراقات والثغرات البرمجية.
نحو مشهد تشفيري أكثر نضجاً
الفرق بين الإمارات وتركيا ليس في من سبق الآخر، بل في المسار الذي اختاره كل بلد، الإمارات أرست نموذجاً قائماً على التشريع المبكر والحوكمة المؤسسية المتكاملة، فيما تسعى تركيا حالياً إلى تثبيت قواعد قانونية وتنظيمية واضحة، والاستفادة من نشاط شعبي واسع وموارد بشرية قوية.
ومع تسارع الاستثمار العالمي في تقنيات Web3 والبلوك تشين، يتّضح أن الشرق الأوسط لن يكون مجرد سوق مستهلكة، بل لاعباً فاعلاً في بناء الاقتصاد الرقمي الجديد.