تمكَّن روبوت المحادثة الأشهر حالياً «تشات جي بي تي» (ChatGPT) في غضون ثلاثة أشهر فقط من تحويل دفة الاستثمارات إلى عالم الذكاء الاصطناعي.

فبعد شهرٍ من إطلاقه في نوفمبر تشرين الثاني من العام الماضي، استقطب «تشات جي بي تي» أكثر من 57 مليون مستخدم، ومن المتوقع أن يفوق عدد مستخدميه اليوم الـ«مئة مليون» مستخدم، وفق بحث جديد من بنك الاستثمار «يو بي اس» (UBS).

وإن كنت تتساءل عن سبب نجاح هذا الابتكار، فالإجابة عن سؤالك تكمن في تعريفه، فهو روبوت محادثة مدعوم بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التوليدي التي تجعله قادراً على التفاعل مع المستخدمين بطريقة مقنعة، وتقديم إجابات مطولة وشاملة لأسئلتهم وطلباتهم.

وطبعاً لم يمرَّ هذا النجاح الاستثنائي مرور الكرام؛ فبسببه انطلق سباق جديد بين عمالقة التكنولوجيا أمثال «مايكروسوفت»، و«ألفابت» (المجموعة الأم لشركة غوغل)، و«بايدو» الصينية.

«مايكروسوفت»

أعلنت «مايكروسوفت» في يناير كانون الثاني عن استثمار عشرة مليارات دولار في شركة «أوبن ايه آي» (OpenAI)، المالكة والمطورة لروبوت المحادثة «تشات جي بي تي»، وقالت الشركة إن هذا جزء من استثمار «متعدد السنوات بمليارات الدولارات».

يأتي هذا الاستثمار الضخم من قبل عملاق البرمجيات بعد أن ضخ مليار دولار عام 2019 في «أوبن ايه آي»، والذي أعقبه جولة تمويل أخرى في عام 2021.

وفي يناير كانون الثاني، قالت «مايكروسوفت» إنها تخطط لإضافة خاصية «تشات جي بي تي» إلى خدمة الحوسبة السحابية «أزور»، من خلال هذه الخدمة سيتمكن العملاء من الوصول إلى أدوات «أوبن ايه آي» المختلفة، مثل نظام اللغة «جي بي تي 3.5» (GPT-3.5) الذي يعتمد عليه «تشات جي ي تي».

وفي الثاني من فبراير شباط أصدرت «مايكروسوفت» نسخة جديدة من برنامجها «تيمز بريميم» (Team Premium) بمزايا من نظام «جي بي تي 3.5»، كما تخطط الشركة لإطلاق نسخة جديدة من محرك البحث الخاص بها «بينغ» (Bing) مدعومة بالتقنية المستخدمة في «تشات جي بي تي».

يرى المحللون أن هذه الخطوة قد تزيد من شعبية محرك البحث قليل الاستخدام، وتمنحه فرصة للحد من هيمنة منافسه «غوغل»، ومن الممكن أن ترفع الخطوة قيمة سهم «مايكروسوفت» الذي زاد بالفعل 7.6 في المئة منذ بداية العام، إذ لروبوت الدردشة تأثير قوي على سوق الأسهم، فعلى سبيل المثال قفزت أسهم شركة الإعلام الرقمي «باز فيد» (BuzzFeed) 203 في المئة بعد إعلانها عن تعزيز محتواها التحريري مستعينةً ببرنامج «تشات جي بي تي».

«ألفابت»

بعد إعلان «مايكروسوفت» عن صفقتها مع «أوبن ايه آي»، ظنَّ البعض أن «غوغل» في خطر، لكن محرك البحث الأكثر استخداماً قرر أن يقطع الشك باليقين بإعلانه في الرابع من فبراير شباط عن استثمار 300 مليون دولار في شركة «أنثروبيك» (Anthropic) الناشئة للذكاء الاصطناعي التي تطوِّر برنامجاً منافساً لـ«تشات جي بي تي»، بحسب تقرير لصحيفة «فاينانشال تايمز».

قد لا تكون «أنثروبيك» بشهرة «أوبن ايه آي»، لكن ما يجهله البعض هو أن مؤسسي هذه الشركة الناشئة هم مديرون سابقون في «أوبن ايه آي»، وقد أصدرت الشركة في أقل من سنة اختباراً محدوداً لبرنامج دردشة آلية جديد أسمته «كلود» (Claude) لمنافسة «تشات جي بي تي».

أما أسهم «ألفابت» فقد قفزت أكثر من 20 في المئة في 2023، ما يشير إلى أن مساهميها ليسوا قلقين من منافسة «مايكروسوفت»، و«تشات جي بي تي».

ويوم الاثنين، أعلنت «غوغل» عن إطلاق تطبيقها الجديد «بارد»، الذي يعمل بتقنية الذكاء الاصطناعي، ليكون منافساً لـ«تشات جي بي تي». وقال سوندار بيتشاي، الرئيس التنفيذي لشركة «غوغل» والشركة الأم، عبر مدونته الخاصة إن «غوغل» ستجمع آراء المستخدمين للنسخة التجريبية وكذلك نتائج الاختبارات الداخلية للتأكد من أن التطبيق الجديد يلبي معايير عالية للجودة والأمان والأسس في معلومات الواقع الافتراضي، وأعرب بيتشاي عن حماسه لهذه المرحلة من الاختبارات لمساعدة الشركة على مواصلة تحسين جودة وسرعة التطبيق الجديد.

وقامت الشركة قرابة السنتَين بالعمل على تطوير برنامجها لتقنية الذكاء الاصطناعي للمحادثة التجريبية، الذي أطلقت عليه اسم «لامدا»، واليوم تخطو غوغل خطوة أخرى إلى الأمام بإطلاق التطبيق للمختبرين الموثوق بهم قبل إتاحته على نطاق أوسع للجمهور في الأسابيع المقبلة.

وأوضح بيتشاي أن الذكاء الاصطناعي هو أعلى تقنية تعمل شركته عليها حالياً، مشيراً إلى أن تلك التقنية تساعد الأطباء على اكتشاف الأمراض في وقت مبكر وتسهّل الوصول إلى المعلومات سريعاً، «كما أنه يفتح فرصاً جديدة يمكن أن تحسن بشكل كبير حياة مليارات الأشخاص».

«بايدو»

يبدو أن المنافسة في هذا المجال لا حدود لها، إذ أعلنت شركة البحث الصينية العملاقة «بايدو» (Baidu) في يناير كانون الثاني عن تطويرها روبوت دردشة مدعوماً بالذكاء الاصطناعي التوليدي لمنافسة «تشات جي بي تي»، بحسب تقرير لوكالة رويترز.

ووفقاً للتقرير تخطط «بايدو» لإطلاق الخدمة كتطبيق مستقل، ودمجها تدريجياً في محرك البحث الخاص بها الذي يعتبر النسخة الصينية من محرك البحث «غوغل».

وقفزت أسهم «بايدو» 3.2 في المئة عند صدور التقرير، مما رفع مكاسبها إلى 22 في المئة على مدى يناير كانون الثاني.

من الواضح أن الاهتمام بالذكاء الاصطناعي التوليدي أصبح الشغل الشاغل لعمالقة التكنولوجيا في مشارق الأرض ومغاربها. ليبقى السؤال: من سيربح ومن سيخسر في هذا السباق؟