تُبنى توربينات الرياح لتدوم، فهذه التوربينات الضخمة التي يمكن أن يمتد طولها لنصف حجم ملعب كرة، وهي تعمل على توليد الطاقة بطرق مستدامة عن طريق الرياح، صُممت لتحمُّل أقصى الظروف وأشد أنواع الرياح عتواً.
لكن بقدر حجم فائدة وقوة تلك الشفرات الضخمة التي تحملها التوربينات، فإنها تجلب معها مشكلة كبيرة أخرى، وهي كيفية التخلص من نفايات الشفرات عندما تبلغ حد الاستخدام وينتهي عمرها الافتراضي.
في حين أن نحو 90 في المئة من التوربينات قابلة لإعادة التدوير بسهولة، فإن شفراتها ليست كذلك؛ فهي مصنوعة من الألياف الزجاجية المرتبطة مع راتنجات الإيبوكسي، وهي مادة قوية للغاية بحيث يصعب تفكيكها، وأيضاً تعد عملية تحطيمها مكلفة، لينتهي الحال بهذه الشفرات منتهية الصلاحية في مكب النفايات لحرقها، ما يسبب مشكلة نفايات خطيرة وقطعاً تضر بالبيئة.
لكن تأتي شركة طاقة الرياح الدنماركية «فيستاس» في فبراير شباط لتقول إنها حلّت المشكلة، إذ أعلنت عن «حل مبتكر» من شأنه أن يسمح بإعادة تدوير شفرات توربينات الرياح دون الحاجة إلى تغيير تصميمها أو موادها.
وقالت الشركة إن «التكنولوجيا الكيميائية المكتشفة حديثاً» تقوم بتفتيت الشفرات القديمة من خلال سائل لإنتاج مواد عالية الجودة، والتي يمكن استخدامها في النهاية لصنع شفرات جديدة، بالإضافة إلى مكونات في صناعات أخرى.
وقالت كلير بارلو، مهندسة الاستدامة والمواد في جامعة كامبريدج، لشبكة CNN إنه إذا أمكننا توسيع نطاق هذا النوع من التكنولوجيا، فقد «يغير قواعد اللعبة».
طريقة مبتكرة لمشكلة كبيرة
من المتوقع أن تصل نفايات الشفرات إلى 2.2 مليون طن في الولايات المتحدة بحلول عام 2050، أما على الصعيد العالمي، فيمكن أن يصل الرقم إلى نحو 43 مليون طن بحلول عام 2050، هناك عدة طرق سهلة للتعامل معها.
الخيارات الحالية ليست فقط تسبب هدراً، لكنّ أيضاً لها عيوباً بيئية، إذ يتسبب الحرق في تلوث بيئي، وبينما تقول شركات الرياح إنه لا توجد مشكلة سُمّية مع حرق نفايات الشفرات، فهذا ليس مؤكداً تماماً بعد.
وتستخدم التكنولوجيا الحديثة، التي تعمل عليها الشركة بالشراكة مع جامعة آرهوس والمعهد التكنولوجي الدنماركي وشركة «أولين» للإيبوكسي، محلولاً كيميائياً سائلاً لتفكيك الشفرة إلى شظايا وألياف إيبوكسي، وتُرسل بعد ذلك هذه الراتنجات إلى شركة «أولين» التي يمكنها معالجتها إلى إيبوكسي «من الدرجة الأولى».
وقالت ليزا إيكستراند، رئيسة قسم الاستدامة في فيستاس، لشبكة CNN، إن هذه العملية تستخدم مواد كيميائية غير سامة وغير مكلفة ومتاحة بسهولة بكميات كبيرة، وأضافت، «نتوقع أن تكون هذه تقنية ذات استهلاك منخفض للطاقة وانبعاثات منخفضة لثاني أكسيد الكربون».
وذكرت إيكستراند أنهم يعملون على تقديم براءات اختراع، وأن الخطة في النهاية يعود ترخيصها لشركات أخرى أيضاً، وحتى الآن، اختبرت شركة فيستاس هذه التكنولوجيا الجديدة في المعمل، لكنها الآن تبني منشأة تجريبية لاختبارها على نطاق أوسع لمدة عامين، وبعد ذلك تأمل في تسويقها.
ابتكارات سابقة لحل مشكلة التوربينات
لم تكن شركة «فيستاس» الأولى في تقديم الحلول المبتكرة لإعادة تدوير نفايات التوربينات، فقد عملت الشركات والعلماء على مناهج مختلفة لسنوات، على الرغم من أن العديد من الحلول المحتملة لا تزال وليدة أو لا تزال صغيرة الحجم.
يتمثل أحد الطرق في طحن الشفرات واستخدام المواد في صناعات أخرى، الجانب السلبي هو أن الشفرات الضخمة يصعب نقلها وسحقها، كما أنها لا تساوي قيمة جيدة أمام التكلفة التي ستنفق عليها، ولكن لا تزال بعض الشركات الأخرى تعمل على إنجاح تلك الفكرة، إذ تقوم شركة «فيولا»، وهي شركة لإدارة الموارد ومقرها فرنسا، بتحويل الشفرات القديمة إلى مكون لإنتاج الأسمنت.
و يقلل استخدام هذا المكون من تلوث حرارة الكوكب الناتج في صناعة الأسمنت بنسبة 27 في المئة، وفقاً لشركة «فيولا»، وقد عالجت هذه العملية 2600 شفرة حتى الآن.
أيضاً عملت شركة «كاربون ريفيرز»، التي يقع مقرها في ولاية تينيسي، مع وزارة الطاقة الأميركية للمساعدة في توسيع نطاق تقنية «الانحلال الحراري»؛ وهو شكل من أشكال إعادة التدوير الكيميائي الذي يستخدم حرارة عالية جداً في بيئة خالية من الأكسجين.
وقال ديفيد مورجان، كبير المسؤولين الاستراتيجيين في «كاربون ريفرز»، لشبكة CNN، إن «هذه العملية تنتج الألياف الزجاجية، والتي يمكن استخدامها بعد ذلك في شفرات توربينات الرياح الجديدة، وكذلك في صناعات السيارات والشحن»، وأضاف أن، «الشركة تنتج أيضاً نفطاً يمكن استخدامه في إنتاج الطاقة».
وتركز الجهود الأخرى على تغيير المواد المستخدمة في صنع التوربينات، لإنشاء جيل جديد من الشفرات التي يسهل إعادة تدويرها.
في عام 2022، أعلن باحثون في جامعة ميشيغان أنهم صنعوا راتنجات جديدة للشفرات من خلال الجمع بين الألياف الزجاجية مع بوليمر مشتق من النبات وأخرى اصطناعية، والتي يمكن إعادة تدويرها إلى مكونات للمنتجات، بما في ذلك شفرات التوربينات الجديدة وأغطية الكمبيوتر المحمول، وحتى حلوى الدب الجيلاتينية، إذ تم استعادة لاكتات البوتاسيوم من الدرجة الغذائية واستخدامها في صنع الحلوى الجيلاتينية.
(لورا باديسون، CNN)