تُطلق الولايات المتحدة، اليوم الاثنين، ثالث حملة صارمة لها في ثلاث سنوات على صناعة أشباه الموصلات في الصين، حيث أعلنت تقييد الصادرات إلى 140 شركة مرتبطة بصناعة الرقائق، حسب ما قال مصدران مطلعان على الأمر.
وستضرب هذه الحملة طموحات صناعة الرقائق الصينية في مقتل، حيث تأتي بعد حزمتين أطلقهما بايدن بدايةً من أكتوبر 2022، في أكبر تحول في سياسة الولايات المتحدة التكنولوجية تجاه الصين منذ التسعينيات.
هذه الخطوة هي واحدة من آخر جهود إدارة بايدن لإحباط قدرة الصين على الوصول إلى أو إنتاج الرقائق التي يمكن أن تساعد في تطوير الذكاء الاصطناعي الذي يمكن أن يهدد الأمن القومي الأميركي.
يأتي ذلك قبل أسابيع فقط من عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، الرجل الذي من المتوقع أن يحتفظ بإجراءات بايدن الصارمة تجاه الصين، إن لم يضاعفها، حيث تعتبر سياسات التجارة الصارمة تجاه الصين جوهر أجندة ترامب الاقتصادية.
تتضمن الحزمة قيوداً على شحنات رقائق الذاكرة عالية النطاق (إتش. بي. إم) المتجهة إلى الصين، والتي تعد بالغة الأهمية لتدريب الذكاء الاصطناعي؛ وتشمل القيود الجديدة 24 آلة لتصنيع الرقائق وثلاث نظم تشغيل؛ وقيوداً جديدة على تصدير معدات تصنيع الرقائق المصنعة في دول مثل سنغافورة وماليزيا.
وقال المصدران إن من بين الشركات الصينية التي ستعاني من القيود الجديدة أكثر من عشرين شركة أشباه موصلات، وشركتين استثماريتين وأكثر من 100 شركة متخصصة في تصنيع أدوات تصنيع الرقائق.
وسيمنع المشرعون الأميركيون شحن البضائع إلى الشركات التي تتعامل مع شركة هواوي تكنولوجيز الصينية، الشركة الرائدة في مجال معدات الاتصالات والتي تم تقييدها بالعقوبات الأميركية والآن هي قلب إنتاج وتطوير الرقائق المتقدمة في الصين.
ويحتاج الموردون الأميركيون إلى الحصول أولاً على ترخيص خاص لشحن البضائع إلى الشركات التي تتعامل مع شركة هواوي تكنولوجيز الصينية، ونادراً ما يتم منح هذه التصاريح.
وتستعد الولايات المتحدة أيضاً لفرض قيود إضافية على شركة «تصنيع أشباه الموصلات الدولية»، أكبر شركة صينية لتصنيع الرقائق، والتي تم وضعها على قائمة الكيانات المحظورة في عام 2020، ولكن بسياسة متساهلة سمحت بمنح تصاريح بقيمة مليارات الدولارات لشحن البضائع إليها.
الآن ستزداد معاناة الشركة وسيصعب شحن البضائع إليها.
ولأول مرة تضيف الولايات المتحدة شركتين تستثمران في الرقائق إلى قائمة الكيانات، ما يعني منع التمويل لصناعة تعاني بالفعل.
هل سيتضرر حلفاء الولايات المتحدة؟
تعمل الضوابط الجديدة على توسيع صلاحيات الولايات المتحدة للحد من صادرات معدات تصنيع الرقائق من قبل الشركات المصنعة الأميركية واليابانية والهولندية، حتى لو تم تصنيعها في أجزاء أخرى من العالم، ويتم حظر تصدير المنتجات ما دامت تحتوي على مكون أميركي أو يحمل جنسية أحد حلفائها بأي نسبة أكبر من صفر في المئة.
وتهيمن اليابان وهولندا، إلى جانب الولايات المتحدة، على إنتاج معدات تصنيع الرقائق المتقدمة.
كما سيتم فرض قيوداً على الذاكرة المستخدمة في شرائح الذكاء الاصطناعي، وستكون شركة سامسونغ الكورية الجنوبية أكثر المتضررين من هذا البند بالذات، حيث يقدر المحللون أن سامسونغ تولد نحو 30 في المئة من مبيعات رقائق (إتش. بي. إم.) الخاصة بها من الصين.
طريق الصين الصعب
قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، لين جيان، رداً على سؤال حول القيود الأميركية، إن مثل هذا السلوك يقوّض النظام التجاري الاقتصادي الدولي ويعطل سلاسل التوريد العالمية، وأضاف في مؤتمر صحفي دوري، اليوم الاثنين، أن الصين ستتخذ تدابير لحماية حقوق ومصالح شركاتها.
وعلى جانب الصناعة المحلية، كثفت الصين جهودها لتحقيق الاكتفاء الذاتي في قطاع أشباه الموصلات في السنوات الأخيرة، ومع ذلك فإنها لا تزال متأخرة بسنوات عن قادة صناعة الرقائق مثل إنفيديا في رقائق الذكاء الاصطناعي وشركة (إيه. إس. إم. إل.) لصناعة معدات صناعة الرقائق في هولندا.
وفي الشهر الماضي أعلنت شركة هواوي الصينية خطتها لبدء الإنتاج الضخم لأحدث شرائح الذكاء الاصطناعي في الربع الأول من عام 2025، على الرغم من كفاحها لصُنع ما يكفي من الشرائح بسبب القيود الأميركية.
وأرسلت شركة الاتصالات العملاقة عينات من شريحة «أسيند 910 سي.»، أحدث شرائحها، إلى بعض شركات التكنولوجيا وبدأت في تلقي الطلبات، حسب ما قال مصدران لرويترز.
ولكن القيود الأميركية أدت إلى وصول هواوي إلى معدلات تشغيل غير تجارية لخطوط إنتاج المعالجات المعتمدة على رقائق الذكاء الاصطناعي.
وتحتاج صناعة المعالجات المعتمدة على الرقائق المتقدمة إلى تشغيل 70 في المئة من خط الإنتاج لتكون قابلة للتشغيل التجاري وتنجح في تجاوز الخسائر.
ولكن حتى معالج هواوي الأقل تقدماً «أسيند 910 بي.»، تعمل خطوط الإنتاج الخاصة به بمعدل 50 في المئة فقط، ما يجبر هواوي على التشغيل غير التجاري وتأخير تلبية الطلبات على هذه الشريحة، وفقاً للمصادر.
وأفادت وكالة رويترز في سبتمبر الماضي بأن شركة بايت دانس، الشركة الأم لتطبيق تيك توك، طلبت أكثر من 100 ألف شريحة «أسيند 910 بي.» هذا العام لكنها تلقت أقل من 30 ألف شريحة حتى يوليو، وهي وتيرة بطيئة للغاية لتلبية احتياجات الشركة، وقالت مصادر إن شركات تكنولوجيا صينية أخرى طلبت من هواوي إمدادها بالشرائح اشتكت من مشكلات مماثلة.
وتشمل القيود الأميركية منع الصين منذ عام 2020 من الحصول على تقنية الطباعة فوق البنفسجية الشديدة من الشركة المصنعة الهولندية «إيه. إس. إم. إل.»، والتي تُستخدم في تصنيع أكثر المعالجات تطوراً في العالم.
وقال مصدر «تدرك هواوي أنه لا يوجد حل قصير الأجل، نظراً لعدم وجود تقنيات الطباعة الأحدث، لذلك ستعطي هواوي الأولوية للطلبات الاستراتيجية من الحكومة والشركات».