«إلى أي مدى سيذهب ترامب؟»، هكذا عنونت صحيفة تايم، مقابلتها الحصرية مع الرئيس الأميركي السابق والمرشح الرئاسي الحالي دونالد ترامب الذي تنتظره مواجهة حامية الوطيس مع الرئيس الحالي جو بايدن الساعي للفوز بولاية ثانية في المكتب البيضاوي.

حرص ترامب خلال مقابلته مع تايم، على فتح النيران على سياسات بايدن الاقتصادية، والعلاقات الأميركية مع روسيا ودعمها سواء أوكرانيا أو إسرائيل، فضلاً عن الحرب التجارية والتكنولوجية مع الصين.

معركة حامية ضد الصين

يبدو أن المعركة الحامية بين أميركا والصين، لا تتوقف عند مرشح بعينه، فبايدن الذي تفرض إدارته قيوداً على أنواع الرقائق الإلكترونية التي يُسمح بتصديرها إلى الصين؛ ما أدى لتراجع مبيعات شركات مثل إنفيديا، وأدفانسيد ميكرو ديفايسيز، وإنتل، لن يكون مختلفاً كثيراً عن ترامب.

ففي ولايته الأولى، فرض ترامب تعريفة جمركية بنسبة 10 في المئة على الواردات كافة، ورسوماً جمركية تزيد على 60 في المئة على الواردات الصينية وحدها، لكنه يعد برفع هذه الضريبة مرة ثانية في قرار قد يكتب فصلاً جديداً في الحرب التجارية والتكنولوجية بين أميركا والصين، حال فوز ترامب بالانتخابات المقبلة.

وقال ترامب لتايم إن المكاسب كانت مشتركة بين أميركا والصين، لكن الثانية حققت ما بين 500 و600 مليار دولار سنوياً، مشيراً إلى أن احتكار الصين صناعة السيارات الكهربائية أمر محزن.

لكن الحقيقة كانت مغايرة إلى حد ما، فقد كشفت تايم عقب مقابلتها مع ترامب، عن حجم التبادل التجاري بين الصين وأميركا منذ توليه الرئاسة في ولايته الأولى عام 2017، إذ استوردت الولايات المتحدة 505 مليارات دولار من الصين وصدرت 130 مليار دولار، ما جعل العجز التجاري بين البلدين يبلغ 375 مليار دولار.

وفي 2018، ارتفع العجز إلى 418 مليار دولار، وهو أعلى مستوى له منذ عام 1985، وقبل مغادرة ترامب منصبه مباشرة، في ديسمبر كانون الأول 2020، بلغ العجز التجاري 308 مليارات دولار.

أما بايدن، فاتخذت إدارته عدداً من القرارات التمويلية التي تقدر بمليارات الدولارات، لدعم صناعة الرقائق في أميركا ومواجهة السيطرة الصينية.

فقد خصصت 6.4 مليار دولار لشركة سامسونغ، وذلك بعد فترة وجيزة من إعلانها عن منح شركة تي إس إم سي 6.6 مليار دولار لدعم تطوير ثلاثة مصانع، والموافقة على منح شركة إنتل 8.5 مليار دولار، لدعم الاستثمارات في أربع ولايات، وتخصيص 1.5 مليار دولار لشركة غلوبال فاوندريز؛ بهدف دعم تطوير وتوسيع المرافق في ولايتي نيويورك، وفيرمونت.

لم تقف قرارات بايدن عند هذا الحد، بل أعلنت الإدارة عن منح شركة مايكروتشيب تكنولوجي مبلغ 162 مليون دولار بهدف زيادة إنتاجها من وحدات التحكم الدقيقة وأشباه الموصلات، كما ستمنح شركة بي إيه آي إلكترونيكس سيستيمز نحو 35 مليون دولار لدعم تحديث مركز الإلكترونيات الدقيقة التابع للشركة في نيو هامبشاير، ومؤخراً وافقت على منح شركة ميكرون لصناعة الرقائق نحو 6.1 مليار دولار على شكل منح، للمساعدة على بناء مصانع لأشباه الموصلات في نيويورك وآيداهو.

لكن بعد كل تلك الإجراءات والقرارات التمويلية، فإن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، قال في زيارته الأخيرة إلى الصين، إن هذه القيود لا تهدف إلى تقويض التطور التكنولوجي أو النمو الاقتصادي الصيني.

وعلى الرغم من ذلك، فإن التراخيص الممنوحة لكل من إنتل وكوالكوم لتصدير منتجاتهما إلى الصين تعود إلى عهد ترامب، وما زال العمل بها سارياً في عهد بايدن.

تضرر أول اقتصاد في العالم

يرى ترامب أن التعريفات الجمركية يمكنها أن تحرر الاقتصاد الأميركي من الوقوع تحت رحمة التصنيع الأجنبي، وتحفز النهضة الصناعية في الولايات المتحدة، لكن مع تسارع وتيرة التضخم في أميركا، ومحاولة الاحتياطي الفيدرالي كبح جماحه، فهناك مخاوف من إمكانية ارتفاع الأسعار إن تكرر قرار ترامب من جديد في ولاية محتملة.

لكن، يرى مستشارو ترامب أن متوسط معدل التضخم السنوي في فترة ولايته الأولى الذي كان أقل من اثنين في المئة، يعد دليلاً على أن تعريفاته لن ترفع الأسعار.

وفي عهد بايدن، تدهورت الأوضاع المالية للأسر التي يقل دخلها عن 45 ألف دولار، كما ارتفع صافي القروض المعدومة أو الديون التي من غير المرجح استردادها في بنك أوف أميركا، إلى 1.5 مليار دولار في الربع الأول من 2024 من 807 ملايين دولار في العام الماضي، الأمر الذي تكرر أيضاً في سيتي غروب وويلز فارغو، وجيه بي مورغان تشيس، الذي بدوره قال إن النوع نفسه من الديون تضاعف تقريباً إلى ملياري دولار في الربع الأول.

أما الناتج المحلي الإجمالي، ففي عهد ترامب تراوح بين 2.4 إلى 2.9 في المئة سنوياً، بينما تباين بفرق شاسع في عهد بايدن بين 5.8 في 2021 و1.9 في المئة في عام 2022، وفقاً لبيانات ريفينيتيف.

وتراوح نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي خلال ولاية ترامب الأولى بين 60 و64 ألف دولار، بينما تراوح بين 70 و81 ألف دولار في عهد بايدن، وفقاً لبيانات صندوق النقد الدولي.

أزمة الدين الأميركي

تبنى الفيدرالي الأميركي سياسية تشددية تمثلت في رفع أسعار الفائدة منذ نحو عامين لتصل الفائدة من نصف في المئة في مارس آذار 2022 إلى 5.5 في المئة الآن، الأمر الذي لم يترك المستهلك الأميركي صاحب الدخل المنخفض في حالة سيئة فحسب، إذ يرى صندوق النقد الدولي أن أزمة الدين الأميركي أصبحت أخطر من أي وقت مضى، فالمستثمرون يطالبون بعائدات أكبر مقابل احتفاظهم بالسندات الحكومية في وقت يزداد فيه القلق بشأن ارتفاع التضخم، وغموض السياسة النقدية، والإفراط في إصدار أدوات الدين في أكبر اقتصادات العالم.

في عهد بايدن، ارتفع الدين الأميركي من 28.4 تريليون دولار في عام 2021 إلى نحو 34.3 تريليون دولار في فبراير شباط الماضي، بينما كان نحو 20 تريليون دولار مع بداية تولي ترامب عام 2017، حتى وصل إلى 26.9 تريليون دولار قبل مغادرته، بحسب بيانات وزارة الخزانة.

ومع بداية تولي ترامب في عام 2017، وافق مجلس النواب على مشروع قانون لرفع سقف الديون، وتمويل الحكومة الفيدرالية حتى الثامن من ديسمبر كانون الأول 2017، وتوفير 15 مليار دولار للإغاثة من إعصار هارفي، الذي ضرب ولايتي تكساس ولويزيانا.

أما في الوقت الحالي، فإن ترامب يرى أن الاقتصاد الأميركي كان منتعشاً في عهده، كما أنقذ صناعة الصلب من سيطرة بكين، على الرغم من أن وكالة موديز قالت عن هذه الحرب التجارية إنها كلفت الاقتصاد الأميركي 316 مليار دولار، و300 ألف وظيفة.

هل يتراجع ترامب عن دعم أوكرانيا؟

كانت الولايات المتحدة أكبر مصدّر للأسلحة في العالم بين عامي 2019 و2023، وفقاً لتقرير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (سيبري)، بينما جاءت أوكرانيا في المركز الرابع لأكثر الدول المستوردة للأسلحة.

وكان الكونغرس أقر مؤخراً، مشروعاً لدعم كييف بنحو 61 مليار دولار، ضمن مساعدات أميركا للجانب الأوكراني، إذ تعهد بايدن بمواصلة تقديم الدعم لكييف «ما دام ذلك ضرورياً»، مؤكداً أن «التزامنا تجاه أوكرانيا لن يضعف» لكن ترامب لم يتفق معه في هذا الشأن.

أوضح ترامب أن علاقته جيدة جداً مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي لم يقتحم أوكرانيا طوال فترة ولايته، ووصف تعامل بايدن بالضعيف جداً مع نظيره الروسي.

وقال في مقابلته مع تايم إنه «سيحاول» مساعدة أوكرانيا، ولكن على أوروبا أن تمد يد العون أيضاً لأن القارة العجوز هي المتضرر الأكبر من هذه الحرب عكس أميركا.

ماذا عن إسرائيل؟

تُعد إسرائيل أكبر متلقٍ تراكمي للمساعدات الخارجية الأميركية منذ الحرب العالمية الثانية حتى نهاية العام الماضي، إذ قدمت الولايات المتحدة لها 158 مليار دولار في شكل مساعدات ثنائية وتمويل للدفاع الصاروخي.

كما أقر الكونغرس مؤخراً مشروعاً لتوفير 26 مليار دولار لإسرائيل ومناطق الصراع الأخرى في أنحاء العالم.

وبموجب مذكرة تفاهم حالية، فمن عام 2019 إلى 2028، تقدم الولايات المتحدة سنوياً ما لا يقل عن 3.3 مليار دولار من التمويل العسكري الأجنبي و500 مليون دولار للبرامج التعاونية للدفاع الصاروخي، وفقاً لوزارة الخارجية الأميركية.

من جهته، أوضح ترامب أنه سيدعم إسرائيل، رداً على سؤال حول إمكانية دخولها في حرب مع إيران، خاصة مع الهجمات الأخيرة.