تسعى المملكة العربية السعودية لدعم طموحاتها في إنتاج بطاريات السيارات الكهربائية، والاستثمار في هذا القطاع الذي يشهد سباقاً عالمياً أشعله الحلم بمستقبل يعتمد على الكهرباء في مجال التنقل، والمعدن الرئيسي الذي تنظر المملكة للاستثمار فيه لإنتاج هذه البطاريات، الليثيوم.

فيعتبر الليثيوم، الذي يُطلق عليه الذهب الأبيض، معدناً بالغ الأهمية في العديد من الاقتصادات الكبرى نظراً لاستخدامه في صناعة البطاريات.

ومن هنا، ازدادت جهود السعودية في البحث عن المعدن خاصة لما يمثله لهذه الصناعة، بما يتماشى مع رؤيتها للتحول إلى مركز عالمي للسيارات الكهربائية التي تشهد رواجاً عالمياً، إذ قدرت وكالة الطاقة الدولية مبيعاتها في العام الماضي بنحو 13.9 مليون وحدة.

من جهته، قال وزير الصناعة والثروة المعدنية السعودي، بندر الخريف، في حديثه على هامش الاجتماع الخاص للمنتدى الاقتصادي العالمي بالرياض لوكالة رويترز مؤخراً، إن السعودية ملتزمة بجلب الليثيوم من الخارج لدعم طموحاتها في إنتاج بطاريات السيارات الكهربائية والاستثمار في هذا القطاع، موضحاً أن محاولات توفير تلك الإمدادات محلياً تظل في مرحلة مبكرة.

صناعة السيارات الكهربائية في السعودية

جاءت العلامة التجارية السعودية الخاصة بالمركبات الكهربائية (سير) كخطوة لدعم هذه الصناعة في السعودية، إضافة إلى مصنع للمعادن المستخدمة في إنتاج هذا النوع من المركبات، فضلاً عن افتتاح مصنع لشركة لوسيد للسيارات الكهربائية في السعودية بقدرة إنتاج أولية تصل إلى 5 آلاف سيارة تعمل بالطاقة الكهربائية بنسبة 100 في المئة، لتصل إلى 150 ألفاً تدريجياً.

وسبق أن أسس صندوق الاستثمارات العامة مشروع (منارة المعادن) للاستثمار في أصول التعدين في الخارج، بالتعاون مع شركة معادن، علماً أنه يستهدف إنتاج 500 ألف سيارة كهربائية سنوياً بحلول عام 2030.

وكانت شركة أرامكو السعودية أعلنت عن خططها لاستخراج الليثيوم من المياه المالحة في حقولهما النفطية، بما يتماشى مع جهود السعودية لتنويع روافد الاقتصاد وتعزيز الاستثمار في قطاع السيارات الكهربائية.

وفي وقت سابق، قال نائب وزير الصناعة والثروة المعدنية السعودي، خالد بن صالح المديفر في حديث لرويترز، إن هناك أبحاثاً جيدة في هذا المجال مع شركتي معادن وأرامكو، مضيفاً «لقد قدموا أداءً جيداً، إذ استخرجوا الصوديوم والمغنيسيوم وآثاراً لمعدن الليثيوم».

بدورها، أعلنت جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست)، في يناير كانون الثاني للعام الماضي، استثمار شركة معادن بالتعاون مع صندوق مشاريع الابتكار في الجامعة بنحو ستة ملايين دولار في شركة ليهيتك الناشئة المتخصصة في إنتاج بطاريات الليثيوم.

من جهته، قال أحمد سمير البرمبالي، خبير ومدير الاستدامة لمنطقة الشرق الأوسط في (بيروفريتاس) لمنصة CNN الاقتصادية، إن إعلان السعودية التحول إلى مركز عالمي للمركبات الكهربائية يعني الصناعة بأكملها بدءاً من البطاريات إلى الصناعات المكملة التي لا بُد أن تتخذ عملياتها من المملكة مقراً لها، لكن الأمر سيأخذ وقتاً، بالنظر إلى أن البطاريات تعتمد على الليثيوم.

وأضاف أن العملية ستأخذ وقتاً طويلاً لإثبات وجود أماكن فيها معادن بشكل كافٍ وبتركيز معين، لذلك سيكون هناك المزيد من البحث والتطوير والاستثمار، وحتى ذلك الوقت يجب على السعودية أن توفر المعادن المطلوبة للبطاريات من الخارج.

وأكد البرمبالي أن «الأمر يدعو للتفاؤل، فمع طبيعة المملكة سيكون هناك أخبار مبشرة بوجود معادن كثيرة، تعزز من هذه الصناعة وكل ما تعتمد عليه في المنطقة ككل»، علماً أن وزير الصناعة والثروة التعدينية السعودي أوضح مؤخراً أن «هناك علامات مشجّعة، لكننا بحاجة إلى بذل المزيد من الجهد».

احتياطات الذهب الأبيض في العالم

عند استخراج الليثيوم من المياه المالحة كما سبق وأعلنت أرامكو، الأمر يستدعي حفر بئر لضخ المياه الغنية بالملح إلى أحواض كبيرة ضحلة، حتى تتبخر بواسطة الشمس، ويستغرق إنتاج محلول ملحي غني بكلوريد الليثيوم ما بين 18 و24 شهراً، علماً أن كل طن من الليثيوم يحتاج إلى تبخر مليوني لتر من الماء، التي تخضع لعمليات كيميائية للحصول على أيونات الليثيوم، الذي تشتريه بالأخير الشركات المصنعة للبطاريات الكهربائية.

أما بعض الدول التي تتصدر احتياطات الذهب الأبيض في العالم مثل تشيلي والأرجنتين وبوليفيا، فقد رجّحت تقارير عالمية احتمالية أن تشهد أميركا الجنوبية صراعاً جيوسياسياً على الليثيوم، في ظل التحول الأخضر وزيادة إنتاج السيارات الكهربائية.

يبلغ إجمالي احتياطات الليثيوم في العالم نحو 28 مليون طن متري في 2023، وفقاً لبيانات هيئة المسح الجيولوجي الأميركية، وتحتل تشيلي الصدارة بنحو 9.3 مليون طن متري.

كان رئيس تشيلي غابرييل بوريتش، قال في أبريل نيسان الجاري، إنه سيؤمم صناعة الليثيوم في البلاد، في خطوة قد تؤدي بمرور الوقت إلى نقل السيطرة على عمليات الليثيوم الضخمة في تشيلي من عمالقة الصناعة إلى شركة مملوكة للدولة.

وفي بوليفيا، تقع سالار دو أويوني التي قالت عنها وسائل الإعلام البوليفية إنها تشكل 50 في المئة من احتياطات الليثيوم العالمية، كما وقعت الحكومة البوليفية اتفاقية بقيمة مليار دولار مع ثلاث شركات صينية لاستغلال موارد الليثيوم في البلاد.

لمَن الهيمنة على السوق؟

قدرت تحليلات ستاتيستا وصول سوق الليثيوم العالمية إلى 19 مليار دولار بحلول 2030، كما توقعت شركة ماكينزي آند كومباني ارتفاع الطلب على الليثيوم إلى نحو أربعة ملايين طن متري في العام ذاته، ما يكفي لحاجة الصناعة المزدهرة، فضلاً عن دعمه الخطط العالمية لحماية البيئة، وتقليل البصمة الكربونية.

وعلى مدى العقد المقبل، توقعت ماكينزي استمرار نمو بطاريات أيونات الليثيوم بمعدل سنوي مركب يبلغ نحو 30 في المئة، وبحلول عام 2030، يمكن للمركبات الكهربائية، إلى جانب أنظمة تخزين الطاقة، والدراجات الإلكترونية، وغيرها من التطبيقات التي تستهلك البطاريات بكثافة، أن تمثل ما بين 4 آلاف إلى 4500 غيغاوات للساعة من الطلب على ليثيوم أيون.

وعلى الرغم من هيمنة دول أميركا الجنوبية، فإن الصين تعتبر الأوفر حظاً في قطاع السيارات الكهربائية، كما تهيمن عدة شركات على سوق البطاريات الكهربائية منها إس كيو إم من تشيلي، وألبيمارل الأميركية، إضافة إلى شركتين من الصين وهما جانفينغ ليثيوم، وتيانكي، وفقاً لما أوردته وكالة الأنباء الفرنسية.

تصل احتياطات الصين من الليثيوم نحو ثلاثة ملايين طن متري، وفقاً للبيانات ذاتها، وقال البرمبالي إن معظم إنتاج السيارات الكهربائية يحدث هناك، لأنها تمتلك المعادن المطلوبة لهذه البطاريات محلياً، كما تتمتع بأسعار تنافسية مقارنة بأكبر الشركات العالمية.

ومن جهته، أوضح البرمبالي أن الفرصة سانحة أمام كل الدول للاستفادة منها، خاصة مع عدم وجود دولة مهيمنة على صناعة السيارات الكهربائية حتى الآن، فالمشكلات يمكن أن تظهر عندما تنتشر السيارات الكهربائية في السوق بصفة كبيرة، وهو أمر مقترن بأسعارها.

تعتمد أسعار السيارات الكهربائية على بطارياتها، التي تعتمد بالضرورة على عدة معادن منها الليثيوم، وقال البرمبالي، إن أسعار الليثيوم خلال العشر سنوات الأخيرة تراجعت بنسبة 80 في المئة مقارنة بعام 2013، في حين أن سعر البطارية يمثّل 40 في المئة من سعر السيارة، وبالتالي فإن تراجع الأسعار يؤثر في سعر السيارة، التي تنخفض بالضرورة، ما يشكل ميزة بالنسبة للمستهلك، وأزمة للشركات.

وأضاف أن إجمالي الإنتاج بلغ نحو 950 غيغا طن وهو رقم ضخم، وأكبر مما نحتاج إليه من الإمداد، ما جعلنا نشهد زيادة في الإمداد مقابل الطلب الذي يحتاج إليه العالم، من السيارات الكهربائية والصناعات الأخرى التي تعتمد عليه.

من جهتها، رجّحت ماكينزي في تقرير حديث إمكانية نقص البطاريات في العالم، نتيجة النقص في معدات التصنيع، ومواد البناء، والعمالة الماهرة اللازمة لزيادة الإنتاج، الأمر الذي يمكن أن يتفاده قطاع المعادن والتعدين بتوفير المواد الخام عالية الجودة اللازمة للانتقال إلى مصادر طاقة أكثر مراعاة للبيئة، بما في ذلك البطاريات.