تولي السعودية اهتماماً كبيراً بالاستثمار في قطاع المعادن بإفريقيا وغرب آسيا وبالأخص إفريقيا، إذ يشير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى أن القارة السمراء تمتلك نحو 30 بالمئة من احتياطيات المعادن في العالم.
وتضيف البيانات أن إفريقيا بها 40 بالمئة من الذهب، وما يصل إلى 90 بالمئة من الكروم والبلاتين، وأكبر احتياطيات من الكوبالت والألماس والبلاتين واليورانيوم.
واستضافت العاصمة السعودية الرياض مؤتمر التعدين الدولي في نسخته الثالثة في الفترة من 9 إلى 11 يناير كانون الثاني، بحضور كبار ممثلي الحكومات والصناعة، لبحث مستقبل قطاع التعدين في المنطقة تحت شعار «إيجاد سلاسل قيمة معدنية مرنة ومسؤولة في إفريقيا وغرب آسيا وآسيا الوسطى» من خلال تزويد الآلاف من المهنيين في مناطق إفريقيا وغرب آسيا وآسيا الوسطى بمنصة فريدة لإلقاء نظرة على التحديات والحلول والتقنيات المتقدمة في هذا القطاع المهم.
وعلى الرغم من استخراجها المعادن على أراضيها فإن المملكة تعتزم أيضاً توسيع سلسلة الإمدادات الخاصة بها والاستيراد من الخارج، وأوضح بنك التصدير والاستيراد السعودي أنه يستهدف الدخول لقارة إفريقيا لتقديم حلول ائتمانية متكاملة للمستوردين فيها عبر السوقين المصرية والجنوب إفريقية.
يُشار إلى أن نشاط الصندوق السعودي للتنمية منذ عام 1975 وصل إلى تمويل أكثر من 800 مشروع وبرنامج إنمائي في أكثر من 100 دولة نامية، بقيمة إجمالية نحو 20 مليار دولار، إذ بلغ نشاطه في إفريقيا من تلك الإسهامات تمويل أكثر من 400 مشروع وبرنامج إنمائي في 46 دولة إفريقية، بما يزيد على 10.7 مليار دولار حتى نهاية عام 2022 حسب ما ذكرت وكالة الأنباء السعودية.
وفي الآونة الأخيرة، تتطلع الإمارات وقطر وتركيا إلى الاستثمار في أعمال الموارد المعدنية في إفريقيا، أما السعودية فهي لا تنوي أن تستفيد من معادن إفريقيا وتستثمر فيها فحسب، بل تبحث عن شركاء لتطوير البنية التحتية فيها لتأمين احتياجاتها المستقبلية، ويعتقد جوسترا أن هذا نهج ذكي للغاية من جانب المملكة.
ولكن ما المعادن التي تبحث عنها المملكة في أراضي إفريقيا تحديداً؟
قال فرانك جوسترا، الرئيس والمدير العام التنفيذي لمجموعة شركات فيوري، في تصريحات لـ«CNN الاقتصادية» على هامش مؤتمر التعدين الدولي «السعودية لديها أغلب أنواع المعادن، لكن إفريقيا أكثر غزارة بالنيكل والكوبالت والنحاس، والمنغنيز والليثيوم، وبالنسبة للكوبالت والنحاس عليك أن تذهب إلى إفريقيا، وهناك ستجد الذهب أيضاً، أعتقد أنه يمكنك العثور على الليثيوم ربما في السعودية، لكن من المؤكد أن هذه الخمسة هي الأكثر أهمية وهي موجودة بكثرة في إفريقيا».
وأضاف أن هذا الاهتمام بالمعادن يستند إلى اتجاه العالم إلى التحول للكهرباء والابتعاد عن الوقود الأحفوري.
اهتمام نيجيري بالاستثمارات السعودية في المعادن
وفي مقابلة مع «CNN الاقتصادية» قال ديلي ألاكي وزير تطوير المعادن الصلبة في نيجيريا «السعودية مهتمة جداً بالقدوم إلى نيجيريا للاستثمار في قطاع المعادن، حيث يوجد في هذا البلد الإفريقي الليثيوم بكميات كبيرة ومن أفضل الصفات في العالم، بالإضافة إلى النيكل».
وتعد بطارية الليثيوم أيون مصدراً للطاقة في السيارات الكهربائية، وسلسلة توريد بطاريات الليثيوم أيون مكون رئيسي في سلسلة توريد المركبات الكهربائية الشاملة، وتمثل البطارية ما بين 30 في المئة و40 في المئة من حجم السيارة.
واتخذت السعودية العام الماضي خطوة كبيرة على طريق تصنيع السيارات الكهربائية بافتتاح شركة لوسيد للسيارات الكهربائية أول مصنع عالمي لها بقدرة إنتاج أولية تصل إلى خمسة آلاف سيارة سنوياً.
وتعد المنشأة التي افتُتحت في مدينة جدة ثاني منشأة تصنيع متطورة لشركة لوسيد وأول مصنع لها في الخارج، وسينتج المصنع سيارات لوسيد الكهربائية الرائدة للسعودية ولتصديرها إلى أسواق أخرى.
وقال الوزير النيجيري «السعودية مهتمة بخام الحديد من نيجيريا، نعم يوجد لدينا حديد بكمية كبيرة، لدينا أيضاً صناعة الصلب، والسعودية لديها صناعة للصلب، لكنها بحاجة إلى توسيع سلسلة التوريد الخاصة بها، لذا فهم يبحثون في نيجيريا، وخلال لقائي مع وزير الموارد الطبيعية السعودي، قررنا تشكيل فريق فني من كلا البلدين».
ونيجيريا بحاجة أيضاً لمستثمرين كالسعودية تكون لديهم النية لتطوير البنى التحتية كي تزدهر سوق استخراج المعادن وبالتالي تضمن الدولة المشارِكة بعملية التطوير حصتها المستقبلية من المعادن.
وقال الوزير «وكما تعلمون، فقد قامت نيجيريا بتركيز اقتصادها على النفط والوقود الأحفوري لفترة طويلة، لكن الاتجاه العالمي الآن هو التحول إلى الطاقة النظيفة، ونحن ملتزمون بذلك ونحتاج إلى تنويع اقتصادنا بعيداً عن الوقود الأحفوري، ولهذا السبب قررنا جذب المستثمرين الأجانب، نحن بحاجة إلى رأس المال والتكنولوجيا لضمان الاستغلال الحكيم والاستخراج والمعالجة والتركيز بشكل خاص على القيمة المضافة المحلية للمعادن».
اتفاق بين السعودية والكونغو على استخراج المعادن
ووقعت جمهورية الكونغو الديمقراطية اتفاقية مع السعودية خلال مؤتمر التعدين الدولي في نسخته الثالثة للتركيز على الاستكشاف واستغلال المعادن وبناء القدرات لاكتشاف الرواسب واستغلالها في البلد الإفريقي.
وقالت وزيرة المناجم في الكونغو، أنطوانيت كالامباي لـ«CNN الاقتصادية» إن بلادها ترغب في استخراج المعادن على أراضيها ومعالجة المعادن المستخرجة محلياً والبحث في الطرق والوسائل التي تمكنها من ترسيخ نفسها على المستويين الإقليمي أو الدولي للإمداد المسؤول والآمن والأكثر استدامة لمعادن المستقبل.
وتعتبر الكونغو الديمقراطية بلداً رائداً في إنتاج الكوبالت الذي يُستخرج خلال عملية استخراج النحاس، كما أن لديها تربة نادرة تنتج حجر القصدير والكولتان والعديد من مؤشرات النيكل الأخرى التي لم يتم استغلالها بعد، لكنها في مرحلة الاستكشاف بحسب ما صرحت به كالامباي.
كما يمتلك البلد الإفريقي النيكل والكروم واحتياطياً كبيراً من الليثيوم في جنوبه وتحديداً في بلدة مانونو.
واليوم لا تزال جمهورية الكونغو الديمقراطية تستكشف ما تحت الأرض، وأشارت كالامباي إلى أنه قد تم منح التصاريح بالفعل من أجل الاستكشاف.
وفي هذا الإطار، وقعت الكونغو اتفاقية ثنائية مع جمهورية زامبيا لتوحيد الجهود، وتجميع المعادن كالكوبالت والليثيوم لتصنيع البطاريات.
كما أنشأت مركزاً لتصنيع البطاريات بالإضافة إلى منطقة اقتصادية خاصة ستبدأ من خلالها عمليات استخراج الليثيوم وإنتاجه، بالإضافة إلى المعادن الأخرى التي تستخدم في صناعة البطاريات.
ونقلت تقارير صحفية عن خالد المديفر نائب وزير الصناعة والثروة المعدنية السعودي لشؤون التعدين قوله العام الماضي إن السعودية وقعت خمس اتفاقيات في مجال التعدين مع دول إفريقية ذات موارد تعدينية كبيرة على هامش المؤتمر الاقتصادي السعودي العربي الإفريقي.
وأضاف أن النهضة التي تشهدها السعودية جعلت الطلب على المعادن يشهد نمواً متزايداً، خاصة مع توجه المملكة لصناعة السيارات الكهربائية.
وأكد أن هذه الشراكات والاتفاقيات مع الجهات الإفريقية ستكون عن طريق الشركات الخاصة السعودية التي أسسها صندوق الاستثمارات العامة، مثل منارة للتعدين ومعادن، مشيراً إلى أن هناك استثمارات قائمة في هذا المجال مع موريتانيا والكونغو وغيرها، وهناك عقود كبيرة مع شركات جنوب إفريقية.
الذهب والبوكسيت أساس تعاون السعودية وغانا
أما جمهورية غانا الإفريقية فتعتبر من كبار منتجي الذهب في إفريقيا والعالم، وبحسب وزير الأراضي والموارد الطبيعية في غانا، صامويل جينابور، أنتجت غانا 3.6 مليون أوقية (أونصة) من الذهب العام الماضي وحده، وتمثل الإيرادات المتراكمة من صناعة الذهب 9 بالمئة من الناتج الإجمالي المحلي للبلاد.
وأشارت تقارير صادرة العام الماضي إلى أن غانا تمتك 8.74 طن متري من احتياطيات الذهب في إفريقيا.
كما يتوفر في غانا حجر البوكسيت وهو المصدر الرئيسي لاستخراج الألومنيوم.
ذلك بالإضافة إلى معادن المستقبل الخضراء والحرجة كالليثيوم والمنغنيز والكوبالت والمعادن الأخرى التي اكتشفتها غانا بكميات تجارية.
ويعتبر جينابور أن تلك المعادن هي التي دفعت السعودية وغانا للتعاون فيما بينهما في قطاع المعادن.
وأضاف أن مشاركة دول الخليج بأكملها في صناعة التعدين في غانا ليست كبيرة على نحو خاص ويجب زيادتها على غرار الاستثمارات الصينية والأميركية في التعدين هناك، مضيفاً أن الاستثمارات القادمة من الخليج ستكون موضع ترحيب كبير، خاصة أن السعودية بدأت تنخرط بشكل كبير في قطاع التعدين.