تستكشف روسيا طرقاً مختلفة لنقل سلعها، وتأمين أسواق لها، وبالأخص للنفط والغاز مع استمرار العقوبات الأجنبية عليها بسبب حرب أوكرانيا.

فقد تسببت العقوبات، وفق وكالة الطاقة الدولية، في انخفاض إيرادات روسيا من النفط إلى أقل من نصف ما كانت عليه في عام 2022 لتسجل 8.1 مليار دولار شهرياً في أبريل نيسان 2023، من 22.5 مليار دولار شهرياً قبل عام.

وفي هذا الإطار، وقَّع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الإيراني إبراهيم رئيسي في 17 مايو أيار اتفاقاً لتمويل وبناء خط سكك حديدية إيراني بقيمة 1.6 مليار دولار كجزء من مشروع ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب.

يربط المشروع روسيا وإيران بدول مجاورة مثل الهند وأذربيجان وأرمينيا وروسيا البيضاء وكازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان عبر السكك الحديدية والبحر، ومن المتوقع أن يكتمل في غضون 48 شهراً.

ويبلغ طول السكك الحديدية المزمعة 162 كيلومتراً على طول ساحل بحر قزوين، وسيربط الموانئ الروسية على بحر البلطيق بالموانئ الإيرانية في المحيط الهندي والخليج.

ويهدف المشروع المشترك إلى خفض تكاليف النقل بما يصل إلى الثلث ووقت الشحن إلى نحو النصف.

وقال بوتين في كلمة خلال حفل توقيع، «ممر النقل الفريد بين الشمال والجنوب سيساعد على تنويع الممرات العالمية بشكل كبير».

بديل عن قناة السويس؟

نقلت تقارير عن مسؤولين روس قولهم إن الممر الجديد سينافس قناة السويس، لكن الخبير البحري الدولي المصري سيد شعيشع اعتبر أنه لا يوجد أي ممر سواء كان بحرياً أو برياً يضاهي في أهميته قناة السويس.

وقال في حديث لـ«CNN الاقتصادية» إنّه «لن يضاهي المرور بقناة السويس أي إبداع في حركة الملاحة إذ تتيح (القناة) مرور 200 ألف طن بضائع كل مرة، وتختصر الوقت وتكاليف الوقود، وتوفر أماناً تاماً لمرور السفن والبضائع وأثناء اضطرابات الطقس والمصاعب الملاحية وسرعة الرياح».

تابع «يمر من القناة كل من له مصلحة في ذلك سواء وقت أو مال، و لن يضاهي قناه السويس أي ممر تجاري آخر».

طرق شحن الصادرات الروسية

بدأت أولى خطوات المشروع عام 2002 عندما طورت إيران وروسيا والهند، كل على حدة، نظام نقل جديداً عن طريق السكك الحديدية والبر والبحر.

ولكن بعد فرض الدول الغربية عقوبات على روسيا، بدأت موسكو تسرع العمل في المشروع.

وقال خبير ومستشار السكك الحديدية الهندي لاليت تريفيدي «روسيا ستتحمل تكلفة إنشاء خط السكك الحديدية هذا وستسترد التكلفة عن طريق فرض رسوم عبور على البضائع التي ستمر عبره، وستُدفع رسوم العبور لنقل البضائع هذا مقابل الاستثمار الذي تقوم به روسيا اليوم».

صدّرت روسيا سلعها إلى الشرق الأوسط وجنوب آسيا عبر طريقين يستغرقان 40 إلى 60 يوماً، أحدهما من موسكو أو سان بطرسبرغ شمالاً إلى بحر البلطيق، والآخر عبر أوروبا جنوباً ثم البحر المتوسط إلى قناة السويس.

وتمت أول تجربة شحن كاملة عبر طريقي الشمال والجنوب في يونيو حزيران 2022، وبدأت في سان بطرسبرغ واتجهت جنوباً بالسكك الحديدية مروراً بموسكو إلى مدينة أستراخان الساحلية الروسية على بحر قزوين.

وانتقلت السلع بحراً إلى ميناء انزلي الإيراني ثم عبر الشاحنات براً من شمال إيران عبر أصفهان وشيراز إلى ميناء بندر عباس الجنوبي لتنقلها بالسفن إلى ميناء نهافا شيفا بالقرب من مومباي في الهند.

واستغرقت الرحلة 24 يوماً.

ماذا يعني هذا لقطاع التصدير؟

بعد فرض العقوبات على روسيا بسبب اندلاع حرب أوكرانيا، كان من الصعب على روسيا بيع نفطها الخام، إذ توقفت الدول الغربية عن شرائه، وبات صعباً أيضاً بيعه إلى دول أخرى، لأن سوق النفط الخام مقومة بالدولار الأميركي.

ولم تتمكن روسيا من استخدام آلية «سويفت»، الطريقة الأكثر انتشاراً للمدفوعات الدولية، كما احتاجت إلى بيع سلعها إلى بلدان تستخدم عملات أخرى غير الدولار في التجارة.

في غضون ذلك، برزت الهند والصين كمشتريين رئيسيين للخام الروسي.

وقال تريفيدي «التجارة بين روسيا والهند زادت نتيجة العقوبات الغربية، ولكن الآن لدى السفن الروسية تكاليف تأمين أعلى عندما تتحرك عبر قناة السويس».

غير أن النقل عبر الطريق الشمالي الجنوبي إلى الهند لا يخلو من تحديات.

وأشار تريفيدي إلى أن الممر غير مهيأ، ما يفرض تعقيدات كثيرة حيث يجري النقل من منطقة سان بطرسبرغ إلى ميناء بحر قزوين الروسي ثم من هناك في روسيا إلى إيران، وبعدها براً إلى محطة السكك الحديدية ثم إلى الميناء البحري الإيراني في بندر عباس في الخليج العربي.

ومنحت روسيا الهند خصماً كبيراً بلغ عشرة في المئة لشرائها نفطها الخام.

وزادت واردات الهند من الخام إلى أعلى مستوى لها في 11 شهراً عند 21.23 مليون طن أو نحو 5.02 مليون برميل يومياً في مارس آذار 2023، حيث زودت روسيا 34 في المئة من الإجمالي، وهو رقم قياسي للشهر السادس على التوالي.

وقال تريفيدي إن الواردات الروسية للهند تضاعفت إلى خمسة أمثالها منذ 2017، إذ كانت تستورد الهند 2.29 في المئة فقط من نفطها الخام من روسيا عام 2017، وفقاً لبيانات «رفينيتيف».

وأكد أنه فور بناء خط السكك الحديدية بين الشمال والجنوب، ستنخفض التكاليف بنسبة 25 في المئة تقريباً، ما يقلص التكاليف اللوجستية للشحن، بما في ذلك تكاليف نفل النفط الخام من روسيا إلى الهند.

وختم قائلاً «إذا تحسنت العلاقات بين الهند وباكستان، فسيكون من الممكن القضاء تماماً على الطريق البحري، ويمكن أن يصل القطار من سان بطرسبرغ إلى مومباي دون العبور من الطريق البحري.

«سيكون هذا هو التغيير الحقيقي في قطاع الشحن، ويمكن عملياً خفض حركة مرور قناة السويس بنحو 60 إلى 70 في المئة، لأن كل التجارة بين أوروبا وروسيا والصين ستتم عبر هذه الممرات في أفغانستان وروسيا وإيران ودول آسيا الوسطى، وباعتبار الهند والصين الاقتصادات الرئيسية في العالم، فإن أهمية قناة بنما والسويس ستنخفض بالتأكيد، لتصبح لاعباً هامشياً».