تلقت الملحمة المتطورة لسفينة غطست في أعماق المحيط في رحلة استكشافية للقاء سفينة « تايتان» تغطية مكثّفة من كل المؤسسات الإخبارية الكبرى خلال الأسبوع، إذ حرصت على تغطية اختفائها الغامض بتحديثات حية متواصلة.

إنها بلا شك قصة مثيرة للاهتمام، فهي تمزج بين عناصر الغموض والإنسانية مع جرعة من الدراما العالية حيث تسابق رجال الإنقاذ مع الزمن في بحثهم المحموم عن السفينة المفقودة وعلى متنها خمسة أرواح.

في الوقت ذاته، أثيرت أسئلة أيضاً حول إفراط الصحافة في التركيز على القصة، والمبرر وراء التغطية الإعلامية.

أخبرني صامويل فريدمان، الأستاذ في مدرسة كولومبيا للصحافة، يوم الأربعاء «أنه يمكن فهم الدراما العالية لهذا الحدث وكيف يتردد صداها مع غرق تيتانيك».

وأضاف فريدمان «لكن، بالنظر إلى الاتهامات الموجهة إلى ترامب، وحرب أوكرانيا، وغيرها من الأخبار المهمة للغاية والمستمرة، فإن تغطية اختفاء السفينة ومحاولة الإنقاذ تبدو مبالغاً فيها بالنسبة لي».

ليس فريدمان الوحيد الذي يعتقد أن التغطية قد خرجت عن السيطرة، ولسبب وجيه؛ فالملحمة لا تؤثر في الحياة اليومية للأميركيين.. إنها ليست قضية للكشف عن الفساد الحكومي مثلاً، أو حالة تحاسب فيها المؤسسات الإخبارية السلطة.

أعادت هذه الحادثة إلى الأذهان التغطية الإعلامية للطائرة الماليزية «إم إتش 370» التي فُقدت عام 2014 وعلى متنها 239 شخصاً، يمكن القول إن المأساة كانت تستحق تغطية أكبر بكثير، إضافة إلى اللغز الذي شكلته للعالم.. أثار اختفاء الرحلة أسئلة خطيرة تتعلق بالسلامة لصناعة الطيران، وعرّضت مئات الركاب للخطر، وكان هناك المزيد من الأمل في إنقاذ بعض الأشخاص.

أعادت هذه الحادثة إلى الأذهان التغطية الإعلامية للطائرة الماليزية «إم إتش 370» التي فُقدت عام 2014 وعلى متنها 239 شخصاً، ويمكن القول إن المأساة كانت تستحق تغطية أكبر بكثير

وفي الوقت نفسه، مع تزايد الحماس مع مرور الوقت، أشار النقاد إلى أن الحوادث البحرية المأساوية الأخرى لم تحظَ باهتمام كبير من الصحافة.

قال الصحفي الأيرلندي فينسينت براون، يوم الأربعاء، إن «هوس وسائل الإعلام بالغواصة (تيتانيك) يتناقض مع التغطية الهزيلة نسبياً لحوادث الغرق في البحر الأبيض المتوسط»، في إشارة إلى القوارب التي تحمل عشرات المهاجرين التي غرقت في محاولة يائسة للوصول إلى أوروبا خلال الأشهر الأخيرة.

في الأسبوع الماضي فقط، قالت السلطات الباكستانية إن أكثر من 300 شخص لقوا مصرعهم بعدما غرق قارب صيد مكتظ بالناس قبالة سواحل اليونان.

وصفت إيلفا جوهانسون، مفوضة الاتحاد الأوروبي للشؤون الداخلية، الحادث المروع بأنه ربما «أسوأ مأساة على الإطلاق» في البحر الأبيض المتوسط. ومع ذلك، فإن الكارثة لم تقابل بتغطية إعلامية قريبة مما كرسته وكالات الأنباء الكبرى لغواصات المحيط.

كتب أليكس شيبارد، كاتب في صحيفة «نيو ريبابليك»، هذا الأسبوع «يجب التعامل مع غرق قارب يحمل مئات المهاجرين بهذه الطريقة، لكن ذلك لم يحدث في الواقع.. إنها بلا شك قصة جديدة ومأساوية لا توصف، وهي قصة تتحدث كثيراً عن الطريقة التي يعمل بها العالم».

وأضاف شيبارد «ومع ذلك، ينظر إليها على أنها روتينية أو حتى عادية، وهي مأساة أخرى تشمل أشخاصاً يتلقون عادةً اهتماماً أقل بكثير من أولئك الذين هم أفضل حالاً بكثير مما هم عليه الآن».

اعترف إريك ديغانز، الناقد الإعلامي في الإذاعة الوطنية العامة والمدرس المساعد في جامعة ديوك، بأن تغطية سفينة «تيتانيك» ربما تكون مبالغاً فيها، لكنه يعتقد أيضاً أن القصة رائعة وتستحق الكثير من الاهتمام.

وأضاف «هي واحدة من قصص الحياة والموت، الخلفية حول هذه القصة لها عمق أكبر مما قد تتوقعه؛ بداية من إلقاء نظرة على أنواع السياحة المحفوفة بالمخاطر، والتي تطورت لتلبية رغبات فاحشي الثراء، وصولاً إلى الأسئلة حول الأسباب وراء عدم اهتمام الصحفيين بتسليط الضوء على خطورة هذا النشاط من قبل».

(أوليفر دارسي – CNN)