هي ليست دموية كالحروب التقليدية، ولن تؤثر بالتأكيد في جيوسياسية العالم كحرب روسيا وأوكرانيا، لكن «حرب» إيلون ماسك و مارك زوكربيرغ الجارية منذ فترة ستغير على الأرجح العالم من جديد، بالطريقة ذاتها التي صاغ فيها «أبو الآيفون»، الراحل ستيف جوبز، شكل العالم قبل عشرين عاماً.

هذه الحرب الإعلامية الشرسة بين صاحب «تسلا» و«إكس» (المعروفة سابقاً بـ«تويتر») و«سبيس إكس»، إيلون ماسك، وصاحب عملاقة التكنولوجيا «ميتا»، مارك زوكربيرغ، هي بالتأكيد واحدة من أكثر النزاعات إثارة في عالم التكنولوجيا.

يعود النزاع بين الرجلين الثريين إلى عام 2018 حين أعلن ماسك على «إكس» خطته لتحويل عملاق السيارات الكهربائية «تسلا» إلى شركة خاصة.

هما عملاقا هذا القطاع اليوم، وربما لسنوات طويلة مقبلة، ويحمل كل منهما رؤية مغايرة لمستقبل التكنولوجيا، ولذلك سيكون لصدامهما على الأرجح تأثير جذري على هذا القطاع بما في ذلك إعادة تشكيل مسار التطور التكنولوجي المتسارع، لا سيما التقدم المذهل في قطاع الذكاء الاصطناعي، والاقتصاد العالمي بشكل عام.

تاريخ النزاع

يعود النزاع بين الرجلين الثريين إلى عام 2018 حين أعلن ماسك على «إكس» خطته لتحويل عملاق السيارات الكهربائية «تسلا» إلى شركة خاصة، بعد سنوات من إدراجها في بورصة نيويورك، زوكربيرغ لم يفوت الفرصة، حيث رد بالقول إن غريمه يبدو تحت تأثير المخدرات، وإن فكرة تحويل «تسلا» إلى شركة ذات ملكية خاصة فكرة «جنونية»، هذا التعليق المقتضب زرع بذور نزاع علني قل نظيره في قطاع الأعمال الأميركي، سيستمر لسنوات.

البعض يعتقد أن استحواذ ماسك على تلك المنصة الضخمة ذات الشعبية الهائلة بمئات الملايين من المشتركين إنما هو إعلان حرب حقيقي على خصمه اللدود.

خلال تلك السنوات، اصطدما حول العديد من القضايا، بدءاً بحرية التعبير على وسائل التواصل الاجتماعي وليس انتهاءً بطبيعة عمل الذكاء الاصطناعي وقواعده الأخلاقية، حيث كان ماسك على الدوام قاسياً في نقده المتواصل لأسلوب زوكربيرغ في إدارة «ميتا» معتبراً أن منصة «فيسبوك» ذات تأثير قوي بلا ضوابط أخلاقية ما يجعل تأثيرها سلبياً على المجتمعات، زوكربيرغ من جانبه لم يترك مناسبة من دون اتهام ماسك بالتهور وأنه «شخص غير مسؤول».

الصدام حتى ذلك الوقت كان «على الأطراف» حيث عمل الرجلان في قطاعين مختلفين، ولكن في الأشهر الأخيرة أصبح النزاع في العمق حين استحوذ ماسك على «إكس» بصفقة الـ44 مليار دولار الشهيرة، البعض يعتقد أن استحواذ ماسك على تلك المنصة الضخمة ذات الشعبية الهائلة بمئات الملايين من المشتركين إنما هو إعلان حرب حقيقي على خصمه اللدود، وتحدٍّ مباشر لزوكربيرغ الذي لا يزال صاحب القوة المهيمنة في وسائل التواصل الاجتماعي منذ عقدين على الأقل.

صراع الجبابرة

خلال الفترة الماضية، تردد أنهما اتفقا على المصارعة في قفص! ذلك ليس نكتة أو كذبة أبريل متأخرة، بل خبر حقيقي في واقع عبثي، الاثنان من هواة رياضة مصارعة «الجو جيتسو» الشعبية، وربما أرادا أن يحسما نزاعهما في القفص، ولكن زوكربيرغ غيّر رأيه في اللحظة الأخيرة، على الأرجح بنصيحة من مستشاريه، ماسك اعتبر أن غريمه «جبان» وأعلن أنه سيذهب بنفسه إلى منزل صاحب «ميتا» لقتاله في عقر داره.

الاثنان مبتكران عبقريان صنعا من الصفر اثنتين من أهم العلامات التجارية في التاريخ.

إلى هنا، تبدو القصة نزاعاً صبيانياً، مثل ذاك الذي يحدث في كل المدارس الابتدائية، وذلك صحيح ولكن هذه المشاكسة الصبيانية قد تغير العالم، نعم وذلك واقع عبثي كذلك.

فالاثنان مبتكران عبقريان، صنعا من الصفر اثنتين من أهم العلامات التجارية في التاريخ، «ميتا» و«تسلا»، فشركة «تسلا» التي أسسها ماسك في أوستن بولاية تكساس الأميركية في عام 2003 تبلغ قيمتها السوقية اليوم نحو 800 مليار دولار، وحققت إيرادات تجاوزت 80 مليار دولار العام الماضي، أما شركة «ميتا» فقد أسسها زوكربيرغ في عام 2004 في كامبريدج بولاية ماساتشوسيتس، وكان لا يزال طالباً في جامعة هارفارد، بعد 19 عاماً فقط تبلغ القيمة السوقية للشركة نحو 780 مليار دولار وحققت إيرادات بلغت 112 مليار دولار العام الماضي.

من السابق لأوانه الجزم بالتأثير بعيد المدى لهذا النزاع، لكن من نافلة القول إن الاثنين يملكان من الموهبة والقدرة المالية الضخمة ما يمكنهما من صياغة رؤى جديدة لمستقبل التكنولوجيا، فمعروف عن ماسك إيمانه الشديد بقدرة التكنولوجيا على «حل كل مشكلات العالم» بما في ذلك الفقر والتغير المناخي ونقص التعليم ومحدودية الوصول إلى الإنترنت في بعض مناطق العالم الأكثر فقراً.

ومع ذلك، من الواضح أن الرجلين لديهما رؤى مختلفة جداً للمستقبل التكنولوجي، زوكربيرغ -وإن بات يركز على مضاعفة ثروته في السنوات الأخيرة بمنظار مادي بحت- لا يقل موهبة عن غريمه، كما يعمل لديه الآلاف من أكثر مهندسي التكنولوجيا والخوارزميات موهبة في العالم.

«حرب ماسك وزوكربيرغ» هي واحدة من أكثر الأحداث غير التقليدية في عالم التكنولوجيا وربما أكثرها إثارة ومتعة.

يمكن القول إن صراعهما سيكون له تأثير هائل على مستقبل التكنولوجيا، حيث سيسعى كل منهما إلى ابتكار أدوات جديدة قد تكون أكثر ثورية وإبداعاً من كل ما تم اختراعه حتى اليوم، بدءاً بالاتصالات، والإنترنت، والذكاء الاصطناعي، وانتهاءً بقطاع الفضاء، علينا الانتظار لنرى ما سيأتي به كل منهما، وربما لن ننتظر طويلاً على هذا الصعيد.

كما سيكون لهذه الخصومة تأثير لا يقل حجماً على الاقتصاد، حيث إن سعيهما للابتكار والفوز سيؤدي إلى خلق قطاعات جديدة عالمياً بما تجلب من وظائف ونمو اقتصادي، حيث يراهن كثيرون على قدرة ماسك على كسر احتكار زوكربيرغ لوسائل التواصل الاجتماعي عبر تطوير «إكس» ليصبح أكثر انفتاحاً ومرونة.

«حرب ماسك وزوكربيرغ» هي واحدة من أكثر الأحداث غير التقليدية في عالم التكنولوجيا وربما أكثرها إثارة ومتعة، ولا يمكن الجزم اليوم بمن «سينتصر»! لكن المؤكد أنه سيكون لها ترددات لا يستهان بها على مستقبل العالم، لا سيما في التكنولوجيا والاقتصاد بشكل عام، قد تتجاوز آثار الحروب التقليدية.

*محمد المزعل صحفي وإعلامي ذو خبرة تمتد إلى نحو 30 عاماً، عمل رئيس تحرير لموقع «غلف نيوز» بالإمارات لمدة 20 عاماً، ورئيس القسم الخارجي في صحيفة الخليج، وهو الآن يعمل استشارياً إعلامياً.

** الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر «CNN الاقتصادية».