مع تحركات إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتفكيك الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، تنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي مزاعم مضللة حول كيفية إنفاق الوكالة أموالها، ما يُسهم في تبرير هذه الخطوة، كثير من هذه الادعاءات تم ترويجه من قِبل شخصيات بارزة مثل إيلون ماسك وإدارة ترامب نفسها.
التصريحات التي أطلقتها المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، زعمت أن الوكالة الأميركية للتنمية الدولية أنفقت ملايين الدولارات على مشروعات مثل الترويج للتنوع والشمولية في أماكن العمل بصربيا، وإنتاج مسرحية موسيقية في أيرلندا، وأوبرا متعلقة بالمتحولين جنسياً في كولومبيا، وكتيب رسوم متحركة حول قضايا المثلية في بيرو، لكن الحقائق تكشف أن هذه الادعاءات غير دقيقة.
ما هي المشروعات التي تم تمويلها؟ ومن الجهة الممولة؟
وفقاً للوثائق الرسمية، فإن المشروع الوحيد الذي موّلته الوكالة الأميركية للتنمية الدولية هو دعم التنوع والشمولية في بيئة العمل في صربيا بمبلغ 1.5 مليون دولار، أما بقية المشروعات فقد تم تمويلها من قِبل مكتب وكيل وزارة الخارجية الأميركية للدبلوماسية العامة، وليس من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، فقد تم تخصيص 70,884 دولاراً لدعم عرض موسيقي في أيرلندا لتعزيز القيم المشتركة بين الولايات المتحدة وأيرلندا، كما تم منح 25,000 دولار لإنشاء أوبرا تهدف إلى زيادة الوعي بتمثيل المتحولين جنسياً في كولومبيا، مع مساهمة إضافية بقيمة 22,020 دولاراً من تمويل غير حكومي. أما كُتيب الرسوم المتحركة الذي يعالج قضايا الصحة النفسية للمجتمع المثلي في بيرو، فقد تم دعمه بمبلغ 32,000 دولار.
ورغم انتشار هذه المعلومات المضللة، أكد الخبراء أن مثل هذه البرامج تُمول كجزء من استراتيجية الدبلوماسية العامة لتعزيز العلاقات الثقافية والديمقراطية، وليس لها أي علاقة بمساعدات التنمية التي تقدمها الوكالة الأميركية للتنمية الدولية.
هل تموّل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية وسائل الإعلام؟
إلى جانب الهجوم على الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، انتشرت ادعاءات بأن وسائل إعلام كبرى مثل بي بي سي وبوليتيكو ووكالة أسوشيتد برس تتلقى تمويلاً مباشراً من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، ولكن التدقيق في هذه الادعاءات كشف أنها غير صحيحة، فقد حصلت مؤسسة «بي بي سي ميديا أكشن»، وهي ذراع خيرية منفصلة عن بي بي سي الإخبارية، على 3.2 مليون دولار، وهو ما يمثل 8 في المئة فقط من ميزانيتها، أما بوليتيكو، فلم تتلقَّ 8 ملايين دولار كما زُعم، بل حصلت على 44,000 دولار فقط في رسوم اشتراكات حكومية، وبالنسبة لوكالة أسوشيتد برس، فلم تتلقَّ أي تمويل من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، لكنها باعت خدماتها الصحفية لمختلف الهيئات الحكومية الأميركية، كما تفعل مع آلاف العملاء حول العالم.
هل هناك دوافع سياسية وراء هذه المزاعم؟
يؤكد خبراء التنمية الدولية أن من الطبيعي أن تقوم كل إدارة جديدة بمراجعة سياسات المساعدات الخارجية لضمان توافقها مع أولوياتها، لكن استخدام بيانات مضللة للتشكيك في عمل الوكالة قد يضرُّ بسمعتها أكثر مما يفيد النقاش حول فاعليتها، ويشير شون روبرتس، أستاذ الشؤون الدولية في جامعة جورج واشنطن، إلى أن الإدارة الحالية تتبنى نهج «إطلاق الأحكام قبل طرح الأسئلة»، حيث تعمد إلى تضخيم البيانات المالية واستخدام «اتهامات تحريضية بلا أساس» لتبرير سياساتها.
في النهاية، تبقى الوكالة الأميركية للتنمية الدولية واحدة من أبرز الجهات التي تقدم المساعدات الإنسانية والتنموية حول العالم، حيث عملت في أكثر من 100 دولة خلال عام 2023، مع التركيز على مجالات تشمل تعزيز الصحة العالمية ودعم الاستقرار العالمي وتقديم المساعدات الإنسانية وتشجيع الابتكار والشراكات، وتمكين المرأة والفتيات. ومع استمرار الجدل حول مستقبل الوكالة، يبقى السؤال الأهم: هل سيتم تقييم أداء الوكالة الأميركية للتنمية الدولية بناءً على الوقائع، أم أن المعلومات المضللة ستستمر في تشكيل الرأي العام؟