على الرغم من وابل التعريفات الجمركية التي تفرضها الدول على بعضها البعض، هناك توقعات تهم المستهلكين،
وتجلعهم يتنفسون الصعداء قليلاً، إذ خرج البنك الدولي ليطمئن الأسواق بتوقعات تراجع معظم أسعار السلع في العام الجاري والمقبل، ليخفف هذا الانخفاض من مخاطر التضخم على المدى القريب الناجم من الحرب التجارية التي لم تنتهِ بعد. وفي تقريره «توقعات أسواق السلع» الصادر اليوم، توقع البنك الدولي انخفاض أسعار السلع العالمية بنسبة 12.4 بالمئة في عام 2025، وبنسبة 4.8 بالمئة إضافية في عام 2026، لتهبط إلى مستويات لم نشهدها منذ عام 2020.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });
من المرجح أن تنخفض لأول مرة عن المتوسط السائد بين عامي 2015 و2019، وسيمثل ذلك نهاية طفرة غذّاها تعافي الاقتصاد العالمي من جائحة كورونا وغزو روسيا لأوكرانيا في عام 2022.
تمثل توقعات النمو الضعيفة أحدث صدمة تضرب الاقتصاد العالمي في عقد يشهد اضطرابات غير عادية في أسواق السلع الأساسية، فقد كان تقلب أسعار السلع الأساسية أعلى من أي عقد سابق منذ سبعينيات القرن الماضي على الأقل، ويبقى أن نرى ما إذا كان هذا يمثل بداية حقبة أكثر اضطراباً لأسواق السلع الأساسية، لكن التقاء التوترات التجارية والصراعات والمخاطر الجيوسياسية والصدمات المتكررة المتعلقة بالطقس يزيد من احتمالية حدوث ذلك.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });
وقال كبير الاقتصاديين ونائب الرئيس الأول لاقتصاديات التنمية في مجموعة البنك الدولي، إندرميت جيل: «لقد كان ارتفاع أسعار السلع الأساسية بمثابة نعمة للعديد من الاقتصادات النامية، وثلثاها من الدول المصدرة للسلع الأساسية».
أضاف جيل: «لكننا نشهد الآن أعلى تقلب في الأسعار منذ أكثر من 50 عاماً، إن الجمع بين ارتفاع تقلب الأسعار وانخفاضها يُنذر بالمتاعب».
أسعار الطاقة تنخفض ما عدا الغاز
ومن المتوقع انخفاض أسعار الطاقة خلال العام الجاري، ما قد يُخفف من بعض آثار ارتفاع التعريفات الجمركية، التي بدأها الرئيس
دونالد ترامب ورد عليه شركائه بمثيلتها، على الأسعار.
وأولاً بالنسبة لأسعار الطاقة، من المتوقع أن تنخفض بنسبة 17 بالمئة هذا العام إلى أدنى مستوى لها في خمس سنوات قبل أن تنخفض بنسبة 6 بالمئة إضافية في عام 2026.
ومن المتوقع أن يبلغ متوسط أسعار خام برنت 64 دولاراً للبرميل فقط في عام 2025 -بانخفاض قدره 17 دولاراً عن عام 2024- و60 دولاراً فقط في عام 2026.
ومن المتوقع أن تنخفض أسعار الفحم بنسبة 27 بالمئة هذا العام ليصبح بسعر 100 دولار للطن مقابل 136 دولاراً في العام الماضي، وسينخفض بنسبة 5 بالمئة إضافية في عام 2026 ليصبح السعر عند 95 دولاراً للطن، مع تباطؤ نمو استهلاك الفحم لتوليد الطاقة في الاقتصادات النامية.
وعلى عكس ذلك يتوقع أن يرتفع سعر الغاز الطبيعي الأميركي بنحو 51 بالمئة في 2025 ليصبح سعر 3.3 دولار لكل مليون وحدة حرارية، وبنسبة 3 بالمئة في 2026.
لماذا الانخفاض في سعر النفط؟
وتعكس توقعات البنك التقديرات المتوقعة لضعف النمو الاقتصادي بالإضافة إلى تباطؤ طويل الأجل في الطلب العالمي على النفط.
إذ في عام 2025، من المتوقع أن يتجاوز العرض العالمي من النفط الطلب بمقدار 0.7 مليون برميل يومياً، كما أدى التبني السريع للسيارات الكهربائية إلى الحد من الطلب على النفط، ففي الصين -أكبر سوق للسيارات في العالم- كانت أكثر من 40 بالمئة من السيارات الجديدة التي تم شراؤها العام الماضي إما تعمل بالبطاريات أو هجينة، وهذا يقارب ثلاثة أضعاف النسبة المسجلة في عام 2021، بحسب التقرير.
أسعار الغذاء تتراجع
ومن المتوقع أيضاً أن تتراجع أسعار المواد الغذائية، بنسبة 7 بالمئة في عام 2025، و1 بالمئة إضافية في عام 2026.
والجدير بالذكر أن أسعار الكاكاو والقهوة الأرابيكا سترتفع خلال العام الجاري بنحو 9.1 و51.2 بالمئة على التوالي، على أن تعود للانخفاض خلال العام المقبل بنحو 12.5 و14.7 بالمئة على التوالي، مقابل مستوى الأسعار في العام الماضي الذي بلغ 7.33 دولار لكيلو الكاكاو، و5.62 دولار لكيلو القهوة الأرابيكا.
أسعار الذهب والمعادن الصناعية
من المتوقع أن يُسجّل متوسط سعر الذهب -وهو خيار شائع للمستثمرين الباحثين عن «ملاذ آمن»- رقماً قياسياً جديداً هذا العام بارتفاع قدره 36.1 بالمئة ليصل سعر الأونصة إلى 3250 دولاراً ومن المقرر انخفاضه إلى 3200 دولار للأونصة في عام 2026.
يتمتع الذهب بمكانة خاصة بين الأصول، وغالباً ما يرتفع سعره خلال فترات عدم اليقين الجيوسياسي والسياسي، بما في ذلك النزاعات.
على مدار العام الجاري والمقبل، من المتوقع أن تظل أسعار الذهب أعلى بنحو 150 بالمئة من متوسطها في السنوات الخمس التي سبقت جائحة كورونا.
وفي المقابل، من المتوقع أن ينخفض سعر المعادن الصناعية في عام 2026، مع ضعف الطلب في ظل تصاعد التوترات التجارية واستمرار ضعف النشاط في قطاع العقارات الصيني، فسينخفض الألومنيوم بنحو 10.1 و3.4 بالمئة خلال العام الجاري والمقبل على التوالي مقابل سعر 2419 دولاراً للطن في 2024.
كما سيتراجع سعر النحاس بنسب 10.3 و2.4 بالمئة خلال نفس العامين على التوالي مقابل سعره في 2024 البالغ 9142 دولاراً للطن، وسيخسر الحديد النسب الأكبر خلال 205 و2026، بنحو 13.2 و 7.4 بالمئة على التوالي مقابل سعره في العام الماضي البالغ 109.4 دولار للطن.
التقلبات السريعة في الأسعار تصبح طبيعية
يُشير تقرير البنك الدولي إلى أن دورات الازدهار والكساد في أسعار السلع الأساسية قد ازدادت حدّةً بشكلٍ خاصٍّ في عشرينيات القرن الحادي والعشرين.
وأضاف أنه يمكن لهذه الدورات المُستمرة أن تُلحق الضررَ بكلٍّ من الانضباط المالي والنمو الاقتصادي طويل الأجل في الاقتصادات.
منذ عام 1970، استمرّ متوسط طول هذه الدورات نحو أربع سنوات، حيث استمرت فترات الركود لفترةٍ أطول قليلاً من فترات الازدهار، ولكن انخفضت مدتها إلى النصف بين عامي 2020 و2024.
وقال أيهان كوسي، نائب كبير الاقتصاديين ومدير مجموعة التوقعات في مجموعة البنك الدولي: «شهدت أسعار السلع الأساسية تقلباتٍ حادةً طوال عشرينيات القرن الحادي والعشرين، حيث انخفضت بشدةٍ مع وصول جائحة كورونا، ثم ارتفعت إلى مستوياتٍ قياسيةٍ بعد غزو روسيا لأوكرانيا، ثم انخفضت مرةً أخرى».
أضاف: «وفي عصر التوترات الجيوسياسية، والطلب المتزايد على المعادن الأساسية، والكوارث الطبيعية المتكررة، قد يصبح هذا الوضع الطبيعي الجديد».
الاقتصادات النامية الأكثر تضرراً
على الرغم من أنه خبر سعيد للاقتصاد العاملي التوقع بتراجع الأسعار فإن الخبر يعد بمثابة أزمة للاقتصادات النامية، إذ سيعوق آفاق التقدم الاقتصادي في اثنين من كل ثلاثة اقتصادات نامية.
وعليه، ستحتاج الاقتصادات النامية إلى اتخاذ ثلاث خطوات لحماية نفسها لتجاوز التقلبات المتكررة في أسعار السلع الأساسية: أولاً، استعادة الانضباط المالي، ثانياً، تهيئة بيئة أكثر ملاءمة للأعمال لجذب رأس المال الخاص، ولتسهيل خلق فرص العمل، وثالثاً، تحرير التجارة أينما سنحت الفرصة، وتعزيز مؤسساتها بحسب تقرير البنك الدولي.