واصل الفيدرالي الأميركي رحلته في التشديد النقدي برفع أسعار الفائدة التي بدأها قبل أكثر من عام، لكن تداعيات الرفع التاريخي لا يُتوقع أن تنتهي قريباً.

مع وصول أسعار الفائدة في أميركا لأعلى مستوياتها منذ 2007، يتوقع أن يتباطأ النمو الاقتصادي في أكبر اقتصاد في العالم، وسط توقعات أن ينتهي الحال به في ركود.

وعلى الرغم من أن رئيس الفيدرالي الأميركي، جيروم باول، قال إنه «لا يزال من الممكن تجنُّب الركود» متمنياً أن يكون معتدلاً في حال حدوثه، فإن الاقتصاد الأميركي سجّل نمواً أقل من المتوقع في الربع الأول من العام الجاري بنسبة 1.1 في المئة، في وقت تشير التوقعات إلى مزيد من التباطؤ في الأشهر المقبلة.

هل الركود قادم؟

يتوقع أندرو هانتر، نائب كبير الاقتصاديين الأميركيين في «كابيتال إيكونوميكس»، أن يدفع التأثير المتأخر لارتفاع الفائدة خمس نقاط مئوية، الاقتصاد الأميركي إلى الركود في وقت ما هذا العام وإن كان معتدلاً نسبياً.

ويقول لـ«CNN الاقتصادية» إنه قبل الاضطرابات الأخيرة في القطاع المصرفي الأميركي كان هناك بعض نقاط الضعف، ومع احتمال أن تؤدي الإخفاقات المصرفية إلى تشديد شروط الائتمان الجارية، يبدو الركود الآن مخاطرة أكبر مما كان عليه في بداية هذا العام.

وتذهب توقعات رايان وانغ، الخبير الاقتصادي المتخصص في الاقتصاد الأميركي لدى «إتش إس بي سي غلوبال» للأبحاث، إلى أن الاقتصاد الأميركي سينمو بأقل من واحد في المئة في الربع الثاني من 2023 حتى الربع الثالث من 2024.

وأضاف لـ«CNN الاقتصادية» أن هذا يعني ضمناً فترة طويلة من النمو الضعيف أو حتى السلبي.

وبحسب علي متولي، باحث مساهم لقسم الشرق الأوسط بوحدة الاستخبارات الاقتصادية لدى «إي آي يو»، فإن أسعار الفائدة المرتفعة سيظل تأثيرها كبيراً ليس فقط على استهلاك الأفراد، ولكن أيضاً على استثمارات القطاع الخاص، ما سيؤثر على القطاع الصناعي في أميركا.

وأضاف لـ«CNN الاقتصادية» أنه من المتوقع أن يشهد نمو الاقتصاد الأميركي انخفاضاً، ومن الممكن أن نشهد ركوداً تقنياً صغيراً في الربعين الثاني والثالث هذا العام، بسبب انخفاض الاستهلاك الشخصي الذي سيستمر بالتأثر من أسعار الفائدة.

ركود عالمي قريب

تراجع نمو الاقتصاد الأميركي، أكبر اقتصاد في العالم، قد يدفع الاقتصاد العالمي للركود، فقبل أسابيع قليلة حذّر صندوق النقد الدولي من أن المخاوف من الركود الاقتصادي اكتسبت مكانة بارزة في التوقعات المستقبلية للاقتصاد العالمي.

وخفّض الصندوق توقعاته ل نمو الاقتصاد العالمي في 2023 إلى 2.8 في المئة، واضعاً احتمالين لنمو اقتصاد العالم وفقاً لاحتواء ضغوط القطاع المالي الحالية من عدمه.

أما السيناريو البديل الذي يفترض مزيداً من الضغط على القطاع المالي فإنه يخفّض النمو إلى نحو 2.5 في المئة للعام الجاري، وهو أضعف نمو منذ الانكماش العالمي في عام 2001، باستثناء أزمة كوفيد-19 في 2020 وأثناء الأزمة المالية العالمية في عام 2009.

ويقول هانتر إنه «مع تشديد البنوك المركزية في معظم الاقتصادات المتقدمة الأخرى السياسة النقدية بقوة، نعتقد أن هذه الاقتصادات على الأرجح تتجه أيضً إلى الركود»، متوقعاً أن يضعف النمو الاقتصادي العالمي بشكل حاد خلال الأشهر المقبلة، في المقابل سيكون عامل التعويض الوحيد هو استمرار انتعاش اقتصاد الصين بعد رفعها الإجراءات الاحترازية بشأن فيروس كورونا.

ورغم أن معظم هذا الانتعاش في الصين يتركز في قطاع الخدمات المحلي، فإن الفوائد التي تعود على بقية الاقتصاد العالمي من النمو القوي في الصين ستظل محدودة إلى حدٍ ما، بحسب هانتر.

لكن متولي يقلل من احتمالية حدوث ركود عالمي، إذ يتوقع أن يتباطأ نمو الاقتصاد العالمي، على أن يسجّل هذا العام في حدود اثنين في المئة و2.4 في المئة العام المقبل.

يرجع متولي توقعه إلى استمرار تداعيات حرب أوكرانيا على الاقتصاد العالمي وأسعار السلع، بجانب استمرار البنوك المركزية في التشديد النقدي.

ويضيف «الوضع سيكون عرضة لتأجج الحرب في أوكرانيا وما ستخلفه من تأثير على الاقتصاد العالمي، وقتها سنضطر لمراجعة توقعات النمو».