يحتفل العالم سنوياً في الثاني عشر من أغسطس آب بيوم الشباب الدولي ومدى تأثيرهم في اقتصاد وسياسة بلدانهم، فالتحدي الديموغرافي الذي يواجه العالم لم يعد النمو السكاني السريع، ولكن شيخوخة السكان.

وفي حين أن العديد من الدراسات تناقش أخطار شيخوخة قاطني أوروبا وأميركا على اقتصاد البلاد، فإن للدول العربية فرصاً واعدة لزيادة متوسط أعمار الشباب بها، وأيضاً طاقة مهدرة جراء نقص الفرص.

الدول العربية الأكثر شباباً

يبلغ نصف سكان الأرض 30 عاماً أو أقل، ومن المتوقع أن تصل هذه النسبة إلى 57 في المئة بحلول نهاية عام 2030 وفقاً للأمم المتحدة.

وفقاً لتقرير التوقعات السكانية للعالم للأمم المتحدة، فإن إفريقيا والدول العربية الأكثر شباباً، فمتوسط أعمار السكان في الوطن العربي تحت سن الثلاثين في معظم الدول؛ ففي مصر متوسط العمر 23.9 عام، وليبيا 26.3، وسوريا 20.9، والسعودية 29.8، والإمارات 32.8.

في المقابل فقارة أوروبا هي الأكثر شيخوخة، فمتوسط الأعمار بين 40 و45 عاماً؛ ففي إيطاليا 46.3 عام، وألمانيا 44.9، وفرنسا 41.6، وفي الولايات المتحدة متوسط العمر يبلغ 37.7، وكندا 40.2.

كما أن البلدان ذات الدخل المرتفع -لا سيما عبر أوروبا وأميركا الشمالية وشرق آسيا- لديها أعلى نسب إعالة كبار السن، أي الأشخاص فوق سن 64 عاماً وخارج قوة العمل.

لماذا تفوقت شعبية الصين على الولايات المتحدة بين الشباب العربي؟

استفادت الدول الأكثر ثراءً من زيادة نسبة الشباب في العقود الماضية، ومع زيادة اتجاه الأسر نحو خفض عدد الأطفال وتحسن الصحة العامة لسكان العالم، فتواجه هذه الدول الآن مشكلة ديموغرافية تتمثل في زيادة عدد المتقاعدين الذين ليسوا جزءاً من سوق العمل، وفقاً لتقرير الأمم المتحدة، وفي المقابل في العقود المقبلة ستكون البلدان النامية هي التي يمكن أن تستفيد من هذا النمو الديموغرافي في عدد الشباب.

الدول العربية وفرص استغلال الشباب

للهيكل العمري للسكان تأثيرات مهمة على جوانب مختلفة من المجتمع، مثل معدلات النمو الاقتصادي، والمشاركة في القوى العاملة، والخدمات التعليمية والرعاية الصحية، وأسواق الإسكان وغيرها وفقاً لتقرير جامعة «أكسفورد» بعنوان آثار شيخوخة السكان على النمو الاقتصادي.

وتتراوح أعمار أكثر من 92 في المئة من سكان الشرق الأوسط بين 15 و29 عاماً، يمثل هذا العدد نحو ربع سكان المنطقة أي أكثر من 108 ملايين شاب، وهو أكبر عدد من الشباب الذين ينتقلون إلى مرحلة البلوغ في تاريخ المنطقة، ويشكل الشباب من سن 15 إلى 24 نحو 20 في المئة من السكان في مصر والعراق ولبنان وليبيا والمغرب وعمان والسودان وسوريا وتونس واليمن والأردن والجزائر والمملكة العربية السعودية.

ففي البلدان العربية، الشباب هم الشريحة الأسرع نمواً، نحو 60 في المئة من السكان تقل أعمارهم عن 25 عاماً، ما يجعلها واحدة من أكثر المناطق شباباً في العالم، حيث يبلغ متوسط العمر 22 عاماً مقارنةً بمتوسط العالم، الذي يبلغ 28.

ورغم أن التحول الديموغرافي الأكثر شباباً فرصة للمنطقة، فهو يزيد الحاجة لمزيد من الجهود والاستثمارات في انتقالهم إلى حياة مستقرة والمشاركة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، ومع ذلك، غالباً ما لا يتم تصوير الواقع الديموغرافي في المنطقة على أنه فرصة، ولكن كسبب للقلق نظراً للتحديات التي يواجهها الشباب، إذ تواجه المنطقة واحدة من أعلى معدلات بطالة الشباب في جميع أنحاء العالم وفقاً لمنظمة التعاون الاقتصادي.

هل يمكن للهند أن تخلق وظائف كافية بعد أن تصبح الأكثر اكتظاظاً بالسكان؟

وفي جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا اليوم تسير التحديات على قدم وساق مع الفرص، ولا توجد فرصة أكبر من تلك التي توفرها الأعداد الكبيرة من الشباب والشابات في المنطقة، وبالتالي فإن التحدي الذي يواجه دول المنطقة، وكذلك المجتمع الدولي، هو أفضل السبل لإطلاق هذه الطاقة الهائلة لتشغيل مستقبل من النمو المستدام والشامل في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وخارجها وفقاً للبنك الدولي.

الشيخوخة وتأثيرها على الاقتصاد

يشير تقرير لصندوق النقد الدولي إلى أن تقدم السكان في الدول الغنية في السن يؤدي إلى تباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي، وارتفاع تكاليف الدعم، وتضغط الميزانيات العامة تحت عبء التكلفة الإجمالية المرتفعة لبرامج الصحة والتقاعد لكبار السن.

وأثرت الشيخوخة الديموغرافية داخل الاتحاد الأوروبي نتيجة للتغير الديموغرافي، والتي من المرجح أن تكون ذات أهمية كبيرة في العقود القادمة، فمعدلات المواليد المنخفضة باستمرار وارتفاع متوسط العمر المتوقع تعمل على تغيير شكل الهرم العمري في الاتحاد الأوروبي؛ ربما يكون التغيير الأكثر أهمية هو الانتقال الملحوظ نحو هيكل سكاني يميل نحو الشيخوخة، وهو تطور واضح في العديد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وفقاً لمكتب الإحصاء الأوروبي «يوروستات».

وأضاف أن نسبة الأشخاص في سن العمل في الاتحاد انخفضت، بينما يتزايد العدد النسبي للمتقاعدين، ومن المتوقع أن ترتفع نسبة كبار السن من إجمالي السكان بصورة كبيرة في العقود القادمة، ما يؤدي إلى زيادة العبء الاقتصادي على من هم في سن العمل لتغطية النفقات الاجتماعية التي تتطلبها شيخوخة السكان لمجموعة من الخدمات ذات الصلة.

وتوصلت دراسة جديدة أجراها باحثو جامعة أوريغون إلى أن ارتفاع نسبة كبار السن في القوة العاملة قد يكون له آثار مقلقة على الاقتصاد، إذ يعيش الناس لفترة أطول وتتراجع معدلات المواليد، ما يعيق نمو الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة، وفقاً لورقة بحثية نُشرت في أبريل نيسان 2023 في المجلة العلمية الاقتصادية الأميركية.

«الهجرة» صداع يضع أميركا في حيرة بين غلق الحدود واستقطاب العمالة

وأشار البحث إلى أن ثلثي تأثير السكان الأكبر سناً على الناتج المحلي الإجمالي بسبب تباطؤ النمو في الإنتاجية، والثلث الآخر نتيجة تراجع النمو في إجمالي العمالة.

ويقدر المؤلفون أن شيخوخة السكان قد خفضت معدل نمو نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بمقدار 0.3 نقطة مئوية سنوياً، ويعزى الانخفاض في الناتج المحلي الإجمالي جزئياً إلى عدم مشاركة السكان الأكبر سناً في سوق العمل وجزئياً إلى تأثير شيخوخة السكان على متوسط الإنتاجية.

وفي بعض البلدان، مثل الولايات المتحدة واليابان والسويد يكون الاستهلاك النسبي لكبار السن أعلى بكثير من المتوسط، ويأتي جزء كبير من هذا الاستهلاك عبر الحكومة في شكل دعم مادي مثل معاشات التقاعد والرعاية الصحية والرعاية طويلة الأجل، وتُدفع هذه الأموال عن طريق الضرائب، ومعظمها تلك التي يدفعها السكان البالغون في سن الرشد العاملون وفقاً للنقد الدولي.