تنتج المصانع الصينية كميات من الصلب والسيارات والألواح الشمسية أكبر مما يستطيع اقتصادها المتباطئ استخدامه، الأمر الذي يؤدي إلى تدفق الصادرات الرخيصة إلى الأسواق الخارجية.

يؤجّج فائض المعروض من السلع الصينية في الصناعات الرئيسية التوترات بين أكبر مصنّع في العالم وشركائه التجاريين الرئيسيين، بما في ذلك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي؛ فقد ارتفع فائضها التجاري العالمي في السلع ليقترب الآن من تريليون دولار.

وتشعر الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بالقلق إزاء «الإغراق» المحتمل من جانب الصين -أي تصدير السلع بأسعار منخفضة بشكل مصطنع- خاصة السيارات الكهربائية.

تسعير الصناعات الاستراتيجية خارج السوق

وقال ينس إيسكيلوند، رئيس غرفة تجارة الاتحاد الأوروبي في الصين، للصحفيين في وقت سابق من هذا الشهر «لا يمكن لأوروبا أن تقبل أن يتم تسعير الصناعات الاستراتيجية التي تشكّل القاعدة الصناعية الأوروبية، خارج السوق».

لكن الصين تحتاج إلى زيادة الصادرات كإجراء رئيسي لإنعاش اقتصادها الذي يعاني من ركود طويل الأمد في العقارات، وضعف إنفاق الأُسر وتقلص عدد السكان من بين مشكلات أخرى.

وتركز بكين الآن على الصادرات ذات القيمة الأعلى، بعد استثمار المليارات في التصنيع المتقدم، لكن هذه الخطوة تأتي في توقيت سيئ، وتأتي وسط تباطؤ النمو الاقتصادي على مستوى العالم وتحوُّل المستهلكين الغربيين من الإنفاق على السلع في عصر الوباء إلى السفر والترفيه.

كما أنها تواجه أيضاً مساعي أوروبا والولايات المتحدة لتقليل اعتمادهما على الصين وتعزيز التصنيع المحلي، وخلق فرص العمل، بما في ذلك من خلال قانوني «صافي صفر في الصناعة» و«الحد من التضخم».

وقال إسكيلوند «من الصعب بالنسبة لي أن أتخيل أن أوروبا ستقف مكتوفة الأيدي وتشهد بهدوء تسارع تراجع التصنيع (بها) بسبب الاستعانة بالمصادر الخارجية لانخفاض الطلب المحلي في الصين».

ووفقاً للمكتب الوطني للإحصاء في الصين، فقد بلغت أسعار الصادرات الصينية أدنى مستوى لها منذ عام 2009، عندما كان الغرب يعاني من الأزمة المالية العالمية.

وتضاعف فائض الصين في تجارة السلع بأكثر من الضعف منذ تفشي كوفيد-19، وفقاً لبراد دبليو سيتسر، وهو زميل بارز في مجلس العلاقات الخارجية، وفي عام 2019، صدّرت البلاد ما يقدر بنحو 400 مليار دولار من السلع أكثر مما استوردته، وهو فائض تضخم إلى 900 مليار دولار في العام الماضي.

من الملابس إلى السيارات

حصلت صادرات الصين من السلع الرخيصة على دفعة قوية بعد انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية في عام 2001، كما شهد اقتصادها وثقلها التصنيعي، نمواً كبيراً منذ ذلك الحين.

فبعد أن سيطرت على إنتاج الملابس والإلكترونيات الاستهلاكية، أصبحت الصين تُهيمن على السيارات الكهربائية، والألواح الشمسية، وتوربينات الرياح، وهي الصناعات التي يُنظر إليها على أنها ذات أهمية استراتيجية في أوروبا والولايات المتحدة، في سعيها إلى جعل اقتصاداتها خضراء والحد من التلوث الناجم عن ارتفاع حرارة الكوكب.

لقد تمَّ القضاء على منتجي الألواح الشمسية في أوروبا بسبب المنافسة الصينية، ويهدد المصير نفسه صناعة طاقة الرياح في أوروبا.

وقال ماركوس دبليو فويغت، الرئيس التنفيذي لـ«إريام غروب»، وهي شركة لإدارة الأصول المتخصصة في الطاقة المتجددة، في بيان هذا الشهر، إن «الشركات الأوروبية يمكن أن تتخلف عن الشركة المصنعة الصينية «غولدويند» التي تقدم بالفعل توربيناتها بسعر أقل بكثير من أسعار الشركات المصنّعة الأوروبية القائمة».

في الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2023، تفوقت شركة بي واي دي الصينية على شركة تسلا الأميركية كأكبر بائع للمركبات الكهربائية في جميع أنحاء العالم؛ ما توّج صعوداً غير عادي لشركة صناعة السيارات المدعومة من وارن بافيت، ومقارنةً بتسلا، تُعتبر سيارات بي واي دي أقل تكلفة، ما ساعدها على جذب مجموعة واسعة من المشترين، يُباع نموذجها المبتدئ في الصين بما يعادل أقل بقليل من 10 آلاف دولار، في حين أن أرخص سيارة من تسلا، موديل 3، تبلغ تكلفتها نحو 39 ألف دولار.

الألواح الشمسية وتوربينات الرياح

إلى جانب «ارتفاع صادرات السيارات الكهربائية»، تقوم الصين بتصنيع 80 في المئة من الألواح الشمسية في العالم، كما تصنع توربينات رياح أكثر من أي دولة أخرى، حسب ما كتب سيتسر في مذكرة حديثة، وأضاف أن «السياسة الصينية تواصل التأكيد على رفع مستوى قدرة الصين في مجال التصنيع المتقدم كمحرك رئيسي للنمو المستقبلي».

في وقت سابق من هذا الشهر، أخبر رئيس مجلس الدولة الصيني، لي تشيانغ، الرجل الثاني بعد الرئيس الصيني شي جين بينغ، البرلمان أن الحكومة ستركز على تصدير المزيد من «الثلاثي الجديد» من المنتجات في البلاد، وهي على وجه التحديد السيارات الكهربائية وبطاريات الليثيوم والألواح الشمسية.

يقول إسكيلوند، من غرفة تجارة الاتحاد الأوروبي، إن المنظمة ترى «طاقة فائضة في جميع المجالات» في الصين، سواء في إنتاج المواد الكيميائية أو المعادن أو المركبات الكهربائية، وأضاف «لم نرَ كل هذه السعة متوفرة عبر الإنترنت حتى الآن، هذا شيء سيضرب الأسواق خلال السنوات القليلة المقبلة».

تصاعد التوترات التجارية

تدرك بكين مشكلة الطاقة الفائضة في الصين، واعترفت بها كقضية للمرة الأولى منذ ما يقرب من عقد من الزمن في الاجتماع السنوي لكبار المسؤولين في ديسمبر كانون الأول.

ولكن عشية منتدى التنمية الصيني هذا الأسبوع، نشرت العديد من وسائل الإعلام الصينية المملوكة للدولة مقالات افتتاحية تتحدى فكرة أن وفرة العرض في الصين تشكل تهديداً للاقتصادات الأخرى.

وكتبت وكالة أنباء شينخوا «ما تصدره الصين هو قدرة إنتاجية متقدمة تلبّي احتياجات العملاء الأجانب»، لكن واشنطن وبروكسل لديهما وجهة نظر مختلفة، وتعهّد الرئيس الأميركي جو بايدن مؤخراً بالتحقيق فيما إذا كانت واردات السيارات الصينية تشكل تهديداً للأمن القومي.

وقال في بيان الشهر الماضي «إن صناعة السيارات الديناميكية أمر حيوي للاقتصاد الأميركي»، «الصين عازمة على السيطرة على مستقبل سوق السيارات، بما في ذلك عن طريق استخدام ممارسات غير عادلة، يمكن لسياسات الصين أن تغمر سوقنا بمركباتها، ما يشكّل مخاطر على أمننا القومي».

وفي الوقت نفسه، يبحث الاتحاد الأوروبي في دعم الدولة الصينية لمصنعي السيارات الكهربائية الذي يشتبه في أنه قد يمكّن هذه الشركات من إبقاء الأسعار منخفضة للغاية، ما يخلق منافسة غير عادلة مع المنافسين الأوروبيين.

ويدرس المسؤولون الأوروبيون أيضاً ما إذا كان ينبغي تمديد أو تعديل التدابير الحالية لحماية صناعة الصلب في الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن التحقيق في مزاعم إغراق الصين بوقود الديزل الحيوي في أعقاب شكوى من المنتجين الأوروبيين، يُعدُّ وقود الديزل الحيوي بديلاً متجدداً للوقود الأحفوري المستخدم في قطاع النقل في الاتحاد الأوروبي.

تعريفات جمركية

وقالت المفوضية الأوروبية، الذراع التنفيذي للاتحاد الأوروبي، في ديسمبر كانون الأول إنها قد تفرض تعريفات جمركية على واردات الديزل الحيوي الصينية إذا تأكد إغراق السوق.

والصين، من جانبها تقاوم، وقالت هذا الأسبوع إنها قدمت شكوى إلى منظمة التجارة العالمية للاعتراض على «سياسات الدعم التمييزية» للمركبات الكهربائية بموجب قانون بايدن لخفض التضخم، وفي وقت سابق من هذا العام، فتحت بكين تحقيقاً لمكافحة الإغراق في البراندي المستورد من الاتحاد الأوروبي.

إذا كان هناك جانب إيجابي لنفوذ الصين في التجارة العالمية، فهو أنها ينبغي أن تساعد في إبقاء أسعار السلع والتضخم الإجمالي تحت السيطرة في الاقتصادات المتقدمة هذا العام، وفقاً لجنيفر ماكيون، كبيرة الاقتصاديين العالميين في كابيتال إيكونوميكس.

وقالت ماكيون في مذكرة حديثة «لكن ربما الأهم من ذلك هو أن استمرار فائض العرض وانخفاض أسعار السلع الصينية سيزيد من التوترات الجيوسياسية، ويبقي تهديد التعريفات الجمركية والتعريفات الجمركية المضادة قائماً»، وأشارت إلى أن هذا قد يؤدي في نهاية المطاف إلى رفع التضخم في السنوات المقبلة.

(هنا زيادي ولورا هي – CNN)