غيَّرت الأحداث الجيوسياسية والحروب التجارية على مدار الأعوام الأخيرة خريطة التجارة العالمية وتدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، لكن هل استطاعت التأثير على هيمنة الدولار في المعاملات التجارية العالمية لصالح اليوان؟.

تظهر أحدث البيانات الصادرة عن صندوق النقد الدولي أن الدولار الأميركي لا يزال هو العملة المهيمنة على المدفوعات الدولية، مستحوذاً على أكثر من 80 في المئة من المعاملات التجارية، ويرجع ذلك على الأرجح إلى أن الكثير من المبادلات التجارية للسلع الأساسية لا تزال تتم فواتيرها وتسويتها بالدولار.

ومع ذلك، انخفضت حصة الدولار من إجمالي احتياطات النقد الأجنبي العالمية إلى 58.4 في المئة في الربع الأخير من عام 2023 مقارنة بنحو 70 في المئة منذ بداية الألفية، بدفعة من التنويع التدريجي لاحتياطات العملات الأجنبية بعيداً عن الدولار وجزئياً إلى عملات احتياطية غير تقليدية مثل الدولار الأسترالي والدولار الكندي.

الصين تمتلك أكبر احتياطي من العملات الأجنبية في العالم

ورغم عدم تأثير هيمنة الدولار على التجارة بين الدول الشريكة للولايات المتحدة، فإنه تغير المشهد بشكل ملحوظ بالنسبة للمعاملات التجارية بين الدول الشريكة للصين في الفترة بين عامي 2022 و2023، بحسب النقد الدولي، وبدأ اليوان الصيني يبرز كعملة تزاحم الدولار في المدفوعات الدولية.

فرصة لليوان الصيني

كشف تقرير صندوق النقد الدولي الصادر يوم الأربعاء، انخفاض حصة الدولار في مدفوعات المعاملات التجارية بين الدول الشريكة للصين منذ أوائل عام 2022، وفي المقابل زادت حصة اليوان الصيني بأكثر من الضعف، من نحو أربعة في المئة إلى ثمانية في المئة.

وبالنظر إلى حصة اليوان الصيني في المعاملات الدولية بين الصين وشركائها فقد كانت قريبة من الصفر قبل 15 عاماً، لكنها ارتفعت لتصل إلى نحو 50 في المئة في أواخر عام 2023، في الوقت ذاته شهدت حصة الدولار انخفاضاً من 80 في المئة عام 2010، إلى 50 في المئة في عام 2023.

وقال صندوق النقد في التقرير «ربما كان الاستخدام المتزايد لليوان مدعوماً بنظام المدفوعات بين البنوك عبر الحدود، وهو نظام أطلقه بنك الشعب الصيني لتقديم خدمات المقاصة والتسوية للمعاملات الدولية باليوان»، فضلاً عن الاتفاقيات التجارية التي دعمت استخدام العملات المحلية بين الدول الشريكة للصين على حساب الدولار.

الذهب.. منافس آخر

أظهر تقرير النقد الدولي ارتفاع حصة الذهب في احتياطات النقد الأجنبي بين الدول الشريكة للصين منذ عام 2015، وهو اتجاه لا تقوده الصين و روسيا فحسب، بل يسيطر على التكتلات الداعمة للصين، وفي المقابل كانت حصة الذهب في احتياطات العملات الأجنبية للدول الشريكة للولايات المتحدة مستقرة على نطاق واسع.

وفي الصين وحدها ارتفعت حصة الذهب في إجمالي احتياطات العملات الأجنبية من أقل من اثنين في المئة في عام 2015 إلى 4.3 في المئة في عام 2023، وفي المقابل انخفضت قيمة حيازات الصين من سندات الخزانة الأميركية مقارنة باحتياطيات العملات الأجنبية من 44 في المئة إلى نحو 30 في المئة.

اليابان والصين أكبر الدولار امتلاكاً لسندات الخزانة الأميركية

ويُنظر إلى الذهب عموماً على أنه أصل آمن محايد سياسياً، ويمكن تخزينه في المنزل وعزله عن العقوبات أو المصادرة، كما يمكن أن يصبح وسيلة للتحوط من التضخم، ومع ذلك يصعب استخدامه في المعاملات التجارية.

التكتلات التجارية تغير المشهد

عادت التكتلات التجارية للظهور مع تزايد الصراعات الجيوسياسية والحروب في جميع أنحاء العالم، ما دفع بعض الدول لإعادة توجيه تدفقات التجارة والاستثمار بعيداً عن الدولار، وتسبب في تغيير المشهد التجاري العالمي.

على سبيل المثال، انخفضت حصة الصين في الواردات الأميركية بنحو ثمانية في المئة بين عامي 2017 و2023 بعد تصاعد التوترات التجارية، وخلال الفترة نفسها انخفضت حصة الولايات المتحدة في صادرات الصين بنحو أربعة في المئة.

وهذه الأنماط لا تحركها الولايات المتحدة أو الصين فقط، بل إنها تظل ظاهرة حتى عندما نخرج البلدين من الصورة، إذ انهارت التجارة المباشرة أيضاً بين روسيا والغرب في أعقاب غزو أوكرانيا والعقوبات اللاحقة على روسيا.

وبرزت بعض التكتلات التجارية في السنوات القليلة الماضية والتي تدعو إلى التخلص من هيمنة الدولار لصالح التبادل التجاري باستخدام العملات المحلية، وعلى رأسهم مجموعة البريكس، التي تضم الصين وروسيا والهند، وجنوب إفريقيا والبرازيل، فضلاً عن انضمام كل من مصر والسعودية والإمارات وإيران والأرجنتين وإثيوبيا إلى المجموعة في بداية عام 2024.

ويحاول تحالف البريكس إنشاء عملة مشتركة للحد من سيطرة الدولار على التجارة العالمية، إذ دعت البرازيل وروسيا إلى إنشاء عملة مشتركة يطلق عليها (عملة البريكس) لاستخدامها في التعاملات المالية بين دول المجموعة، للحد من تعرضها لتقلبات سعر صرف الدولار.