قال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، هذا الأسبوع، إن روسيا والصين أوقفتا التعامل بالدولار الأميركي في معظم التعاملات التجارية فيما بينهما، وفقاً لما أوردته وكالة تاس الروسية.
وبحسب لافروف، فإن أكثر من 90 في المئة من المعاملات التجارية بين البلدين أصبحت تتم بعملتي الروبل الروسي واليوان الصيني.
وأكد وزير الخارجية الروسي في تصريحاته الأخيرة أن التعاون التجاري والاقتصادي بين موسكو وبكين -خاصة في مجال الطاقة- يشهد ازدهاراً متواصلاً رغم محاولات الدول الغربية المستمرة لتقويضه، وبالفعل سجلت العلاقات الاقتصادية بين البلدين نمواً ملحوظاً منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022، إذ قفز حجم التبادل التجاري فيما بينهما بنحو 26 في المئة منذ ذلك الحين ليصل إلى 240 مليار دولار في عام 2023.
وتأتي تصريحات لافروف في ظل محاولات متزايدة من جانب العديد من الدول حول العالم لتقليص اعتمادها على الدولار سواء في التعاملات التجارية أو احتياطيات النقد الأجنبي، بعد أن ظلت الورقة الخضراء العملة الرئيسية للاحتياطي النقدي للبنوك المركزية منذ الحرب العالمية الثانية.
ووفقاً لأحدث البيانات الصادرة عن صندوق النقد الدولي، بلغت حصة الدولار من إجمالي احتياطيات النقد الأجنبي العالمية 58.4 في المئة في الربع الأخير من عام 2023 مقارنة بنحو 70 في المئة منذ بداية الألفية، ما يعيد التساؤل بشأن استمرار هيمنة الدولار على النظام المالي العالمي.
رغم ذلك، يستبعد الخبراء فقدان العملة الأميركية مكانتها الدولية على المدى القريب ما لم تحدث تغييرات جوهرية في النظام الاقتصادي الدولي تُسرع هذا التحول، فالدولار لا يزال يمثل ما يقرب من 60 في المئة من إجمالي الاحتياطي النقدي الأجنبي العالمي و80 في المئة من التجارة الدولية، كما يشكل الاقتصاد الأميركي أكثر من 25 في المئة من الاقتصاد العالمي.
لكن سعي العديد من الدول -خاصة روسيا والصين- لتخفيف اعتمادها على الدولار الأميركي ينذر بتغير المشهد على المدى البعيد، خاصة أن هذا التوجه زاد بشكل ملحوظ بعد مصادرة الأصول الروسية في البنوك الغربية في أعقاب غزوها أوكرانيا، والإعلان عن تخصيص عائدات تلك الأصول لدعم كييف.
وفيما يلي أبرز المحاولات في هذا الصدد.
الصين
تُعد الصين من أكثر الدول الساعية لتقليل اعتمادها على الدولار الأميركي، خاصة في ظل التوترات التجارية المتنامية بين بكين وواشنطن.
وفرض اليوان الصيني نفسه مؤخراً كأحد أكثر العملات المستخدمة في المدفوعات الدولية، وساعدت على ذلك اتفاقيات تبادل العملات التي وقعها بنك الشعب الصيني مع البنوك المركزية في 41 دولة حول العالم.
وبفضل هذه الاتفاقيات -التي تقدر قيمتها بـ3.5 تريليون يوان (480 مليار دولار)- تمكنت الصين من تسوية أكثر من نصف تعاملاتها التجارية باليوان، متفوقاً على الدولار الذي يأتي في المرتبة الثانية على القائمة.
وفي البداية كان استخدام اليوان يقتصر على التعاملات التي تتم بين الصين ودول أخرى، لكن مؤخراً أصبحت العملة الصينية تُستخدم لتسوية التعاملات بين أطراف خارجية لا تشمل الصين، على سبيل المثال تسدد الهند مدفوعات واردات النفط الروسية باليوان، كما تستخدم الأرجنتين العملة الصينية لسداد بعض ديونها لصندوق النقد الدولي.
في الوقت نفسه، أطلقت الصين مبادرة جسر العملات الرقمية بالاشتراك مع كل من هونغ كونغ وتايلاند و الإمارات العربية المتحدة، التي تهدف لتسهيل المدفوعات الدولية بين الدول المشاركة باستخدام العملات الرقمية للبنوك المركزية.
كما قلصت بكين حوزتها من سندات الخزانة الأميركية تدريجياً لتصل إلى 816 مليار دولار في 2023، مقارنة بـ1.3 تريليون دولار في عام 2011، لتصبح ثاني أكبر حائز للسندات الحكومية الأميركية بعد اليابان، واليوم تستحوذ الصين على 3 في المئة فقط من سوق السندات الحكومية بالولايات المتحدة مقابل 14 في المئة في 2011، فيما يُعد أقل قيمة لها منذ 22 عاماً.
وتحرص بكين على تنويع احتياطيها النقدي الأجنبي البالغ 3.24 تريليون دولار بعيداً عن العملة الأميركية، فنحو 60 في المئة من الاحتياطي الصيني يتألف من أصول أخرى -وإن كانت مقومة بالدولار- مثل سندات الشركات، والودائع المصرفية، والسندات الحكومية غير الأميركية.
الهند
عززت الهند مؤخراً جهودها لزيادة استخدام عملتها المحلية (الروبية الهندية) في المدفوعات الدولية، وتُعد الاتفاقية التي وقعتها مع الإمارات العربية المتحدة في يوليو تموز 2023 لتسوية المعاملات التجارية بين الجانبين بالروبية أحدث مثال على ذلك.
والهند لها تاريخ طويل من استخدام عملتها المحلية في المدفوعات التجارية مع دول رابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي (سارك)، وفي عام 2012 تم إطلاق مؤسسة تبادل العملات التي تضم الدول الثماني الأعضاء بالرابطة وتتيح التعامل بالدولار الأميركي واليورو والروبية الهندية.
لكن حصة الهند من التجارة الدولية (1.8 في المئة) تُعد ضئيلة نسبياً مقارنة بحصة الصين البالغة 15 في المئة، وبذلك لا يُتوقع أن تتجاوز حصة الروبية الهندية في المدفوعات الدولية حصة اليوان الصيني.
روسيا
في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير شباط 2022، قررت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون عزل البنوك الروسية عن نظام سويفت المالي الدولي، لذلك وجدت روسيا صعوبة في تسوية معاملاتها الدولية بالدولار الأميركي وغيره من العملات الرئيسية كاليورو والين والجنيه الإسترليني، واضطرها ذلك لاستخدام الروبل الروسي واليوان الصيني في نحو ثلثي المعاملات التجارية بين البلدين، وفقاً لتصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
كما اتفقت موسكو مع نيودلهي على تسوية بعض صادرات النفط الروسية للهند باليوان الصيني والدرهم الإماراتي، بعد الفشل في التوصل لاتفاق بشأن استخدام الروبل الروسي والروبية الهندية في تلك المعاملات.
وفي عام 2022، صدّق بوتين على مرسوم يجبر الدول «غير الصديقة» لموسكو على تسوية مشتريات النفط الروسي بالروبل، وقامت نحو 54 شركة أجنبية بفتح حسابات خاصة في بنك «غاز بروم بانك» الروسي -الذي لم يشمله الحظر من سويفت- لتحويل المدفوعات إلى الروبل، بحسب وكالة تاس الروسية.
مجموعة البريكس
زاد الحديث في الآونة الأخيرة عن احتمال إصدار عملة موحدة لدول البريكس، التي تضم حالياً كلاً من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا والإمارات ومصر وإثيوبيا وإيران، بينما لا تزال السعودية تدرس قرار انضمامها للمجموعة.
لكن مع وجود العديد من المشكلات الهيكلية التي تعوق حلم العملة الموحدة في الوقت الحالي، قررت دول المجموعة الاستعاضة عن ذلك بتعزيز استخدام العملات المحلية في المدفوعات الدولية بين أعضائها.
وأنشأت المجموعة بالفعل عدداً من الأدوات لتسهيل التبادل التجاري بالعملات المحلية، مثل آلية البريكس للتعاون المصرفي التي تيسر التعامل بالعملات المحلية بين البنوك الكائنة بالدول الأعضاء، بالإضافة إلى منصة بريكس باي للمدفوعات الرقمية التي تسمح بالسداد بالعملات المحلية أيضاً.
إضافة لذلك، أبرمت العديد من دول المجموعة اتفاقات ثنائية منفصلة لاستخدام العملات المحلية في المدفوعات الدولية فيما بينها.