تواجه الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، ضغوطاً انكماشية قوية بسبب التباطؤ الحاد في سوق العقارات وضعف ثقة المستهلك مع توقعات بانخفاض نمو الناتج المحلي الإجمالي، وقد كشف هذا عن اعتماد اقتصادها المفرط على الصادرات، في وقت أصبحت فيه علاقاتها التجارية العالمية متوترة بشكل متزايد.
وكانت الصين أعلنت عن زيادة كبيرة في إصدار ديونها الحكومية لدعم حكوماتها المحلية ومواطنيها من ذوي الدخل المنخفض وسوق العقارات ورأس مال البنوك الحكومية.
وقال وزير المالية لان فوان، يوم السبت الماضي، إن البلاد ستصدر 2.3 تريليون يوان، أو نحو 325.5 مليار دولار، في سندات خاصة في الأشهر الثلاثة المقبلة لتعزيز الاقتصاد.
أبرز التحديات الاقتصادية
يتعرض نمو الاقتصاد الصيني لضغوط، إذ من المتوقع أن ينكمش نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي إلى 4.5 في المئة في عام 2024، نزولاً من أعلى مستوى بلغ 8.4 في المئة في عام 2021.
ويشير هذا الانخفاض إلى تحول عن الأداء القوي للصين في السابق، والذي تفاقم بسبب نقاط الضعف المستمرة في الاستهلاك والاستثمار المحلي، وفقاً لأحدث تقرير صادر عن مؤسسة تشاينا باثفايندر.
بينما تشير توقعات صندوق النقد الدولي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي في الصين إلى 4.6 في المئة في العام الجاري.
ولم يحقق انتعاش الاقتصاد في عام 2023 سوى مكاسب ضئيلة، وتواجه الصين الآن معركة شاقة، إذ باتت تعتمد على التحفيز الحكومي الفاتر للحفاظ على الزخم.
كما أثر هذا التباطؤ على اندماج البلاد في الأسواق العالمية، إذ أظهرت أرقام الاستثمار الأجنبي المباشر للنصف الأول من عام 2024 انخفاضاً كبيراً.
وبعد أن بلغ ذروته في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، تضاءل الاستثمار الأجنبي المباشر، ما زاد من تعقيد جهود الصين للحفاظ على مكانتها كقوة اقتصادية عالمية.
كما أضافت القيود التنظيمية الصارمة والتوترات الجيوسياسية في الصين المزيد من الضغط، ما أجبر الشركات الأجنبية على التعامل مع الحواجز المتزايدة أمام الدخول والمخاطر التشغيلية.
وانخفض الاستثمار الأجنبي المباشر في الصين بمقدار 14.9 مليار دولار في يونيو حزيران 2024، مقارنة بزيادة قدرها 10.2 مليار دولار في أبريل نيسان.
ومع استمرار تأخر الاستثمار الخاص وتعثر الطلب العالمي، يبدو أن قدرة بكين على توجيه الاقتصاد نحو النمو المستدام مقيدة بشكل متزايد؛ إذ تعمل الضغوط التنظيمية، وخاصة في قطاع التكنولوجيا، إلى جانب تحديات قطاع العقارات المستمرة، على إحباط ديناميكية القطاع الخاص والابتكار، والتي تشكل أهمية بالغة للنمو في المستقبل.
ويشير تقرير تشاينا باثفايندر إلى أن استراتيجية الصين، التي تهدف إلى تعزيز الاستهلاك المحلي والحد من الاعتماد على الأسواق الأجنبية، لم تحقق نتائج ذات مغزى بعد؛ إذ تظل ثقة المستهلك متزعزعة، مع فشل نمو الإنفاق الأسري في تعويض الانكماش الاقتصادي الإجمالي.
أهم القطاعات المتأثرة
يعكس التباطؤ الاقتصادي قضايا هيكلية أعمق تكافحها الصين مع انتقالها من اقتصاد مدفوع بالتصدير إلى اقتصاد يعتمد بشكل متزايد على الاستهلاك المحلي.
إذ تباطأ نمو الصادرات الصينية بشكل حاد في سبتمبر أيلول الماضي في حين تباطأت الواردات بشكل غير متوقع أيضاً، وهو ما يقل كثيراً عن التوقعات، ويشير إلى أن الشركات المصنعة تخفض الأسعار لتحريك المخزونات قبل فرض التعريفات الجمركية من عدة شركاء تجاريين.
وكان زخم الصادرات نقطة مضيئة واحدة للاقتصاد الصيني الذي كافح لاكتساب الزخم بسبب ضعف الطلب المحلي وأزمة ديون سوق العقارات، ما أضاف إلى الحاجة الملحة إلى تحفيز أقوى.
وأظهرت بيانات الجمارك الصادرة في الأسبوع الأول من أكتوبر تشرين الأول أن الشحنات الصادرة من الصين نمت بنسبة 2.4 في المئة على أساس سنوي في الشهر الماضي، وهي أبطأ وتيرة منذ أبريل نيسان الماضي.
وارتفعت الواردات بنسبة 0.3 في المئة، وهو ما يقل عن التوقعات بارتفاع بنسبة 0.9 في المئة، وأقل من نمو بنسبة 0.5 في المئة في الشهر السابق.
ولا تبشر البيانات الضعيفة بالخير للصادرات في الأشهر المقبلة، إذ إن نحو ثلث مشتريات الصين هي أجزاء لإعادة التصدير، وخاصة في قطاع الإلكترونيات.
إن تدابير التحفيز الأخيرة في الصين مصممة في الأساس لتقليص العرض الزائد في سوق الإسكان، والتحدي هو أن سوق الإسكان كانت تشكل في وقت ما نحو 30 في المئة من اقتصاد الصين.
حتى وقت قريب، شهدت البلاد نوبة بناء مفرطة، وقد أدى ذلك إلى زيادة العرض في العقارات، ما أدى إلى انخفاض قيم المساكن… والآن، جزء رئيسي من المشكلة أن المستهلكين محصورون في منازل لا يمكنهم بيعها في الوقت نفسه الذي تنخفض فيه الأسعار ويصبح الرهن العقاري باهظ التكلفة.
بالإضافة إلى ذلك، ترتبط العديد من منتجات إدارة الثروات في الصين بأسعار المساكن، ما له تأثير سلبي على محافظ الاستثمار؛ في أغسطس آب، انخفضت أسعار المساكن في الصين، في المتوسط، بأسرع معدل في تسع سنوات.
تدابير الصين لدعم النمو الاقتصادي
كشفت الحكومة الصينية والبنك المركزي عن سلسلة من تدابير التحفيز، في استجابة قوية لبعض التحديات الاقتصادية الرئيسية.
وشمل ذلك خفض أسعار الفائدة، وتخفيف القيود التنظيمية المصرفية، وخفض متطلبات الدفعة الأولى للرهن العقاري.
بالإضافة إلى ذلك، عززت الحكومة الصينية الدعم المالي حتى تتمكن الحكومات المحلية من شراء المنازل غير المبيعة في سوق العقارات المثقلة بالديون في البلاد.
قالت الصين إنها ستوفر 325 مليار دولار دعماً مالياً لاقتصادها على مدى الأشهر الثلاثة المقبلة، وعرضت المساعدة في دعم البنوك ودعم سوق العقارات وتحرير الإنفاق الاستهلاكي في أكبر برنامج مساعدات في بكين منذ الأزمة المالية العالمية.
وعلى الرغم من حجم الحزمة، قال وزير المالية لان فوان إن الصين لديها القدرة على الحفر بشكل أعمق.
تأثير الأزمة الاقتصادية الصينية على الأسواق
في أواخر سبتمبر أيلول، تفاعلت أسواق رأس المال بحماس مع الإعلان عن تدابير جديدة لمحاولة تعزيز قطاع العقارات المتعثر.
وعلى الرغم من انتعاشه، لا يزال مؤشر شنغهاي (سي إس أي 300) أقل بكثير من أعلى مستوياته على الإطلاق؛ ففي إغلاق سبتمبر أيلول، كان المؤشر أقل بنسبة 30 في المئة من ذروته في فبراير شباط 2021، بدءاً من 3 أكتوبر تشرين الأول 2024، بحسب بيانات يو إس بنك.