لطالما كان دونالد ترامب شخصية مثيرة للجدل في الولايات المتحدة وحول العالم؛ رجل أعمال ناجح تحوَّل إلى نجم تلفزيوني، ثم سياسي لا يخشى المواجهات الصارمة، وصل ترامب إلى قمة السلطة كأحد أكثر الرؤساء إثارةً للجدل في تاريخ الولايات المتحدة، ليقود حقبة مضطربة على الصعيدين الداخلي والدولي.
في تطور سياسي مثير، عاد ترامب إلى ساحة البيت الأبيض بعد فوزه في انتخابات 2024، ليصبح أول رئيس أميركي يعود للمنصب بعد فترة غياب في العصر الحديث، والوحيد بعد الرئيس الأميركي السابق غروفر كليفلاند الوحيد الذي خدم فترتين غير متتاليتين، حيث انتُخب لأول مرة في عام 1884، وخسر في انتخابات 1888، ثم عاد وفاز مجدداً في انتخابات 1892.
ويمثل هذا الفوز عودةً قوية لترامب الذي غادر الرئاسة عام 2021 في خضم انقسامات سياسية ومجتمعية حادة، وعودته الجديدة لمواصلة مسار «أميركا أولاً» وتركيزه على الاقتصاد وأمن الحدود أثارت موجة من الترقب في الداخل والخارج.
ترامب يعود إلى المنصب في لحظة فارقة تمر بها الولايات المتحدة، حيث يعاني الاقتصاد العالمي من ضغوط متزايدة، وتزداد التوترات مع الصين وروسيا، معززاً بدعم قاعدته الشعبية الواسعة والمتجددة، يتجه ترامب نحو تنفيذ سياسات مثيرة للجدل قد تعيد تشكيل التحالفات العالمية وتؤثر بعمق على موازين القُوى في الشرق الأوسط وأوروبا، ليطرح تساؤلات حول كيفية مواجهته للتحديات المعقدة التي تنتظره.
وفي ما يلي نسلط الضوء على مراحل حياة ترامب المتنوعة والمثيرة، بدءاً من نشأته في نيويورك وتأثير أسرته في مجال العقارات، مروراً بنجاحاته الإعلامية، وصولاً إلى سنواته الرئاسية وما تلاها من أحداث شكّلت إرثه السياسي.
النشأة والبدايات في نيويورك
وُلد دونالد جون ترامب في 14 يونيو 1946 في كوينز، نيويورك، وسط أسرة ثرية حيث كان والده فريد ترامب يعمل في مجال العقارات، وهو ما أثَّر عليه مبكراً وشكَّل شغفه بالبناء والاستثمار، تلقى ترامب تعليمه الابتدائي في مدارس خاصة، ثم التحق بأكاديمية نيويورك العسكرية.
وأتمَّ ترامب دراسته الجامعية في كلية وارتون للأعمال بجامعة بنسلفانيا، حيث حصل على درجة في الاقتصاد، لتبدأ رحلته المهنية بالانضمام إلى أعمال والده العقارية، مستفيداً من خلفيته الأكاديمية والعملية ليدخل عالم الأعمال بقوة، وفقاً لما ورد في موقع البيت الأبيض.
الانطلاقة المهنية في قطاع العقارات
انضم ترامب إلى «شركة ترامب» في السبعينيات، وبدأ تنفيذ مشروعات ضخمة تضمنت تجديد فندق «كومودور» في نيويورك وتحويله إلى فندق جراند حياة، إلى جانب إنشاء برج ترامب الشهير، أسهمت هذه المشروعات في تعزيز شهرته، وسلطت الضوء عليه كرائد أعمال ناجح.
توسعت أعمال ترامب لتشمل نوادي الغولف والفنادق والكازينوهات، حتى أصبح أحد أشهر رجال الأعمال في أمريكا، لكنه واجه أيضاً العديد من التحديات، مثل إعلان إفلاس بعض مشروعاته بسبب الديون، ما تطلب إجراءات لإعادة هيكلة ديونه، وفقاً لهيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية.
الشهرة الإعلامية وبزوغ نجم ترامب التلفزيوني
في عام 2004، انطلق برنامج «The Apprentice» على قناة NBC، الذي قدم فيه ترامب نفسه مديراً صارماً وناجحاً، حيث كان يقوم بتقييم المشاركين بناءً على أدائهم في المشروعات، لاقت شخصية ترامب التلفزيونية قبولاً واسعاً وجعلت اسمه يتردد في المنازل الأميركية.
وأسهم البرنامج في تعزيز شعبية ترامب ورفع مكانته الجماهيرية، ليصبح أيقونة إعلامية تتداولها الصحافة الأميركية والدولية، ما أضاف بعداً جديداً لصورة ترامب كرجل أعمال وإعلامي مؤثر.
التحول إلى السياسة ورئاسة الولايات المتحدة
كان لترامب توجهات سياسية منذ الثمانينيات، إذ أبدى آراء صريحة حول التجارة والسياسة الخارجية، لكنه لم يدخل رسمياً السباق السياسي إلا في عام 2016 حين ترشح عن الحزب الجمهوري، اعتمد ترامب في حملته على خطاب جريء يناقض السياسة التقليدية، مركّزاً على قضايا الهجرة والأمن القومي، والتقليل من التدخلات الخارجية.
الفوز المفاجئ في انتخابات 2016
تمكّن ترامب من التغلب على منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون، ليصبح الرئيس الـ45 للولايات المتحدة، عكست هذه الانتخابات التوجهات المتزايدة نحو الشعبوية والانقسام داخل المجتمع الأميركي.
الفترة الرئاسية (2017-2021)
تميزت رئاسته بسياسات جريئة، حيث دفع نحو خفض الضرائب على الشركات والأثرياء، كما فرض سياسات صارمة تجاه الهجرة وبناء الجدار الحدودي مع المكسيك، على الصعيد الدولي، خاض مواجهات تجارية حادة مع الصين، وقام بإعادة صياغة عدد من الاتفاقيات الدولية مثل اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية (NAFTA).
التحديات والعزل البرلماني
في 2019، واجه ترامب محاكمة لعزله على خلفية تهم استغلال السلطة وعرقلة العدالة بعد اتهامه بمحاولة الضغط على أوكرانيا للتحقيق في أنشطة نجل جو بايدن، عُزل في مجلس النواب، لكنه نجا في مجلس الشيوخ؛ ما أضاف عنصراً آخر مثيراً للجدل إلى رئاسته، وفقاً للكونغرس الأميركي.
وفي انتخابات 2020 خسر ترامب إعادة انتخابه أمام المرشح الديمقراطي جو بايدن، لكنه طعن في نتائج الانتخابات، وزعم حدوث تزوير؛ ما أدى إلى توترات سياسية بلغت ذروتها في أحداث اقتحام مبنى الكابيتول في يناير 2021.
رغم خروجه من البيت الأبيض، استمر ترامب في ممارسة نفوذ كبير على الحزب الجمهوري، ودعا إلى مراجعة سياسات الحزب.
ويبقى ترامب شخصية سياسية ذات تأثير طويل الأمد، سواء من حيث إعادة تشكيل توجهات السياسة الأميركية الداخلية أو في إطار إعادة صياغة العلاقات الدولية.