بعد أن أعلن المرشح الجمهوري دونالد ترامب فوزه بالانتخابات الرئاسية الأميركية وعودته للبيت الأبيض مرة أخرى، يتغير الوضع في أسواق الطاقة العالمية، إذ أجمع خبراء ومحللو قطاع الطاقة على أن عودة ترامب ستؤدي إلى زيادة إنتاج النفط الأميركي، ما قد يفرض بدوره ضغوطًا هبوطية على الأسعار العالمية.
وهبطت أسعار النفط بنحو اثنين بالمئة اليوم الأربعاء بعد جلستين من المكاسب، وسط ارتفاع الدولار على خلفية اتجاه الجمهوري دونالد ترامب للفوز بالانتخابات الرئاسية الأميركية وفي ظل ارتفاع مخزونات الخام الأميركية بأكثر من المتوقع.
وانخفضت العقود الآجلة لخام برنت 1.17 دولار أو 1.5 بالمئة لتتداول عند 74.36 دولار للبرميل، في حين نزل خام غرب تكساس الوسيط الأميركي 1.11 دولار أو 1.5 بالمئة إلى 70.88 دولار للبرميل.
وإلى جانب ارتفاع الدولار الذي يلقي بظلاله على أسعار السلع الأولية بما في ذلك النفط فإن رئاسة ترامب قد تشهد تبني سياسات من شأنها أن تزيد الضغوط على اقتصاد الصين أكبر مستورد للنفط الخام في العالم وبالتالي إضعاف الطلب، وفقاً للمحللة المستقلة تينا تنج.
ويتجه الدولار لتحقيق أكبر ارتفاع يومي منذ مارس آذار 2020 مقابل نظرائه الرئيسيين وسط انطلاق ما يسمى «تداولات ترامب».
ويجعل ارتفاع الدولار السلع الأولية المقومة به -مثل النفط- أعلى تكلفة لحائزي العملات الأخرى، ما يقوض بدوره الطلب.
ويقول ديفيد جوربناز، المتخصص في أسواق النفط، ومحلل أسواق النفط في ICI، إن استعاد ترامب الرئاسة الأميركية، «فمن المرجح أن يعطي الأولوية للسياسات التي تفضل استقلال الولايات المتحدة في مجال الطاقة، كما رأينا خلال إدارته السابقة، وقد يعني هذا التركيز على تحرير إنتاج النفط والغاز، فضلاً عن المبادرات لتعزيز الناتج المحلي».
وأضاف جوربناز، أن مثل هذه السياسات قد تؤدي إلى زيادة إنتاج النفط الأميركي، ما قد يفرض بدوره ضغوطاً هبوطية على الأسعار العالمية من خلال إضافة العرض، «ومع ذلك، فإن أي تأثير على الأسعار سوف يخففه عوامل عالمية، بما في ذلك اتجاهات الطلب واستراتيجيات إنتاج أوبك+ والبيئة الاقتصادية الأوسع، وإذا ظل الطلب مرتفعاً فقد يساعد الإنتاج الأميركي في اعتدال الأسعار ولكن ليس خفضها بشكل كبير.
من ناحية أخرى، إذا ضعف الطلب العالمي، فقد يؤدي زيادة الإنتاج الأميركي إلى زيادة العرض وتقلب الأسعار بشكل أكبر».
زيادة إنتاج النفط الأميركي
ويرى المتخصص في أسواق النفط، ومحلل أسواق النفط في ICI، أن سياسات ترامب قد تؤثر في مجال الطاقة على أسعار النفط من خلال تعزيز موقف مؤيد للنفط من شأنه أن يعزز الثقة بين المستثمرين في صناعة النفط الأميركية، «وفي الأمد القريب، قد يؤدي هذا إلى تكهنات السوق بشأن زيادة العرض، الأمر الذي قد يمارس بعض الضغوط الهبوطية على الأسعار. ومع ذلك، من المهم أن ندرك أن أسعار النفط تحددها عوامل متعددة تتجاوز السياسة الأميركية وحدها، حيث تلعب الظروف الاقتصادية العالمية، وخاصة في الدول المستهلكة الكبرى مثل الصين، دوراً مهماً، وكذلك الأحداث الجيوسياسية في المناطق الغنية بالنفط.. وعلاوة على ذلك، في حين قد تشير سياسات ترامب إلى زيادة محتملة في العرض الأميركي فقد تستجيب أوبك+ بتعديل مستويات إنتاجها الخاصة لتثبيت الأسعار، وخاصة إذا شعرت بتهديد حصتها في السوق».
ويقول جوربناز، إذا أدت سياسات ترامب إلى زيادة الإنتاج الأميركي، فقد يؤدي هذا إلى استجابة استراتيجية من الدول الرئيسية الأخرى المنتجة للنفط، وقد تفكر دول أوبك+، وخاصة المملكة العربية السعودية وروسيا، في خفض الإنتاج لمنع انهيار الأسعار وحماية عائداتها.. ومن المعروف أن هذه البلدان تدير مستويات الإنتاج لتثبيت الأسعار استجابة للضغوط الخارجية، وقد يكون ارتفاع الناتج الأميركي أحد هذه المحفزات.. بالإضافة إلى ذلك، قد يؤثر نهج ترامب تجاه الطاقة على سياسة المناخ على الساحة العالمية.
ويقول فيكتور كاتونا، رئيس قسم أبحاث النفط لدى كلبر، إن الفعل الأولي لأسواق النفط على فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية كان انخفاضاً طفيفاً، «إذ تعهد ترامب مراراً وتكراراً بإحلال السلام في الشرق الأوسط وكذلك إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا، دون ذكر المخاطر التصعيدية مع إيران أو الصين».
وأضاف كاتونا، «قد يشير هذا النبرة التصالحية نسبياً إلى أن التشدد الذي اقترحه ترامب بشأن إيران قد لا يكون أولوية فورية بالنسبة له، وحتى لو أصبح تدريجياً سياسته فسيستغرق الأمر بعض الوقت في ظل الضغط الكامل للعقوبات».
ويقول رئيس قسم أبحاث النفط لدى كلبر، إن الافتقار إلى علاوة المخاطر الجيوسياسية لا يؤدي إلا إلى تفاقم معضلة دول أوبك +، إذا انخفضت الأسعار إلى مستويات أدنى، «لنقول أن برنت اقترب من 72-73 دولاراً للبرميل، فإن فكرة إعادة العرض إلى عام 2025 من خلال تخفيضات الإنتاج الطوعية لن تكون خياراً قابلاً للتطبيق على الطاولة خلال الفترة الحالية».
وكان أرن لوهمان راسموسن، كبير المحللين ورئيس قسم الأبحاث في Global Risk Management قال لـ«CNN الاقتصادية»، إن ارتفاع قيمة الدولار الأميركي أمر سلبي بالنسبة للنفط، «ومن ناحية أخرى، فإن النمو الأميركي الأكثر قوة أمر إيجابي بالنسبة للطلب على النفط، على الرغم من أن التعريفات الجمركية الأعلى التي تشكل خطراً».
وأضاف راسموسن أن سياسة «الحفر، يا صغير، الحفر» ستكون سلبية بالنسبة لأسعار النفط، لكن من المرجح أن يكون لها تأثير محدود على إنتاج النفط الأميركي في الفترة القادمة، لذلك نقدر أن المستثمرين المضاربين سيتجنبون النفط اليوم ويركزون بدلاً من ذلك على أصول أخرى تستفيد بشكل أكثر وضوحاً من ترامب كرئيس جديد يتمتع بالسيطرة على الكونغرس، حيث قد تكتسب «تجارة النفط القصيرة» المضاربة زخماً اليوم.
ويقول كبير المحللين ورئيس قسم الأبحاث في Global Risk Management، قد تؤدي النتيجة إلى زيادة القيمة الجيوسياسية للنفط، «حيث يُعتبر ترامب أقل انتقاداً لإسرائيل من بايدن وهاريس، ومن ناحية أخرى، قد يمنع هذا إيران من الانتقام».
ويرى راسموسن أن انخفاض سعر النفط قليلاً من نحو 75.5 دولار قبل المؤشرات الأولى لفوز ترامب إلى 74.60 دولار الآن «هي حركة متواضعة، حيث قد يكون هناك المزيد من الانخفاض للنفط اليوم، لكننا نتوقع أن تعود السوق بسرعة للتركيز على العوامل الأساسية في سوق النفط، مثل سياسات أوبك+ والطلبين الصيني والأميركي على النفط».
ويقول راسموسن إنه من المتوقع أن نرى دعماً قوياً لخام برنت عند 72 دولاراً، «حيث لا نزال نرى برنت يتحرك نحو 80 دولاراً خلال عام 2025، بناءً على افتراض أن أوبك+ لن تزيد من إمدادات النفط إلى السوق وأن الاقتصاد العالمي يؤدي بشكل أفضل مما يتوقعه الكثيرون».