تمثل محطات براكة للطاقة النووية إنجازاً غير مسبوق في العالم العربي، إذ تعد الإمارات العربية المتحدة أول دولة عربية تدخل مجال الطاقة النووية السلمية، يضم المشروع أربع محطات نووية تعمل على توليد الكهرباء النظيفة والمستدامة، ما يعزز من استقلالية الدولة في مجال الطاقة ويقلل من اعتمادها على الوقود الأحفوري.
حالياً، تسهم هذه المحطات في تأمين 85% من الكهرباء الخالية من الانبعاثات في أبوظبي، وتوفر 25% من إجمالي الطلب على الكهرباء في الدولة.
لكن مشروع براكة ليس مجرد محطة توليد للطاقة، بل هو خطوة استراتيجية نحو تحقيق رؤية الإمارات في التحول إلى الطاقة النظيفة، حيث يسهم بشكل كبير في خفض البصمة الكربونية، وفقاً لما قاله المهندس عبد الرحمن الجناحي، مهندس أول مراقبة الجودة في شركة الإمارات للطاقة النووية، لـ(CNN الاقتصادية) فإن «محطات براكة تسهم في خفض أكثر من 22 مليون طن من الانبعاثات الكربونية سنوياً، وهو ما يعادل إزالة 4.8 مليون سيارة من الطرقات».
الطاقة النووية وأمن الطاقة
تتمتع الطاقة النووية بميزة رئيسية مقارنة بمصادر الطاقة المتجددة، وهي قدرتها على توفير الكهرباء على مدار الساعة دون انقطاع. في هذا السياق، أوضح الجناحي أن «محطات براكة تنتج 40 تيراواط/ ساعة من الكهرباء سنوياً، وهو ما يغطي 25% من احتياجات الدولة من الكهرباء»، هذه القدرة العالية تعني أن المشروع قادر على تأمين الحمل الأساسي لجميع القطاعات الاقتصادية والحيوية في الدولة لمدة لا تقل عن 60 عاماً، مع إمكانية التمديد.
كما أن المشروع يعزز أمن الطاقة في الإمارات من خلال تنويع مصادر الطاقة، ما يقلل من تأثر البلاد بتقلبات أسواق النفط والغاز، هذا التنوع في مصادر الطاقة يجعل الإمارات أكثر قدرة على التكيف مع التحديات المستقبلية المتعلقة بالطاقة والبيئة.
دور براكة في تحقيق الاستدامة
تعد الاستدامة أحد الأهداف الرئيسية لمحطات براكة، حيث تسهم بشكل مباشر في تحقيق رؤية الإمارات للطاقة النظيفة، في هذا الإطار، تم إدراج الطاقة المنتجة من المحطات ضمن برنامج شهادات الطاقة النظيفة في أبوظبي، وهو ما يعكس التزام الدولة بتقليل الانبعاثات الكربونية وتشجيع استخدام مصادر الطاقة المستدامة.
كما أن محطات براكة توفر دعماً كبيراً للطاقة المتجددة، حيث تعمل على تعويض الفجوات التي قد تنشأ عن التذبذب في إنتاج الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح، فوفقاً للجناحي، «الطاقة النووية تلعب دوراً تكميلياً للطاقة المتجددة، إذ تضمن توفير الكهرباء في الأوقات التي تتوقف فيها مصادر الطاقة المتجددة عن الإنتاج، مثل ساعات الليل عندما لا تكون الطاقة الشمسية متاحة».
الأثر الاقتصادي لمشروع براكة
لا تقتصر فوائد مشروع براكة على الجوانب البيئية فقط، بل تمتد إلى دعم الاقتصاد الإماراتي من خلال خلق فرص عمل وتعزيز قطاع الصناعة، فقد منح المشروع الشركات المحلية عقوداً تفوق قيمتها 24 مليار درهم، ما أسهم في تطوير سلسلة إمداد محلية متكاملة.
إضافةً إلى ذلك، فإن الطاقة النووية تساعد في تقليل الاعتماد على الغاز الطبيعي، مما يؤدي إلى توفير مبالغ طائلة كان يمكن إنفاقها على استيراد الوقود الأحفوري، وفقاً للجناحي، «تمكنت محطات براكة من توفير أكثر من 8 مليارات درهم من تكاليف الغاز الطبيعي الذي كان سيُستخدم لإنتاج الكهرباء».
المعايير التنظيمية والسلامة النووية
تخضع محطات براكة لمعايير صارمة لضمان أعلى مستويات الأمان والسلامة، وقال لكريستر فيكتورسن، المدير العام للهيئة الاتحادية للرقابة النووية (FANR)، لـCNN الاقتصادية: إن «الهيئة تضمن سلامة العاملين والجمهور والبيئة من خلال وضع متطلبات تنظيمية صارمة وإجراء عمليات تفتيش دورية لمراقبة الامتثال لهذه المتطلبات»، كما أوضح أن اللوائح المعتمدة تستند إلى معايير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ويتم تحديثها بشكل دوري كل خمس سنوات أو عند ظهور متطلبات جديدة تستدعي تحسين الضوابط التنظيمية.
منذ بداية البرنامج النووي الإماراتي، استضافت الدولة 11 بعثة مراجعة نظراء تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، حيث قام خبراء دوليون بمراجعة إجراءات التشغيل والتأكد من الامتثال للمعايير الدولية، هذه الجهود تؤكد التزام الإمارات بتحقيق أعلى معايير السلامة والأمن النووي.
الابتكار في القطاع النووي
يُعد الابتكار عنصراً أساسياً في تطوير القطاع النووي الإماراتي، حيث تسعى الجهات المنظمة إلى تبني حلول جديدة تضمن الكفاءة والسلامة في آن واحد، وأكد فيكتورسن أن «الإمارات تعتمد نهجاً تنظيمياً قائماً على الأداء، ما يسمح بإدخال حلول تقنية مبتكرة ما دامت تفي بمتطلبات الأداء والسلامة».
مستقبل الطاقة النووية في الإمارات
يضع مشروع براكة الأسس لمستقبل يعتمد بشكل أكبر على الطاقة النووية في الإمارات، فمع استمرار ارتفاع الطلب على الكهرباء وتزايد الاهتمام بخفض الانبعاثات الكربونية، تبرز الطاقة النووية كحل موثوق ومستدام، كما أن التجربة الإماراتية قد تشجع دولاً أخرى في المنطقة على الاستثمار في هذا القطاع.
في الختام، يمثل مشروع براكة للطاقة النووية نموذجاً ناجحاً للتحول نحو الطاقة النظيفة، حيث يجمع بين تحقيق الاستدامة، وضمان أمن الطاقة، وتعزيز الاقتصاد الوطني، بفضل هذا المشروع، باتت الإمارات واحدة من الدول الرائدة عالمياً في مجال الطاقة النووية السلمية، ما يمهد الطريق لمستقبل أكثر استدامة وأقل اعتماداً على الوقود الأحفوري.