في ظل التحول العالمي نحو الطاقة المتجددة، تحتدم المنافسة بين اليابان والصين في سوق الألواح الشمسية، إذ تسعى طوكيو لكسر الهيمنة الصينية التي تجاوزت 80 في المئة من الإنتاج العالمي بعد أن كانت اليابان رائدة في هذا المجال خلال العقود الماضية. ولمواجهة هذا التفوق، تراهن اليابان على تقنيات الجيل الجديد، مثل خلايا «البيروفسكايت» فائقة النحافة، في وقت تعزز فيه الصين مكانتها عبر استثمارات ضخمة ودعم حكومي واسع، ما مكنها من خفض التكاليف وزيادة الإنتاجية بشكل غير مسبوق.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });
ومع تزايد الطلب على الطاقة الشمسية في أوروبا والولايات المتحدة، تأمل طوكيو أن تصبح البديل الموثوق للمستهلكين الباحثين عن حلول طاقة نظيفة ومستدامة بعيداً عن الهيمنة الصينية، فهل تنجح في تحقيق ذلك؟
هيمنة الصين الشمسية
تواصل الصين تعزيز هيمنتها العالمية على سوق الألواح الشمسية، إذ أضافت في عام 2023 قدرة جديدة بلغت 216.9 غيغاواط، بأكثر مما أضافته الولايات المتحدة في تاريخها بأكمله، وفقاً لبيانات الإدارة الوطنية للطاقة، ما رفع إجمالي قدرتها المركبة إلى مستويات قياسية.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });
في المقابل، أضافت اليابان 4.01 غيغاواط قدرة جديدة من ألواح الطاقة الشمسية في عام 2023، ما يجعلها في مرتبة متأخرة مقارنة بالصين، وأيضاً مقابل الولايات المتحدة التي أضافت 24.84 غيغاواط في العام ذاته.
وتستحوذ الصين على 84.6 في المئة من إنتاج الألواح الشمسية عالمياً، مقارنة بأقل من 2 في المئة حصة اليابان، ما يمنحها نفوذاً كبيراً في تحديد الأسعار والسيطرة على سلاسل التوريد.
بالإضافة إلى ذلك، تعتمد اليابان بشكل ملحوظ على الصين، وخلال الأشهر الأربعة الأولى من عام 2023، صدّرت
الصين 69 غيغاواط من الألواح الشمسية، منها 2.1 غيغاواط إلى اليابان، التي تعتمد بشكل كبير على واردات المكونات الصينية، بحسب بحث أجرته شركة «إنفو لينك InfoLink».
ورغم هذا التفوق، يواجه قطاع الطاقة الشمسية في الصين تحديات تتعلق بفائض الإنتاج، إذ بلغت قدرتها التصنيعية 1154 غيغاواط مقابل طلب متوقع يبلغ 593 غيغاواط، في المقابل، تسعى اليابان لتقليل اعتمادها على الصين عبر تطوير تقنيات جديدة، مثل خلايا بيروفسكايت الشمسية، لتعزيز قدرتها التنافسية في السوق العالمية.
دفع الاستثمارات في الخلايا الشمسية المتطورة
في إطار خطتها لتعزيز دور الطاقة الشمسية، أعلنت اليابان عن استثمار بقيمة 1.5 مليار دولار في تطوير خلايا بيروفسكايت الشمسية فائقة النحافة، والتي يُتوقع أن تُحدث تحولاً جذرياً في كيفية توليد الطاقة الشمسية، خاصة في المدن ذات المساحات المحدودة.
وتتميز هذه التقنية بخفة وزنها ومرونتها، ما يسمح بتركيبها على أسطح المباني، المطارات، والمرافق العامة، وهو ما يسهم في زيادة كفاءة استخدام المساحات الحضرية.
استراتيجيات الحكومة اليابانية لدعم الطاقة المتجددة
تخطط الحكومة اليابانية لتركيب هذه الخلايا بقدرة إجمالية تصل إلى 20 غيغاواط بحلول عام 2040، وهو ما يعادل إنتاج 20 مفاعلاً نووياً، كما تدعم الحكومة هذا التوجه عبر تقديم دعم مالي يصل إلى مليار دولار لشركة Sekisui Chemical، الرائدة في تطوير هذه التقنية، إلى جانب 60 مليار ين ياباني (400 مليون دولار) تم تخصيصها سابقاً للأبحاث والتطوير.
كما ارتفع إنتاج الكهرباء النظيفة في اليابان بنسبة 12.4 في المئة خلال أول شهرين من عام 2024 مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2023، مسجلاً أعلى مستويات له منذ خمس سنوات، ما يشير إلى تحول كبير في مزيج الطاقة في البلاد.
إذ بلغ إجمالي الإنتاج في يناير كانون الثاني وفبراير شباط 2024 نحو 52.67 تيراواط/ ساعة، ما يمثل 31.6 في المئة من إجمالي إنتاج الكهرباء مقارنة بـ28 في المئة في عام 2023.
وكانت الطاقة الشمسية المصدر الأكبر للكهرباء النظيفة، إذ ولّدت أكثر من 14 تيراواط/ ساعة، تلتها الطاقة النووية (13.3 تيراواط/ ساعة)، والطاقة المائية (10 تيراواط/ ساعة)، والطاقة الحيوية (9.5 تيراواط/ ساعة)، وطاقة الرياح (4 تيراواط/ ساعة).
ولكن على الرغم من التقدم الكبير في إنتاج الطاقة المتجددة، تواجه
اليابان عدة تحديات تتعلق بالبنية التحتية لشبكة الكهرباء وتكلفة الإنتاج الأولية المرتفعة لتقنيات الطاقة المتقدمة، فعلى سبيل المثال تُقدر تكلفة إنتاج خلايا بيروفسكايت الشمسية في السنوات الأولى بثلاثة أضعاف تقنيات الطاقة الشمسية التقليدية، ما قد يحد من تبنيها على نطاق واسع في البداية.
تحديات واستراتيجيات لمواكبة النمو
في ظل تزايد الحاجة إلى الحد من الاعتماد على الوقود الأحفوري، تتخذ اليابان خطوات حاسمة لتعزيز استخدام الطاقة المتجددة، وفقاً لوكالة الموارد الطبيعية والطاقة التابعة لوزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة اليابانية (METI).
منذ كارثة فوكوشيما عام 2011، شهدت الطاقة المتجددة نمواً كبيراً، إذ ارتفعت حصتها في إنتاج الكهرباء من 10 في المئة إلى أكثر من 20 في المئة بحلول 2022، بفضل نظام التعرفة التحفيزية (FIT).
كما وضعت الحكومة اليابانية هدفاً يتمثل في رفع نسبة الطاقة المتجددة إلى ما بين 40 في المئة و50 في المئة من إجمالي توليد الكهرباء بحلول 2040، مقارنة بنسبة 22.9 في المئة في عام 2023، ومن المتوقع أن يتم تقليل الاعتماد على الفحم والغاز إلى ما بين 30 في المئة و40 في المئة، ما يعكس تحولاً تدريجياً نحو مصادر طاقة أكثر استدامة.
وتعد الطاقة الشمسية المحرك الرئيسي لهذا النمو، إذ ارتفعت من 0.4 في المئة عام 2011 إلى 9.2 في المئة في 2022، ما جعل اليابان تحتل المرتبة الثالثة عالمياً في القدرة المركبة للطاقة الشمسية، ورغم هذا التقدم فإن تحقيق هدف مضاعفة حصة الطاقة المتجددة بحلول 2030 لا يزال يواجه تحديات كبيرة، من بينها الحاجة إلى التوافق مع المجتمعات المحلية والتوسع في التكنولوجيا الوطنية.
تعتمد اليابان حالياً على الألواح الشمسية المستوردة، ما دفع الحكومة لدعم تطوير خلايا بيروفسكايت الشمسية، التي اخترعها البروفيسور ميازاكا تسوتومو، كمصدر مستقبلي للطاقة، هذه التقنية -التي تعتمد على اليود- تتميز بخفة وزنها وقابليتها للتركيب على الجدران والمباني، ما يجعلها مثالية للبيئة اليابانية ذات المساحات المحدودة، الشركات اليابانية مثل Sekisui Chemical تعمل على تطوير هذه التكنولوجيا بدعم حكومي، مع خطط لتركيبها على جدران ناطحات السحاب بحلول 2028، ما يعزز تحول اليابان إلى الطاقة النظيفة.
ومع تصاعد المخاوف بشأن أمن الطاقة، تعمل اليابان على تنويع مصادرها وتقليل الاعتماد على الواردات، خاصة في ظل التقلبات الجيوسياسية العالمية. ويعتمد نجاح هذه الاستراتيجية على قدرة الحكومة والقطاع الخاص على الاستثمار في البحث والتطوير لتسريع نشر التقنيات المتقدمة.