تغير المناخ يخلق مناطق ميتة «تأمينياً»

بقايا المركبات والشركات المحترقة في إعصار باليساديس الحارق في لوس أنجلوس، كاليفورنيا، الولايات المتحدة، 11 يناير 2025. رويترز
تغير المناخ يخلق مناطق ميتة «تأمينياً»
بقايا المركبات والشركات المحترقة في إعصار باليساديس الحارق في لوس أنجلوس، كاليفورنيا، الولايات المتحدة، 11 يناير 2025. رويترز

أصبحت الكوارث الطبيعية أكثر تواتراً وفتكاً وتدميراً، وفي الوقت نفسه تنسحب شركات التأمين من تغطية المناطق الأكثر عرضة لحرائق الغابات والفيضانات والجفاف والأعاصير ما يجعلها (مناطق ميتة تأمينياً)، مع ذلك فإن جهودها لتجنب التكاليف والخسائر ما زالت بلا جدوى.

لا تتسامح الحكومات مع المناطق الميتة تأمينياً بشكل دائم، فهي لا تستطيع تحمل تكاليف دفع التعويضات بنفسها، وهذا يعني أن شركات التأمين ضد خسائر الممتلكات والحوادث مثل «إيه أي جي» و«أكسا» و«تشب» ستضطر في النهاية إلى تحمل جزء كبير من الفاتورة بطريقة أو بأخرى.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });

لقد تعرضت كل قارات العالم لحوادث مناخية متطرفة في السنوات الأخيرة، إذ تسببت حرائق الغابات في كاليفورنيا في يناير في أضرار تصل قيمتها إلى 150 مليار دولار، وفقاً لتقديرات (أكو ويزر)، وفي عامي 2019 و2020 اجتاحت حرائق الغابات أستراليا، وفي عام 2019 أصبح إعصار إيداي أحد أكثر الكوارث تدميراً على الإطلاق في نصف الكرة الجنوبي، حيث قتل أكثر من ألف شخص في موزمبيق وزيمبابوي وملاوي، وفي غضون ذلك تسببت الفيضانات في ألمانيا في عام 2021 في أضرار بقيمة 40 مليار دولار وفقاً لشركة ميونيخ ري، ما يجعلها الكارثة الطبيعية الأكثر تكلفة في القلب الاقتصادي لأوروبا.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });

تتزايد تكاليف هذه الأحداث المدمرة، ففي عام 2024 بلغت الخسائر الاقتصادية العالمية الناجمة عن الكوارث الطبيعية 368 مليار دولار، وفقاً لشركة أون لخدمات التأمين، وهذه أعلى بنسبة 14 في المئة من المتوسط ​​السنوي (المُعدل بالتضخم) خلال القرن الحادي والعشرين.

ووفق هذه التقديرات سيكون 2024 هو الأسوأ، والسبب الرئيسي في ارتفاع الأضرار هذا العام هو حرائق الغابات في لوس أنجلوس.

وباستخدام نفس البيانات والتقديرات ستكون قيمة الخسائر المُؤمن عليها، والتي تغطيها وثائق التأمين، نحو 40 في المئة من إجمالي التكاليف الاقتصادية الناجمة عن الكوارث الطبيعية في السنوات الأخيرة، وهذا يعني أن 60 في المئة من السكان غير مشمولين بالتأمين.

وحتى الـ40 في المئة من الخسائر التي تغطيها شركات التأمين هي نسبة مُتضخمة بسبب إسهامات القطاع العام مثل برنامج التأمين الوطني ضد الفيضانات في الولايات المتحدة أو اتحاد تعويضات التأمين في إسبانيا.

تقليص المخاطر

تحاول شركات التأمين تقليص تعرضها للمخاطر، فقد انسحبت شركتا «ستيت فارم» و«أول ستيت»، في السنوات الأخيرة من بعض أشكال التغطية في كاليفورنيا بغرض تجنب الأضرار الناجمة عن ألسنة اللهب في يناير كانون الثاني.

وفي لويزيانا انسحب ما يقرب من 20 شركة تأمين في العامين الماضيين، وفقاً لنتائج تحقيق أجراه الكونغرس الأميركي ونُشر في ديسمبر كانون الأول.

وتشير تقديرات المنتدى الاقتصادي العالمي إلى أن تكاليف تغير المناخ قد تصل إلى 3 تريليونات دولار بحلول عام 2050.

والحكومات التي تعاني من نقص السيولة لن تستطيع أن تتحمل الفاتورة بالكامل، ومن غير الممكن ترك السكان يواجهون مصيرهم منفردين دون تغطية في المناطق الميتة تأمينياً.

تحاول بلدان مختلفة إيجاد حلول مختلفة، ففي بريطانيا على سبيل المثال، تعاونت شركات التأمين والحكومة لتغطية المنازل المعرضة للفيضانات، وجمعت المبادرة المعروفة باسم «فلود ري» من شركات التأمين 17 مليار دولار أميركي.

وتتعامل الشركات مباشرةً مع العملاء، ولكنها تستطيع أن تتخلص من المخاطر لصالح «فلود ري».

والمشكلة هي أن هذا النظام، الذي من المقرر أن ينتهي في عام 2039، لا يغطي سوى جزء ضئيل من منازل بريطانيا الآن، ومن غير الواضح ما إذا كانت الحكومات المستقبلية ستكون على استعداد لدعم التكاليف إذا تزايد الضرر وارتفعت تكاليف التغطية اللازمة.

سويسرا لديها نموذج أكثر شمولاً، ففي المناطق ذات المخاطر العالية من الفيضانات أو غيرها من المخاطر، تغطي 12 شركة تأمين مجتمعة 90 في المئة من تكلفة الكوارث الطبيعية.

ويدفع العملاء أقساط التأمين على أساس قيمة منازلهم، وليس على أساس المخاطر والأضرار المُحتملة، ما يعني أن العملاء منخفضي المخاطر يدعمون العملاء ذوي المخاطر العالية، ولكن من غير الواضح ما إذا كان هذا لينجح في بلد أقل ثراءً، أو أكثر تعرضاً للمخاطر.

توضح حرائق الغابات الأخيرة في الولايات المتحدة كيف يمكن للخطط الجيدة أن تفشل بعد الكارثة.

في العديد من الولايات، بما في ذلك كاليفورنيا وتكساس، يوجد لدى شركات التأمين ملاذ أخير بموجب خطة الوصول العادل إلى متطلبات التأمين (فير).

وفقاً لهذه الخطة تتقاسم شركات التأمين مخاطر تغطية المناطق المعرضة للخطر بشكل كبير.. لكن خطة (فير) انهارت مؤخراً تحت ضغط حرائق الغابات.

في فبراير الحالي اضطر القائمون على الخطة إلى طلب مليار دولار من التمويل الجديد من شركات التأمين.

بموجب قانون ولاية كاليفورنيا، يُسمح لشركات التأمين بنقل نصف تكلفة تعويض المتضررين من الكوارث المفاجئة إلى العملاء أنفسهم من خلال أقساط تأمينية أعلى، ولكن يجب أن تتحمل الشركات على الأقل النصف الآخر.

الجدير بالذكر أن أرباح قطاع التأمين تبلغ بالكاد خانة العشرات، وفق بيانات شركة سويس ري، ولا يوجد الكثير من الأرباح الزائدة لتغطية كل هذه الكوارث.

مستقبل أفضل؟

من الممكن أن نتخيل مستقبلاً أفضل إذا تدخلت الحكومات بقواعد بناء صارمة لضمان أن تكون المباني المُعرضة للكوارث أكثر قدرة على الصمود في مواجهة الفيضانات أو الأعاصير أو الحرائق.

وقد تساعد التطورات في علم البيانات والذكاء الاصطناعي شركات التأمين على تجنب المزيد من الكوارث، من خلال السماح لها بالبحث في صور الأقمار الصناعية والسجلات التاريخية لتحديد قيمة بوليصة التأمين والأماكن التي يُفضل أن تنتشر فيها بعيداً عن الكوارث.

لكن الوصول إلى هذا المستقبل سوف يستغرق عقوداً من الزمن، وفي غضون ذلك من المرجح أن تستمر الحكومات في مطالبة شركات التأمين بتحمل المزيد من التكاليف.