تخوض بريطانيا سباقاً مع الزمن لتفادي ضربة مالية قاسية قد تُكلفها أكثر من 800 مليون جنيه إسترليني سنوياً (نحو مليار دولار) بدءاً من العام المقبل، بسبب عدم ربط سوق الكربون البريطانية بنظيرتها الأوروبية قبل دخول «ضريبة الكربون الحدودي» حيز التنفيذ في يناير كانون الثاني 2026.
رغم إعلان لندن وبروكسل نيتهما إعادة وصل الأسواق الكربونية ضمن ما وُصف بـ«إعادة ضبط» للعلاقات بعد البريكست، فإن غياب الجدول الزمني والتنفيذ التقني يهدد بتأخير الربط لعدة سنوات، ما قد يُعرض القطاعات الصناعية البريطانية لأعباء تنافسية باهظة.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });
حتى مغادرة بريطانيا الاتحاد الأوروبي في 2020، كانت ضمن نظام تجارة الانبعاثات الأوروبي (EU ETS). لكن بعد البريكست، أنشأت لندن سوقاً محلية مستقلة للكربون.
ومع اقتراب دخول ضريبة الكربون الأوروبية على الواردات حيز التنفيذ، بات من الضروري لبريطانيا إعادة ربط نظامها الأوروبي لتفادي الرسوم الإضافية على صادراتها، خاصة في قطاعات الحديد والإسمنت والأسمدة.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });
رغم إعلان الجانبين عزمهما إعادة ربط الأسواق الكربونية، لم يتم تحديد جدول زمني واضح حتى الآن، وهو ما يُثير القلق في الأوساط الصناعية والاقتصادية.
فبحسب محللين، مثل بن لي من مؤسسة «إنرجي أسبكتس»، فإن أقرب موعد واقعي لإتمام الربط الكامل قد يكون في 2028 أو حتى 2030، بسبب التعقيدات التقنية والإدارية.
وبينما ترى الحكومة البريطانية أن الربط سيُجنب الشركات البريطانية دفع ضريبة الكربون الأوروبية الجديدة التي ستُفرض على الانبعاثات الكامنة في المنتجات المستوردة، يُصر مسؤولون أوروبيون على أن الإعفاء من هذه الرسوم مرهون بالربط الكامل للسوقين، وهذا يعني أن شركات الحديد والإسمنت البريطانية قد تواجه بدءاً من 2026 رسوماً سنوية تُقدر بـ800 مليون جنيه إسترليني، ما لم يتم التوصل إلى اتفاق قبل نهاية العام الجاري.
العقبات التقنية والسياسية
لإتمام الربط، تحتاج بريطانيا إلى مواءمة قواعدها الوطنية المتعلقة بإصدار تصاريح الانبعاثات مع المعايير الأوروبية، وتعديل نظام المزادات، وضبط سقف الانبعاثات المسموح بها، بالإضافة إلى توافقات تتعلق بآليات التوازن بين العرض والطلب في السوق، وهي أمور ما زالت تختلف بين الجانبين.
فعلى سبيل المثال، يفتقر النظام البريطاني لما يُعرف بـ«احتياطي الاستقرار السوقي» الموجود في الاتحاد الأوروبي، في حين يحتوي النظام البريطاني على آلية لتحديد سقف الأسعار لا تتوفر في النظام الأوروبي، وهو ما يُعقد التوافق الفني بين النظامين.
هل يمكن إنجاز الربط سريعاً؟
رغم هذه التحديات، ترى جهات في القطاع الخاص أن الأمر ليس مستحيلاً، بل يعتمد على الإرادة السياسية، فبحسب شركة الطاقة البريطانية SSE، يمكن توقيع اتفاق الربط خلال ستة أشهر إذا توفرت النية السياسية، على أن يبدأ التطبيق في 2028.
وتدعو مجموعة «إنرجي يو كيه» الحكومة البريطانية للسعي للحصول على إعفاء مؤقت من الضريبة الأوروبية ريثما يتم إتمام الربط، لتفادي الأعباء الإضافية في حال طال أمد المفاوضات.
من الرابح؟ ومن المستفيد؟
اقتصادياً، يعتبر هذا الربط فرصة أكبر لبريطانيا منه للاتحاد الأوروبي، نظراً لصغر حجم سوق الكربون البريطانية مقارنةً بالسوق الأوروبية، التي تُعد أكثر سيولة وتنظيماً، ويؤكد مسؤولون أوروبيون أن حافزهم الرئيسي هو دعم توسع تسعير الكربون على المستوى العالمي، لتجنب التشوهات التنافسية وتحقيق أهداف خفض الانبعاثات بشكل عادل.
إذا لم تُسرّع بريطانيا وتيرة التنسيق الفني والسياسي مع الاتحاد الأوروبي، فإن فاتورة الكربون قد تُصبح عبئاً ثقيلاً على قطاعات صناعية حيوية، في وقت تتزايد فيه المنافسة العالمية، المسألة لم تعد تقنية بقدر ما أصبحت اختباراً لإرادة سياسية، وقدرة لندن على التحرك سريعاً لحماية تنافسية صناعتها بعد البريكست.