في وقتٍ توصل فيه مؤتمر الأطراف للمناخ كوب 29 بالعاصمة الأذربيجانية باكو إلى اتفاق يوفّر تمويلاً سنوياً لا يقل عن 300 مليار دولار للدول النامية، إلّا أن نتائج المؤتمر تجاهلت وضع مقترح أو بند بشأن خطط الانتقال بعيداً عن الوقود الأحفوري، إذ يرى عدد من المحللين والخبراء أن كبار منتجي النفط والغاز في العالم غير راغبين في تقليص إنتاج الوقود الأحفوري، ما يبعث رسالة مقلقة مفادها أن إنتاج الوقود الأحفوري سيستمر دون انقطاع.

وشمل اتفاق مؤتمر الأطراف للمناخ التاسع والعشرين كوب 29 هدفاً تمويلياً أساسياً جديداً بقيمة 300 مليار دولار، وهو ما يزيد 3 أضعاف على الهدف السابق البالغ 100 مليار دولار، وفقاً للموقع الرسمي للمؤتمر.

وكانت الدول النامية تقترح تمويلاً بقيمة 500 مليار دولار لكن الدول الغنية اقترحت من 250 مليار دولار سنوياً قبل أن تتوصل في نهاية الاتفاق على تقديم 300 مليار دولار سنوياً.

وقال خبير اقتصادي دولي في النفط والطاقة العالمية، ممدوح سلامة، إن تمويل 300 مليار دولار لا يكفي لتمويل التحول في مجال الطاقة في البلدان النامية بعيداً عن الوقود الأحفوري، إذ إن التكاليف المقدرة للتحول في مجال الطاقة في البلدان المتقدمة التي هي أفضل استعداداً من الناحية التكنولوجية للتحول تبلغ 75 تريليون دولار، فكيف يمكن أن تكون 300 مليار دولار كافية للبلدان النامية، فهي تحتاج إلى تريليوني دولار على الأقل.

من جانبه، قال مدير شؤون النفط والغاز في شركة سينرجي للاستشارات، راجات كابور، إن إحدى أكبر نتائج كوب 29، هي رفض البند الخاص بـ«الانتقال بعيداً عن الوقود الأحفوري»، معقباً «وظهر ذلك في البيان الختامي، ما أظهر أن أكبر منتجي النفط والغاز في العالم، وخاصة في الدول النامية، غير راغبين في تقليص إنتاج الوقود الأحفوري، ما يبعث رسالة مقلقة مفادها أن إنتاج الوقود الأحفوري سيستمر دون انقطاع، إذ من الواضح أن كبار منتجي النفط والغاز في العالم كانوا قادرين على استخدام نفوذهم وثقلهم للحصول على نتيجة مواتية نحو النهاية».

وتابع كابور، أن التعهد بمبلغ 300 مليار دولار، على الرغم من أنه خطوة إلى الأمام، فإنه غير كافٍ لتلبية الاحتياجات العاجلة للدول الضعيفة، ودون استثمار كبير في تدابير التكيف، ستواجه هذه الدول تحديات متزايدة في بناء البنية الأساسية المرنة القادرة على تحمل العواصف الشديدة على نحو متزايد، والجفاف المطول، وغير ذلك من الكوارث الناجمة عن المناخ.

وأضاف كابور، أن التعهدات المقدمة خلال كوب 29 «ليست غير كافية فحسب، بل إنها تفتقر أيضاً إلى الوضوح والإلحاح المطلوب لمكافحة أزمة المناخ المتسارعة، ويبدو أن العالم يتبنى مبدأ (أحفر يا صغير أحفر)، وهي عبارة ترمز إلى إعطاء الأولوية للمصالح الاقتصادية قصيرة الأجل على الاستدامة البيئية طويلة الأجل».

وقال مدير شؤون النفط والغاز في شركة سينرجي للاستشارات، إن كوب 29 قد ترك الكثير مما هو مرغوب فيه، وخاصة في ما يتعلق بالقضية الحاسمة المتمثلة في تمويل المناخ، «إذ كانت تهدف الأجندة إلى تأمين التزام من الدول المتقدمة بهدف تمويل قوي بقيمة 1.3 تريليون دولار سنوياً، وسيساعد هذا الدعم المالية البلدان الأكثر فقراً على التحول بعيداً عن الوقود الأحفوري وإصلاح الأضرار الواسعة النطاق التي ألحقها تغيّر المناخ بالمجتمعات في جميع أنحاء العالم.. ومع ذلك، فإن الاتفاق النهائي على 300 مليار دولار -وهو جزء بسيط من الرقم المقترح- يؤكد عدم كفاية صارخ في معالجة حجم الأزمة».

وكان هيثم الغيص الأمين العام لمنظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، قال في كوب 29 في أذربيجان الشهر الماضي، إن النفط الخام والغاز الطبيعي «هبة من الله»، وإن محادثات الحد من الاحتباس الحراري يجب أن تركّز على خفض الانبعاثات وليس اختيار مصادر الطاقة.

وجاءت هذه التصريحات في وقت اجتمعت فيه حكومات العالم التي تسعى إلى الحد من الأضرار الناجمة عن الاحتباس الحراري في البلد المطل على بحر قزوين، في مسعى للتوصل إلى اتفاق مالي شامل يهدف إلى مساعدة البلدان على خفض الانبعاثات والتكيف مع تداعيات تغيّر المناخ.

وأضاف «تؤثّر هذه الموارد في كيفية إنتاج الطعام وتعبئته ونقله، وكذلك في إجراء الأبحاث الطبية وتصنيع وتوزيع المستلزمات الطبية.. يمكنني الاستمرار في ذكر عدد لا نهائي من الأمثلة».

وقال المتخصص في أسواق النفط، ومحلل أسواق النفط في ICI، ديفيد جوربناز، إن نتائج مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين في باكو بأذربيجان أثارت مخاوف بشأن الالتزام العالمي بخفض انبعاثات الكربون من إنتاج الوقود الأحفوري، وعلى الرغم من التقدم الكبير الذي أحرز في مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين في دبي، حيث وافقت الدول على التحول بعيداً عن الوقود الأحفوري، فإن النص النهائي لمؤتمر الأطراف التاسع والعشرين افتقر بشكلٍ ملحوظ إلى إشارات صريحة إلى هذا الالتزام».

ووافقت الدول المشاركة في مؤتمر الأمم المتحدة لتغيّر المناخ كوب 28 في دبي نهاية العام الماضي على خريطة طريق «للتحول بعيداً عن الوقود الأحفوري»، وهي المرة الأولى من نوعها في مؤتمر للأمم المتحدة للمناخ، لتأتي بعد موافقة الدول في قمة المناخ كوب 27 على خفض انبعاثات غاز الميثان.

وأضاف جوربناز، أن عدة عوامل أسهمت في إغفال مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين للالتزامات الصريحة بخفض انبعاثات الكربون من إنتاج الوقود الأحفوري، «منها استضافة أذربيجان المؤتمر، وهي دولة تستمد ما يقرب من ثلثي عائداتها من إنتاج النفط والغاز، ربما أثر هذا الاعتماد الاقتصادي في أجندة المؤتمر ونتائجه، ما قد يؤدي إلى التردد في معالجة خفض الوقود الأحفوري بشكل مباشر».

وقال المتخصص في أسواق النفط، ومحلل أسواق النفط في ICI، إن البلدان ذات المصالح الكبيرة في الوقود الأحفوري، عارضت الإشارات الصريحة إلى التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، «حيث خلقت مقاومتهم تحديات في التوصل إلى إجماع بشأن لغة قوية فيما يتعلق بخفض الوقود الأحفوري».

وبشأن عدم البناء على نتائج مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين، أوضح جوربناز، كان هناك إدراج تاريخي لمصطلح «الوقود الأحفوري» في الاتفاق النهائي، ما يشير إلى الالتزام بالانتقال بعيداً عنه، ومع ذلك لم يبن كوب 29 على هذا الزخم بسبب الافتقار إلى الإجماع إذ أعاقت المصالح المتباينة للدول المشاركة، وخاصة تلك التي تعتمد اقتصادياً على الوقود الأحفوري، تقدم الالتزامات السابقة.

وحسب المتخصص في أسواق النفط، ومحلل أسواق النفط في ICI، فإن نتائج كوب 29 تشير إلى ركود وليس تراجع واضح في السياسات التي تعالج ارتباط إنتاج الوقود الأحفوري بتغيّر المناخ، في حين تظل بعض الدول ملتزمة بالانتقال بعيداً عن الوقود الأحفوري، قاومت دول أخرى الالتزامات الصريحة، ما أدى إلى عدم تحقيق تقدم موحد.