تراجعت أسعار الذهب بأكثر من 200 دولار في أقل من 24 ساعة، من مستويات تاريخية بلغت 3500 إلى 3291 دولاراً للأوقية، وهو ما أعاد مصطلح «الباكورديشن» Backwardation إلى الواجهة الاقتصادية. يشير هذا التحوّل المفاجئ إلى تغير في منحنى الأسعار الفورية مقارنة بالعقود الآجلة، مثيراً تساؤلات حول دلالاته، فهل هو اضطراب مؤقت أم مؤشر على خلل أعمق في السوق العالمية؟
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });
ما هو «الباكورديشن»؟
الباكورديشن هو حالة يكون فيها السعر الفوري للسلعة أعلى من سعر العقود الآجلة، ما يشير إلى طلب فوري مرتفع، ما يعني أن المستثمرين يفضلون الحصول على الذهب الآن بدلاً من تأجيل استلامه، خوفاً من نقص المعروض أو تفاقم الأزمات.
يأتي هذا بعكس الحالة المعتادة في الأسواق، المعروفة بالكونتانغو Contango، التي تصف حالة السوق عندما تكون أسعار العقود الآجلة أغلى من الأسعار الفورية بسبب تكاليف التخزين والتمويل.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });
لماذا الآن؟
لاحظ المستثمرون انخفاض العقود الآجلة لتسليم يونيو حزيران 2025 من 3509 دولار خلال تعاملات أمس الثلاثاء إلى 3302 دولار للأوقية في تعاملات اليوم الأربعاء، مقتربة من السعر الفوري للمعدن الثمين.
هذه الظاهرة نادرة في الذهب نظراً لقابلية تخزينه المنخفضة التكلفة، ما يجعل الباكورديشن فيه إشارة على تغير جذري في توجهات السوق والمخاوف من السياسات النقدية والتوترات العالمية.
مؤشرات مقلقة
في الاقتصاد التقليدي، يُفترض أن أسعار الذهب في المستقبل أعلى من الأسعار الحالية بسبب تكاليف التخزين والتأمين والفرصة البديلة.
ولكن حين تظهر حالة الباكورديشن، فإن ذلك يعني أن الطلب الفوري على الذهب مرتفع بشكل غير معتاد، أو أن هناك مخاوف من شح في المعروض أو انهيار في الثقة بالأسواق.
وقد ربط بعض الخبراء هذه الظاهرة بتوقعات بتباطؤ الاقتصاد الأميركي في ظل التوترات التجارية المستمرة بين الولايات المتحدة وشركائها، وعلى رأسهم الصين.
في غضون ذلك، أشار
وزير الخزانة الأميركي أمس الثلاثاء إلى أن النزاع التجاري «لا يمكن أن يستمر» وأنه لا بد من حلول قريبة، ما زاد من ضبابية المشهد الاقتصادي، وتسبب في التقلبات التي شهدتها الأسواق المالية عالمياً.
ويرى البعض، كمدرسة فكيته النمساوية، أن حدوث الباكورديشن في سوق الذهب دلالة على انهيار وشيك في الثقة بالعملات الورقية والنظام المالي، خصوصاً إذا استمر لفترات طويلة، كما حدث في الأزمة المالية العالمية 2008 وخلال فترة جائحة كورونا عام 2020.
توقعات الذهب والباكورديشن
رغم أن ارتفاع السعر الفوري مقارنة بالعقود الآجلة قد يشير إلى توقع تراجع الأسعار مستقبلاً، فإن الواقع يظهر العكس تماماً، إذ تتفق تحركات السوق مع توقعات مؤسسات مالية كبرى مثل جيه بي مورغان وغولدمان ساكس، اللتين توقعتا تجاوز الذهب مستوى 4000 دولار للأوقية خلال العامين المقبلين.
على سبيل المثال يتوقع جيه بي مورغان أن يتخطى سعر الذهب 4000 دولار للأوقية في النصف الأول من 2026، مع زيادة الطلب على المعدن الأصفر من قبل المستثمرين والبنوك المركزية، ما سيدفع الأسعار إلى هذه المستويات المرتفعة.
وفي الوقت ذاته، يتوقع غولدمان ساكس أن يتراوح سعر الذهب بين 3700 دولار و3800 دولار للأوقية بنهاية 2025، مع إمكانية وصوله إلى 4500 دولار في سيناريوهات أخرى.
هذه التوقعات نتيجة زيادة المخاوف من الركود المحتمل، وتصاعد الحروب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، ما يجعل الذهب ملاذاً آمناً للمستثمرين في ظل الأوضاع الاقتصادية المضطربة.
الباكورديشن في هذه الحالة لا يعكس تشاؤماً، بل يعكس فجوة مؤقتة بين تسعير السوق والتقديرات طويلة الأجل، معززة بارتفاع الطلب الفوري وتزايد شهية المستثمرين للمعدن الثمين.
هذه الفجوة بين الأسعار الفورية والعقود المستقبلية تؤكد أن المستثمرين يتوقعون زيادة في الأسعار في المستقبل القريب، وهو ما يتماشى مع التحليل الذي يرى أن الأسعار ستستمر في الارتفاع بفعل العوامل الاقتصادية العالمية.
في النهاية، لا يبدو أن الباكورديشن في سوق الذهب يعكس انهياراً وشيكاً، بقدر ما يعكس سباقاً على الأمان وسط عالم اقتصادي يزداد غموضاً يوماً بعد يوم.