مشهد اليوم يحكي قصة الساعات الأولى لتداولات اليوم الثلاثاء في التعاملات الصباحية للعقود الآجلة لخامي النفط غرب تكساس وبرنت، فأسعار النفط هوت بحدة بعدما ارتفعت بحدة، لزيادة مراهنات الجشع على ارتفاعات أكبر، فتغير المشهد كلياً من زهو الأرباح إلى تراب الماس.
قراءة في «اللامنطق»
ظلّ النفط، طوال أيام الحرب بين إسرائيل وإيران، يتحرك داخل قناة صاعدة حادة، حدّها الأدنى عند مستوى 55 دولاراً للخامين، ومع انطلاق شرارة الحرب، اخترق الخام الأميركي وخام برنت مستويات مقاومة متتالية دون أي تصحيح يُذكر، حتى بلغ ذروته عند أعلى قمة له في خمسة أشهر دون الثمانين بـ3 دولارات.
الزخم القوي استمد شدته مع كل تصعيد سياسي، فكل تصريح ناري يتحوّل إلى وقود لعقود جديدة تدخل السوق بأوامر ورهانات فورية، لكن الخطر الحقيقي لم يكن في الحرب ذاتها، بل في الإفراط في قراءتها السوقية.
المتداولون لم يراهنوا فقط على نشوب الحرب، بل على استمرارها وتفاقمها، ومع اقتراب الأسعار من مناطق ذروة شرائية على مختلف المؤشرات، لم تتراجع الرهانات، بل تزايدت بشراهة.
وبدء رد فعل إيراني أشيع من لحظاته الأولى الأمر ونقيضه فضرب قواعد عسكرية أميركية أمر خطير وإعلان شركات الطيران بوقف رحلات الطيران فوق سماواته أمر أخطر ويزيد الاشتعال.
فنياً، كيف كان المشهد؟
مع بداية تداولات اليوم مؤشر القوة النسبية RSI ضج بالصراخ بأن مراهنات الشراء بلغت العنان والتشبع الشرائي لمستويات المؤشر الشهيرة فاقت منطقة السبعين التقليدية وتجاوزت الثمانين المجنونة واخترقت التسعين اللامنطقية، يجب البيع من هنا ( RSI 70-90).
كل تقاطعات مؤشر MACD بدأت تشير إلى حتمية الهبوط، ومؤشر قناة السلع CCI قد دشن آخر نقطة في سقف الارتفاع.
طلبات الشراء بلغت مستويات حرجة، وأوامر البلوك أوردر BLOCK ORDER تخلو من أي نسب بيعية.. ماذا يفعل صانع السوق؟
ربح الجميع بما يكفي من توقعات صعود النفط بانطلاق الحرب.. صانع السوق يسمح بمشاركة الربح لكن يبدو أن صانع السوق قد أخذ قراراً بوقف هذه المسرحية.. المسرحية التي دفعت البعض ليقول «النفط إلى 200 دولار فلا سقف في زمن النار».
قراءة صانع السوق
صانع السوق بالأساس رجل سياسة مخضرم قبل أن يكون اقتصادياً بارعاً فعلى ما يبدو قرأ صانع من تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب عقب الرد الإيراني على هجمات أميركا على مفاعلات أصفهان ونطنز وفوردو تنسيقاً يذهب الروع، الآن لا مخاوف..هكذا قرأها صانع السوق.
هنا انقض صانع السوق خاطفاً المضاربين ورهانات الجشع على صعود أعلى للأسعار أوالتصعيد بضرب قواعد عسكرية وإغلاق مضيق هرمز.
ضربة صانع السوق غيرت المشهد من طامة كبرى في هرمز إلى طامة كبرى لمراهنات الجشع.. فخلال دقائق معدودة انتهت ضربات إيران على القواعد العسكرية الأميركية والكل خرج مقتنعاً بحصاده بعد إعلان أميركي باتفاق إسرائيل وإيران على وقف إطلاق النار، لتنهار فجأة مراهنات الجشع في لحظة.. النفط يهبط فوق 6% بعد ساعتين من التداول فقط لكن الكارثة لم تكن في التهدئة نفسها.
تصريحات للمضاربة
وفي الخلفية، كان الرئيس دونالد ترامب يحرّك خيوط اللعبة بتصريحاته المباشرة والمشفّرة معاً، ففي منشور على منصة «تروث سوشيال»، حذّر قائلاً: «ينبغي على الجميع الحفاظ على انخفاض أسعار النفط، وإلا فإنهم يلعبون لصالح العدو!».. وعلى شركات الطاقة الأميركية زيادة الحفر.
ثم صعد لهجته موجّهاً أوامر صريحة إلى وزارة الطاقة: «ابدؤوا الحفر.. وأنا أعني الآن!»، في دعوة صريحة لزيادة الإنتاج الأميركي وكسر أي موجة مضاربة متضخمة.
النفط بالأرقام
خام برنت هوى بنسبة 5.3% ليصل إلى 67.66 دولار للبرميل، بينما تراجع خام غرب تكساس الوسيط الأميركي بنسبة 5.5% ليستقر عند 64.76 دولار، وكانت الأسعار قد ارتفعت قبل ذلك بأيام إلى أعلى مستوياتها في خمسة أشهر، على مقربة من الثمانين بـ3 دولارات، بعد الضربة الأميركية على المنشآت النووية الإيرانية.
مضيق هرمز
وقف الحرب يعني فتح الباب أمام عودة الإمدادات، وتبخر المخاوف من تعطل الشحن عبر مضيق هرمز، الذي تمر منه ما بين 18 و19 مليون برميل يومياً تعادل قرابة خمس الاستهلاك العالمي، وكلما تراجعت احتمالات الخلل هناك، تقلّص هامش المخاطر، وتبخّرت علاوة السعر.
في النهاية، لم يكن انتهاء الحرب هو الحدث الحقيقي، بل ذلك الانفجار المفاجئ لمناطق الطلب الزائف تحت ضغط الجشع.
صانع السوق لم يُعِر أياً من ذلك اهتماماً، أسقط الأسعار وأسقط مراهني الجشع وحول بريق الماس الساطع إلى تراب الماس الخانق.