في خطوة أثارت جدلاً واسعاً، أمر البيت الأبيض بإزالة آلاف الصفحات من مواقع الحكومة الفيدرالية، ما أدى إلى اختفاء شبه كامل لمحتوى يخص موضوعات حساسة مثل التمييز، والهوية الجنسية، والتحقيقات الخاصة بقضايا اقتحام الكونغرس في 6 يناير كانون الثاني 2021. هذه الحملة على المحتوى الرقمي دفعت خبراء الأرشفة الرقمية إلى تسريع جهودهم في حفظ البيانات الحكومية، خوفاً من ضياعها إلى الأبد.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });
إزالة ممنهجة للمعلومات
منذ تنصيب دونالد ترامب للمرة الثانية، تعرضت العديد من المواقع الحكومية لعمليات حذف واسعة النطاق، امتثالاً لأوامر تنفيذية جديدة.
من أبرز المتأثرين كان موقع مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها (CDC)، إذ أُزيلت منه آلاف الصفحات في يناير كانون الثاني، قبل أن يأمر قاضٍ اتحادي بإعادة بعضها، كما طالت الإزالة مواقع أخرى مثل وزارة العدل، وموقع التأمين الصحي الحكومي Healthcare.gov، وصفحات متعلقة بالتنوع الجنسي على موقع وكالة أمن النقل (TSA)، إضافة إلى محتوى عن التمييز على مواقع لجنة تكافؤ فرص العمل (EEOC) ومكتب الإحصاء الأميركي.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });
في حين أن تغيير أو حذف صفحات حكومية ليس أمراً جديداً مع تغير الإدارات، فإن هذا التوسع في الحذف يبدو غير مسبوق، مارك غراهام، مدير منصة «آلة العودة بالزمن (Wayback Machine)»، يؤكد أن حجم الإزالة هذه المرة «أكبر بكثير من أي تغيير إداري سابق».
«آلة العودة بالزمن» تقود معركة الأرشفة الرقمية
مع تزايد القلق بشأن فقدان المعلومات، صعدت «آلة العودة بالزمن»، وهي أداة تابعة لمؤسسة «أرشيف الإنترنت» غير الربحية، إلى الواجهة كوسيلة رئيسية لحفظ المواقع المحذوفة.
وتتيح هذه المنصة للمستخدمين استرجاع الصفحات المؤرشفة منذ عام 1996، ما يوفر نظرة تاريخية على التغييرات التي طرأت على الإنترنت عبر السنين.
يعمل الأرشيف عبر روبوتات زاحفة (Crawlers) تجمع البيانات بشكل تلقائي، كما يمكن للمستخدمين حفظ صفحات محددة يدوياً عبر ميزة «احفظ الصفحة الآن»، وتحتوي قاعدة بيانات الأرشيف حالياً على أكثر من 916 مليار صفحة ويب، ما يجعلها أكبر مستودع للمحتوى الرقمي المفقود.
شراكات أكاديمية لحفظ البيانات الحكومية
إلى جانب «آلة العودة بالزمن»، تتعاون العديد من المؤسسات الأكاديمية والمبادرات غير الربحية لحماية السجلات الرقمية الحكومية، على سبيل المثال، يعمل مشروع «أرشيف نهاية الفترة الرئاسية» بالتعاون مع جامعة ستانفورد على توثيق مواقع الحكومة في نهاية كل فترة رئاسية منذ عام 2008.
كما أطلق «مركز ابتكار مكتبة هارفارد للقانون» في 6 فبراير شباط أرشيفاً لموقع data.gov، وهو أكبر مستودع حكومي للبيانات العامة، يشمل مجموعات بيانات من عامي 2024 و2025، والمشروع جزء من جهود المركز المستمرة للحفاظ على المعلومات العامة من الضياع الرقمي.
البيانات الرقمية في خطر.. لماذا يسهل فقدانها؟
على عكس الكتب المطبوعة التي يمكن الحفاظ عليها عبر نسخ متعددة، فإن المحتوى الرقمي أكثر هشاشة وعرضة للتلاشي، إذ يمكن تعديل الصفحات الإلكترونية أو حذفها بالكامل في لحظات، ما يجعل الوصول إليها مستقبلاً صعباً أو مستحيلاً.
تعتمد شبكة الإنترنت على عناوين URL، التي توفر فقط موقع البيانات وليس محتواها، مارك غراهام يوضح هذا التحدي قائلاً «تخيل أن لديك عنوان منزل، لكن قبل 10 سنوات كان يسكنه شخص آخر، كيف يمكنك معرفة ذلك؟ العنوان لا يخبرك بتاريخ سكانه السابقين».
الإحصائيات تكشف حجم الأزمة
تقرير حديث لمركز Pew Research وجد أن 38 في المئة من صفحات الإنترنت المتاحة في عام 2013 لم تعد موجودة بحلول 2023، وأن واحدة من كل خمس صفحات حكومية تحتوي على روابط معطوبة، نتيجة حذف المحتوى المرتبط بها.
جوني هادلوك، المدير التنفيذي لـ«الرابطة الوطنية لأرشيفات الحكومة وسجلاتها»، يؤكد أن المسؤولية لا تقع فقط على الأرشيفات المستقلة مثل «آلة العودة بالزمن»، بل يجب على الجهات الحكومية دمج عمليات الأرشفة ضمن سياساتها لحماية محتواها الرقمي.
أرشفة البيانات.. مهمة ملحة في العصر الرقمي
مع اعتماد العالم على المعلومات الرقمية أكثر من أي وقت مضى، أصبحت حماية هذه السجلات مسؤولية جماعية، ريبيكا فرانك، الأستاذة في جامعة ميشيغان، توضح أن جهود الأرشفة ليست جديدة لكنها أصبحت أكثر إلحاحاً اليوم، قائلة «الكثير من الأحداث اليوم مسجلة رقمياً، سواء كانت بيانات حكومية أو أبحاثاً علمية، هذه المعلومات ثمينة، ويجب أن نحافظ عليها».
(ماثيو كوفمان-CNN)